بعد يومين من استقرار حالة الجد، جلس الجميع في الصالة الكبرى، وقد بدا عليهم التعب النفسي والتوتر، وما زال الصمت يخيّم، كأن شيئًا هائلًا يوشك أن يحدث.
نازلي دخلت بخطوات واثقة، وجهها هادئ لكن عينيها حازمتان، تقف في المنتصف وتنظر إلى الجميع، ثم قالت بصوت هادئ ولكنه عميق:
"أعلم أن ما سأقوله الآن سيصدمكم، وربما سيجعل بعضكم يكرهني، لكن..."
توقفت للحظة، ثم تابعت:
"لكن الصمت على الجريمة جريمة، والرحمة التي لا تحفظ كرامة المظلوم ليست رحمة."
سألها الخال بنبرة حذرة:
"ماذا تقصدين يا نازلي؟"
اقتربت بخطوتين، ثم قالت:
"لقد أبلغتُ الشرطة عن أمي... وعن شبكتها كاملة."
دوّى في الصالة صوت ذهول جماعي، ووقفت الأم من مكانها وقد اختفى ذلّها المعتاد، وحلّ محله ذهول قاتل.
"ماذا... فعلتِ؟" تمتمت الأم.
"أبلغت عن كلّ شيء، عن البار، عن بيع الفتيات، عن العصابة... كلّ الأسماء التي وردتني في تلك الرسالة التي وصلتني عندما دخلت منزل علي لأول مرة."
أمسكت بالهاتف، وفتحت تسجيلاً صوتيًا، ثم تابعته:
"تسجيل من واحدة من الناجيات، أخبرت فيه كل التفاصيل، وكانت مستعدة للشهادة."
علي وقف على قدميه، ينظر إلى نازلي بدهشة:
"فعلتِ هذا وحدك؟!"
هزّت رأسها:
"لم أكن وحدي... كان معي الله، ثم صوت أبي في قلبي."
في تلك اللحظة، دوى صوت طرقات على الباب.
فتح علي، ليدخل ضابط شرطة برفقة عدد من العناصر، فقال بصوت رسمي:
"السيدة ، باسم القانون، أنتِ موقوفة بتهم الاتجار بالبشر، تأسيس عصابة منظمة، والتستر على جرائم جنائية خطيرة."
تجمد الجميع في مكانهم.
اقتربت الأم من نازلي، تنظر إليها بعينين غارقتين بالخذلان:
"أبلغتِ عني؟ أنا أمك!"
أجابت نازلي بثبات:
"لم تكوني يومًا كذلك... أمي الحقيقية ماتت يوم دهستِ أبي، ويوم بعْتِ بنات الناس وكدتِ تبيعينني أنا."
حاولت الأم التحدث، لكن عناصر الشرطة أحاطوا بها واقتادوها خارجًا.
نظر الجد إلى نازلي، عيونه دامعة، فاقتربت منه وركعت عند قدميه:
"أنا آسفة إن جرحتكم، لكن... لم أعد أتحمل أن أعيش في ظل كذبة."
ضمّها الجد إلى صدره، وهو يهمس:
