٥ | العودة إلى المنزل بعد منتصف الليل

53 6 0
                                    

في تلك الليلة، نحنُ بكينا كثيرًا تحت أضواء النجوم..

أتساءل لِمَ بكيتُ كثيرًا في تلك اللحظة؟ لِمَ بكت تلك النجمة الفائضة بالحزن الأزرق الثقيل؟

في تلك الليلة غير المألوفة، حيث استلقينا على العُشب نتشارك سماعةً واحدةً أثناء تقلبات النجوم والقمر واحتضان الغيم للسماء،

كانت ليلةً باردةً تشاركنا فيها معطفًا واحدًا
ورغم أنني أكره كثرة القرب، لكنني لم أمانع الأمر حقًّا هذه المرة

انتهى شحن هاتفي وكان خاصتها قد انتهى مسبقًا بالفعل، وأثناء الضجيج الصامت الذي امتزج بالغيث غير الملموس بدأت بالتحدث فجأة:
«لنلعب»

«نلعب..؟»
ماذا قد نلعبُ بمكانٍ كهذا دون هواتفنا؟

«أتُفضلين أن نعيش في هذا الصمت الأبديّ؟»

«لا أكره الفكرة حقًّا»
قلتُ قاصدةً استفزازها نوعًا ما، النجمات الغاضبات لطيفاتٌ دائمًا

«اصمتي»
«سأبدأ»

«أنا لم أوافق بعد»
«بالإضافة إلى أنكِ لم تُخبريني ما هي اللعبة حتى-»

نظرتُ إليها فوجدتها تُحاول تصنع نظراتٍ باردة، ثم تنهدت وبدأت تتحدثُ مجددًا لكن بنبرةٍ تبدو مصطنعة:
«أخبريني.. مِما تتكون الغيوم؟»

تنهدتُ بصوتٍ عالٍ بما يكفي ووجهتُ عينيّ نحو الغيمة الأكثر هيامًا في السماء:
«مجموعةٌ من قطرات الماء أو بلورات الجليد أو كلتاهما معًا، يتراوح قطرها بين ١ و١٠٠ مكرون، وتطفو في الجو على ارتفاع-»

«ماذا تفعلين؟»
قالت مُقاطعةً لحديثي

«أخبركِ عن تكوين الغيوم»
قلتُ مجيبةً بينما تنتابني رغبةٌ داخليةّ بالضحك بعد رؤية النظرة التي بدأت تعلو وجهها

«كنتُ أحاول تقليد طريقة كلامك كما تعلمين»

«أعلم»
«ولمعلوماتكِ أنا لا أتحدثُ هكذا»

«فقط اصمتي وقومي بمجاراتي وحسب»

«حسنًا..»
يبدو أنه لا مفر من هذا

«أخبريني.. مِما تتكون الغيوم؟»

«مُجددًا؟»
وجهت إليّ نظرةً حادةً تعني ‹لا تُفسدي الأمر مجددًا›

تنهدتُ وبدأت بتقليد نبرة صوتها مجيبة:
«لا أعلم، حبنا؟»

«أنا لا أتحدث هكذا!»
«أو ربما نوعًا ما.. لكن ليسَ تحديدًا!»
بغضبٍ طفيفٍ انفعلت

«انتِ من طلبتي أن أقوم بمجاراتكِ»

«أنتِ..»
«كيفَ تتحدثين وكأنكِ تعرفينني منذُ مدةٍ طويلة؟»

«قلتُ لكِ مسبقًا.. أنا أعرفكِ منذ بداية لقائاتنا»

«أيبدو هذا منطقيًّا لكِ؟»

«أجل»

«لا يبدو الأمر منطقيًّا بالنسبة إليّ»
«هل أنتِ عرافةٌ أو شيءٌ كهذا؟»
استقامت وجلست على الأرض بعدما كانت مستلقيةً براحةٍ فتبعتُها وجلستُ مقابلةً لها

«لا، لستُ كذلك»
تنهدتُ مجددًا

«إذًا؟»

«بالمناسبة»

نظرَت إليّ بنظراتٍ حائرةٍ فأردفت:
«لِمَ هربتِ مِنَ العالم؟»

«بالمناسبة»
قالت متجاهلةً سؤاليّ نوعًا ما

«أليس مِنَ المفترض أن يُعلن عن اسم ألبوم فرقتنا المفضلة الجديد بحلول هذا الوقت اليوم؟»

«تم الإعلان عنه منذُ فترة»

أغمضتُ عينيّ وتنهدت ثم ثبتتُ أنظاريّ نحوها مجددًا وأردفتُ مرددةً لذات السؤال:
«لِمَ هربتِ مِنَ العالم؟»
_

مرَّ الوقت، تحدثنا، وبكينا كثيرًا كأنَّ البُكاء هو رد الفعل الوحيد المسموح به في هذه الحياة

ولا زلتُ أتذكّر:
«منزلي ليسَ بقريبٍ ولا ببعيد، أنا أحيانًا أذهب للمنزل سيرًا، لِمَ؟ لأنَّ كُلَّ شيءٍ هنا أكثرُ راحة»

أتذكرُ أنني قلتُ لها هذا كاذبةً خلال إحدى المرات،

«منزلي ليسَ قريبًا، منزلي ليسَ دافئًا، لم أركب الحافلة لأنني لم أكُن أنوي العودة مجددًا»
هذه كانت الجملة الصادقة

لكن لِمَ أنا مشوشةٌ لدرجة أنني لا أتذكر أين منزلي؟ رغمَ أن سُم المدينة الرماديّة كان قد قلّ مؤخرًا..

لم أستطع سؤالها بشأن الدفتر مجددًا، لكن..
ليسَ لأنني نسيت، أنا لا أرغب بالتخلي عنه، لم يتسنى لي إنهاء تلك القصة بعد

ولسببٍ ما، لا أتذكر تحديدًا كيف عدنا إلى المنزل في ذلك اليوم

عِناق النجوم | Astrobosomحيث تعيش القصص. اكتشف الآن