الفصل الثاني عشر (البوق!)

152 16 8
                                    

الفصل "الثاني عشر"

" البوق!"


أسفل نجوم شوارع لندن والقمر الذي كاد أن يكتمل سار كل من ليز وجاكوب وهم متشابكين الأيدي أو بالأحرى جاكوب هو من كان متمسك بشدة بيد ليز، يسيرون بهدوء شديد مستمتعين بالنسمات العليلة التي تلفح وجوههم ليلا، كان الجو ساحر وغاية في الروعة.
:_ ما رأيك بالذهاب إلي هايد بارك.
:_ لا بأس لطالما أردت زيارتها، لأنها ليست أكبر الحدائق الآن ولكن لأن بها نافورة جديدة رائعة.
تلفت جاكوب باحثا عن موقف الحافلات ونظر إلي ليز وهمس بأذنها
:_ لا تدخلي بصمتك بالحافلة أنا سوف أفعل هذا لكلينا مفهوم.
هزت رأسها بصمت، وعلمت أنها إحدى إجراءاته الغريبة التي يتخذها كي لا يعثر عليهم أحد ينقبض قلبها كلما تتذكر هذا وتحزن بشدة الصور خاصتها تملئ كل مكان والجميع يتابع أخر أخبار البحث عنها لقد مشطوا الكهوف ولكن كل ما يحصلون عليه هو بقايا طعام ومغلفات تثبت وجود شخص ما بالمكان منذ عده أيام.
لا تستطيع أن تستمتع بمحاولات جاكوب لإسعادها وهي تعلم بأن هناك من يبحث عنها كي ينقذها من أسرها، ركبوا الحافلة ووصلوا إلي الحديقة المختارة، تعجبها لندن كثيرا والمقاطعة 235 عامه ولكنها لا تتخيل نفسها تعيش هنا أنها تحب مقاطعتها كثيرا ومزرعتها الصغيرة ولكنها لن تنكر أن تجربة تجولها مع جاكوب أشعرتها بالندم لأنها لم تتجول لرؤية العالم كله بينما ذلك متاح تماما لها ولكل سكان الكرة، كانت تقضي العطلات الأسبوعية بمنزلها لتقرأ رواية أو تشاهد أحد الأفلام الرومانسية، أحيانا كانت تأخذها فريدة إلي مقاطعتها الأم حيث منزل والدتها الذي يقع بالقرب من الأهرام يمكنك رؤية الأهرام من النافذة بالدور العلوي خاصتهم وذهبت مرة معهم إلي الأقصر أيضا وسعدت كثيرا ولكنها لا تذهب معهم كل عطلة أسبوعية كي تفسح لهم المجال بالمكوس والتجوال بحرية دون أن يحملون هم وجود ليز وحدها.
توغل بها جاكوب بالحديقة بمكان هادئ وعندما تأكد بعدم وجود أحد ما إلي جوارهم أبدا، أخرج علبة صغيرة بحجم علبة الكبريت، تمتم جاكوب وهو يراقب دهشتها:_ تلك العلبة تحوي مائة وخمسون شريحة كل شريحة تحوي بصمتين مختلفتين، وكل بصمة تحمل هوية خاصة بحياة كاملة لشخص وهمي لقد استخدمت اسم ايفلين مرتين بالقطار والفندق وهذا يكفي سوف تحصلين علي هوية جديدة الآن، أمسكت بعيونها التي لم تعتدها بعد برعب فضحك جاكوب.
:_ لا تقلقي لن أنزع العدسات من عينك يمكنني برمجتها من الجهاز دون الحاجة إلي نزعها.
أمسك الشريحة بحرص وتمتم:_ حسنا ليز هذا سوف يؤلم قليلا رجاء تحملي.
ربعت يديها ورفضت إعطاءه يدها بحزن،:_ لا تخشي الألم بسيط للغاية ليز.
:_ لا داعي لكل تلك الألاعيب جاكوب أنا لا أستطيع فعل هذا.
أندهش منها وتحدث بحزن:_ ولكنك قطعتي علي نفسك وعد، هل مللتِ بهذه السرعة؟!.
حاولت إقناعة:_ جاكوب الطاقة المهدورة للبحث عنا، قلق الناس، الرعب الذي تشعر به النساء لإمكانية اختطاف إحداهن مرة أخرى، كل تلك الأمور المرعبة التي نسي الناس الخوف منها.
:_ ربما يفترض بهم الخوف. قال جاكوب بهدوء.
توسلت بيأس سائلة:_ لمَ جاكوب؟ لمَ؟!.
:_ النظام فاشل ليز .. لا يمكنه أن يدوم خير له أن يسقط الآن علي أن يسقط لاحقا ويكون الضرر أكبر للجميع.
كادت أن تبكي:_ لا جاكوب لا أرجوك لا تفعل هذا.
:_ أنت تعتقدين بأنه بشر لا آلة.
هزت رأسها باقتناع تام:_ أنا أكيدة من هذا.
:_ هذا يعني أنه فاني ليز وسوف يموت بيوم ما من الأيام، لا أحد يعيش مطولا!، ماذا لو كان في آخر أيامه الآن؟!، ماذا لو خلفه شخص سيء؟، قديما عندما كان يحكم إقطاعي ما مقاطعه ويشيع الظلم والفساد كان يلجئ مساكين المقاطعة إلي الهروب إلي مقاطعة أخرى لملك آخر يسمح لهم بالعمل والعيش بين أفراد مملكته أما الآن الدمار سوف يعم علي الجميع.
هزت رأسها بأنها لا تصدق هذا لا تريد حتى أن تتخيل العالم بلا العادل مستحيل
:_ لابد وأنه يعلم من سوف يخلفه ويثق به جاكوب لا بد من هذا أنه لن يغفل شيء هام مثل هذا أنت لا تعرفه أنه يفكر بأدق التفاصيل ويخطط للمستقبل!.
هزها من ذراعيها كي تفيق من هذا الوهم:_ أنه بشر ليز مهما كان مثالي وعادل في نهاية الأمر هو مجرد بشر، والبشر يخطئون وهو يخطئ وقد ارتكب أكبر خطأ بالفعل بوضع مستقبل العالم كله بين يدي شخص واحد فقط، هذا ليس عدل أبدا ليز، كل شيء بحكمه ليس عادل وأبسط شيء نظام النقاط خاصته.
لم تكن تستوعب أبدا:_ مستحيل جاكوب أنت فقط لا تعي ما مدي أهمية هذا الأمر.
:_ بلي ليز أعي أهمية هذا الأمر النظام بأكمله يقيد سكان الكرة أخبريني ليز ماذا عن امرأة بالستين أنهت عملها وقد ادخرت لشيخوختها .. لنقل ثلاثون ألف نقطة ومع ارتفاع أعمار البشر لنقل أنها تتوقع العيش لعشرون سنة أخرى، ماذا لو سقط حكم العادل الآن؟، ما الذي سوف يحل بتلك العجوز؟ سيتعين عليها العمل من جديد وهي بالفعل قد عملت لعشرون عام ادخرت النقاط من أجل هذا العمر كي ترتاح بشيخوختها، أعتقد أن بإمكانك التصور ما الذي سوف يحل بكل المسنين والرجال والنساء الذين يعيشون علي نظام النقاط وعملوا بجد كي يحصلوا علي كل نقطة واستحقوها بأعمالهم.
نزلت دموع ليز وتعالت أنفاسها لا تنكر أنها فكرت من قبل ماذا لو حدث شيء ما للعادل؟ من سوف يحكم بعده؟، ماذا لو كان سيء ما هو مصير البشرية كلها؟، ليست ليز فقط بل كل سكان الكرة الأرضية راودتهم تلك الفكرة خصوصا بعد الرخاء الذي عم البلاد والسلام والأمان، ولكن الطبيعة البشرية تميل إلي رفض الأشياء الخطيرة التي سوف تحدث بعد مدة زمنية طويلة والتركيز علي الحاضر أنها طريقة يؤجل بها المخ الأشياء بالغة الخطورة إلي وقت لاحق كي لا يشغل نفسه بالتفكير بها الآن.
بدأت دموعها بالهطول:_ لا يمكن هذا جاكوب لا بد وأنه يعلم شيء ما، أو لدية خطة هو لن يتركنا هكذا أبدا!.
:_ لا يوجد لدية شيء ما ليز أنا واثق من هذا، لو كان لديه حل ما أو شخص يثق به لأخبر سكان الكرة، لما يتركهم هكذا؟ يخشون السؤال حتى!.
:_ أنت لا تعلم مقدار الأمان والسلام الذي حل علي الكرة الأرضية كلها، الغذاء والموارد تكفي الجميع البيئة والبشر بأفضل الأحوال، الجميع لدية وظيفة أحلامه والمحبين يتزوجون لا خلافات أو قضايا أو مشاكل تذكر تحدث حتى.
:_ كل هذا غير طبيعي جعل من العالم هش جعل العالم كله يقف علي ساق لأن فتاة واحده اختطفت، هذا سوف يظهر للعالم كله بأن العادل ليس الرجل الذين يظنون، أنه لا يستطع أن يسيطر علي كل شيء، أنه لا يراقب دائما ليز.
رفضت باكية بشدة:_ لا لا لا يمكن أن نعود إلي الزمن البائس الذي كنا نعيش به قبل حكم العادل لا يمكن!.
:_ ذلك الأمان وهمي وزائف ليز.
:_ ما الذي تقوله؟!.
