خطوات سريعة وأنفاس متلاحقة ركضت بكل قوته، بفستان
طويل وشعر قصير أشبة بالفتيان وإقدام عارية بلا حذاء، تطلعت إلى الخلف مرات عديدة لتهرول مجددًا عندما سمعت صوت أحد الجنود من خلفها هاتفًا :
- أيتها السارقه توقفي .. توقفي أيتها الفتاة.
لم تبالي بصوته مكملة رك ًضا في تلك الغابة المظللة بالأشجار وصدر يعلو ويهبط من الركض وقفت قليلاً ملتقطة أنفاسها عندما شعرت بأن الأقدام خلفها انعدمت وأصوات الجنود هدأت
نظرت بلامبالاة إلى موضع قدمها اليمنى لتجدها تنزف بقوة،
أمسكت ذيل فستانها الباهت الملطخ بالطين قبل ان تنظر إلى تلك الغابة التي تحفظها مثل اسمها بابتسامه كبيرة،
تحركت ببطئ ناحية شجرة كبيرة لتجلس تحتها تستريح، مدت
قدمها الحافية أمامها لتمسح بطرف ثيابها الدماء النازفة وبحركة سريعة مزقت طرف الفستان رابطة جرحها.
أمالت ظهرها إلى الشجرة متحسسة جيب فستانها العميق لتبتسم بانتصار ، مدت يداها لتخرج كنزها الثمين متطالعه له برهة بظفر قبل أن تضعها في فمها ملتهمه إياها قطمة تلو الآخر بنهم لتهتف مغمضه عيناها باستمتاع :
- تالله لم تذق معدتي في جمال تلك التفاحة أبدًا.
أنهاتها سري ًعا لتتحسس جيبها مرة اخرى وكأنها تطمئن علي تفاحاتها، قامت ببطيء غير عابئة بقدمها المتألمة لتتقدم في اتجاه الشاطئ الصغير الفاصل بين عالمين ، شاطئ موضع فوقه خشبه صغيرة تكسرت من كثرة الصعود فوقها لتنقلها إلى الكوخ.
صعدت علي الخشبة سائرة بتمهل وعندما وصلت لآخرها ألقت نظرة علي العالم الأخير الذي تركته ، خشبه صغيرة تفصل بين عالم الهناء والرغد وبيت السلطان ..
ومن الجهة الأخرى عالمها هي كوخ صغير بآخر المدينة منعزل عند الحياة .
صفقت بيديها هاتفه بسخرية:
- حياتين مختلفتين في مدينة واحدة
وصلت إلى الكوخ طارقه الباب الخشبي بهدوء قبل أن تدلف هاتفه :
- أمي العزيزي احضرت طعام الغداء.
التفت الأم ألى مصدر الصوت بابتسامة مشرقه وعيون ابيضت من الحزن استندت إلي جدار البيت لتسرع ابنتها إليها قائله بعبوس :
- اجلسي مكانك أنا سآتي إليك بكل ما تحتاجيه لتهتف الأم بحزن :
- انتِ كل ما أملك يا عطر ، تحملين هموم الدنيا علي ظهرك وبمفردك.
اقترب من أمها تسندها لتهتف بحب :
- كل هموم تهون بوجودك
تحسست جيبها بتردد قبل أن تخرج تفاحة ، ماسحة إياها في ملابسها بحركة سريعة ، مدت يدها إلى أمها لتقول بتردد :
- خذي هذا الطعام يا أمي.
أخذت منها التفاحة لتقربها من فمها لتقضم جزء صغير منها قبل أن تبصقها علي الأرض سري ًعا هاتفه بنبرة قوية :
-من أين اتيتي بهذا يا عطر ؟
بعيون زائغة دارت في أنحاء البيت الخشبي صاحب الغرفة
الواحدة والذي يكاد يسقط من فوقهم كل يوم
كلهم يعرفون ... كل المدينة تعرف مقدر فقر وحاجتها هي و أمها الكفيفة لأبسط ما في الحياة ، لكن ما بايدهم سوى ما يكفيهم. والأهم ان كل المدنية تعرف من هي عطر.
عطر الفتاة القوية الجريئة ذات الكبرياء وصاحبه الرأس المرفوعة دائما بشموخ ، صاحبة القلب الطيب واللسان السليط لمن يستحق.
كلهم يعرفونها ظاهريا لكن أمها تحفظها جيدا وتعرف مدى صدق ابنتها وصراحتها.
كررت أمها السؤال بنبرة حادة :
- مين أين اتيتي بهذه التفاحة يا عطر ؟
لا يوجد هذا التفاح الا في بيت السلطان.
اذدرت ريقها بصعوبة هاتفه بنبرة مضطربة :
- أمي أنا ..
وقاطع كلامها صوت قوي صارخا من خلف الباب الموارب قليلا :
- ايتها السارقة اخرجي.
استدارت منتفضة من الصوت بقوة ، لتجد يد قوية . قابضة علي معصمها لتعود بنظرها الي أمها إلى رددت
بقوة :
-لا تخشي اي أحد، أنا اصدقك يا بنتي حتى لو لم اعلم ماذا فعلتي أصدقك.
ربت علي يد أمها بحنان ، تنفست بهدوء لتبتعد عنها . مقتربة من باب البيت فاتحه إياه ، لتجد أمامها ستة من
الجنود يترأسهم رجل يبدوا من ملابسه المختلفة عنهم أنه قائدهم اقترب القائد بصوته الصارم قائلا :
أنتِ سارقة التف...
قاطعته بقوة وبنظرة أكثر صارمة هاتفه :
- أنا لست سارقة
رددت القائد بلامبالاة :
.- هذا شيء لا يعنيني السلطان يريد مقابلتك في الحال.
قالت ف لامبالاة مماثلة :
- لن أذهب لأحد
ضغط القائد علي اسنانة بغضب : -أنالااخبرك هذا أمر وانتي ستنفذية.
رفعت رأسها بشموخ مرددة :
- هذة الأوامر ستقف عندي لأني لا أحد يستطيع أن يؤمرني.
نفخ القائد بغضب :
- لا تجعليني أغضب أيتها الفتاة الجريئة
ابتسمت بهدوء لتحسس جيبيها بهدوء لتخرج كل التفاحات واضعه إياها على الأرض..
ملتفة الى القائد الذي هتف بانتصار مشيرا إلى التفاحة :
- سأعتبر هذا اعتراف منك أيتها السارقه.
اقتربت منه بخطوة سريعة جعلته يتراجع إلى الخلف عدة خطوات ناظره في عينيه بقوة وبصوت هادي :
- أخبرتك من قبل أنا لس ُت سارقة
- اذهبي معاهم يا عطر !
قالتها أمها بصوت قوي لتلتف الاخريى إليها متقدمة منها
بنظرات تحمل القلق : - تصدقيني يا أمي أليس كذلك ؟
بنبرة حانية رددت :
- لو لم يصدقك أحد يا عطر فأنا سأصدقك ، ابنتي لا تمد يداها أبدا
اتسعت ابتسامتها ثم التفتت إلى القائد الذي ينظر لها . باستغراب هاتفا :
- أشعر وكأنه لا يعينك أحد منا ولا حتى تخشي أن تذهبي للسلطان.
رفعت احدي حاجبيها وارتسمت ابتسامه عابثة علي ثغرها :
- لماذا أخشي السلطان ! سيدخلني السجن من اجل التفاح؟ ام سيقطع يدي لانها مدت علي أشجار الغابه !
او ربما سيعاقبني لانني تجولت في الغابه ؟ اخبريني إياها القائد انت كم مره تناولت من هذا التفاح
مرارا دون علم احد ؟
ختمت سؤالها بضحكة ساخرة متطلعه الي عينه التي فاضت منها شرارات غاضبه الا انها لم تبالي.. اقتربت من التفاح الموضوع علي الارض ساحبه واحدة
لتقطم جزء منها مكمله حديثها لتلك العيون التي ترمقها بمزيج من الغضب والتعجب :
- لو كنت انا سارقه فـ انت ايضا لا تختلف عني كثيرا.
لم تشعر سوى بتلك اليد القوية القابضه علي معصمها ليهتف القائد بحده صارخا وهو يسحبها خلفه ناحيه بيت السلطان:
- لم اري في مثل وقحاتك ايتها الجريئة.
لم تبالي بألم يداها ولا بذلك الجرح الذي بدا بينزف في قدمها ، نظرت بحزن دفين الي امها قبل ان تختفي عند نظرها.
كيف تخلف وعد احدهما ، كيف تواجهة كل تلك الاتهامات وهي بلا حيله ولا دليل ، لمن ستترك امها ومن سيحميها ! كيف ستقف وتخبرهم انها بريئة لكن جائعة من يفهم ويعرف.. عطر اه يا عطر كيف تقفي أمام السلطان وتخبريه عن وعد طفولي صغير وهي فتاة كبيرة ؟
آه منك يا عطر وهل ينفع ان يبيع الانسان عمره من اجل وعد صغير جدا..لكنه جعل قلبك ينبض يا فتاة كيف..!
شردت بأفكارها لتفيق علي وجع يدها لتجد نفسها داخل بيت السلطان برقت عيناها بذهول متامله هذا القصر المتألق، الا انها افاقت علي صوت القائد تاركا يداها بغضب :
- اجلسي هنا حتي يأتي السلطان
ثم تركها وخرج سريعا .
التفت ترمي بنظرها في كل شبر من هذة الغرفة الكبيرة، غرفه تتسع لمئة شخص ربما واكثر .. أشياء لامعه مذهبه ومناضدات موضع عليها شتي أنواع الفاكهة ، وكرسي ضخم يبدو انه للسلطان .. زفرت بخنق هذا المكان علي مقدار اتساعه يضيق علي روحها ، لم تنكر انها ذهلت بالقصر وكان حلمها ان تمر أمامه فقط وليس ان تدخله .. لكنها الآن في هذ البيت تشعر وكأنها مقيدة ولأول مره تشعر ان كوخها الخشبي الصغير هو اوسع مكان وأكثر حرية لروحها الطليقه..
تقدمت نحو الشرفه لتقف علي اعتابها محدقه في كافه أشجار الفاكهة لتلتقط عيناها شجرة وحيدة ، شجرة التفاح التي كانت السبب في وجودها هنا ، لتشرد قليلا في ما
حدث معاها صباحا.يتبع ..
أنت تقرأ
شجرة التفاح
Short Storyتوقفت خطواتها لتنصت آذانها علي هذا الصوت البعيد ، يأتيها هامسًا لكنها تسمع بوضوح الكلمات ، اقتربت تقف خلف احد الأشجار في محاوله لتري من يدندن بهذه الحروف الا انها لم تري شئ.. - أنا غزال صغيرجريح.. اقف وحيداً بلا ملجأ هل تكتب له النجاة ؟ الله يا الله...