:_ هل تعتقدين بأن السرقة وحالات الخطف والاعتداء توقفت لأن العادل يحكم الأرض؟.
:_ أجل لأن من يخطئ يلقي عقابه ومن يشعر بأنه ليس علي ما يرام يخبر المعالج بذلك ويتم حجزه بمصحة إلي أن يتم شفائه ودمجه مرة أخرى بالمجتمع البشر لم يخلقوا قتله ومجرمين وسارقين ومعتدين جاكوب إن فطرة الله أنقي وأفضل من ذلك بكثير ملوثات وضغوط الحياة هي من تحول البشر إلي وحوش ضارية، الطمع, الحقد, الحسد, تلك هي الأمراض الحقيقة التي تصيب المجتمع وبإزالة الفوارق بين الطبقات ذابت الأحقاد مع مرور الأيام والسنون، والأجيال القادمة سوف تكون أفضل وأنقي مائة مرة من جيلنا الذي تشبع بالحرب والحقد والكره والظلم العالم في طريقة إلي الأفضل، ولا تخبرني بأن العادل لا يملك خطة من ينجح بفعل كل هذا من المستحيل ألا يكون لدية خطة!.
أنهت ليز كلامها بحنق وسحب جاكوب يدها بيأس وقام بتغير بصمة يدها تحاملت علي ألم الكي وسحبت يدها من يده عندما انتهي.
تحدث جاكوب ببطيء حزين:_ البشر لا يخطئون الآن لأنهم أكيدين من أنهم سوف يعاقبون ومع العقوبات الصارمة التي يحكم بها قانون العادل بات الجميع يخشي خرق القانون، بمجرد غياب القانون أو صدور أي تزعزع في قبضة الحكم سوف ترين الوجه الحقيقي للبشر مرة أخرى، الاستقرار والأمان يكون موجود حقيقة لو تغير الناس من أنفسهم ليز رغبة منهم في تطوير أنفسهم والرقي بأخلاقهم أما عن القبضة المحكمة تلك أنهم لا يخطئون لأنهم خائفون وليس لأنهم جيدون التغير الحقيقي ينبع من الداخل لا من العادل.
***
وصل كل منهم إلي المجمع السكني بهويات جديدة ولكن سحر شرارة الحب التي كانت قد بدأت تظهر بينهم خبي سريعا من الغضب، ورفض كل منهم لعالم الآخر.
ليز تراه يعيش بغابة مظلمة لا يري إلا السيء وهو يراها تعيش بعالم وردي وعليها بالاستيقاظ منه قبل أن تتحطم تماما علي الأرض، وفي النهاية كل منهم لديه وجه نظر سليمة وخاطئة علي حد السواء... .
_ صعدت إلي السرير متعبة حاولت ادعاء النوم ولكنها فشلت،
اللعنة إذا ما كان جاكوب محق هل يعقل أن ينتهي السلام في العالم؟ هل يعقل أن يتركهم العادل لوغد ما؟، هل نهاية السلام اقتربت؟!، تري ما هو عمرة بكل حال من الأحوال؟ ستون عام أم سبعون؟ هل لدية زوجة؟ تري كيف هي؟ هل لدية أطفال؟ هل هم جيدون كفاية لاستلام الحكم من بعده ولكن هذا يجعل من الكرة كلها واقعة تحت الحكم الملكي ولا خيار لسكان الكرة باختيار حاكمهم النظام المحكم الذي يحميهم ويؤمنهم من الممكن أن يكون هو نفس النظام الذي يسجنهم بداخل أراضيهم ومنازلهم تماما مثل البوابة الحديدية الخاصة بالدار التي كانت تمكث بها!.
أخرج جاكوب كرسي من صندوق العجائب هذا وجلس علية لن يغفو لن يستطيع النوم، هي من كانت تجعله ينام وبدونها عاد لصراعه مع الأرق لم تكن المشاكل التي تحدث بها مع ليز جديدة عليه بل كان يعلم كل حرف قاله لها وأكثر من هذا بكثير ولكن سر تهجمه هو تعلقه بها، الشعور بالأمان والسعادة الذي لم يسبق له أن شعر به من قبل عندما يكون إلي جوارها أو حتى حين يتحدث معها، هل يستطيع حقا أن يترك كل شيء؟ ويظل معها أن يرمي بالفكرة كلها عرض الحائط هل يمكن أن يكون بالأنانية الكافية لفعل هذا؟!، يتمني حقا لو يستطيع العيش معها بمنزل دافئ ربما ينجب طفل كل هذه الأشياء تبدو رائعة للغاية مغرية، ولذيذة، ولكنها بعيده جدا بعد السماء عن الأرض.
تركوا المجمع السكني صباحا وهم علي حالهم لا يتحدثون، راقبوا الشاشات المليئة بصور الكهوف وعمليات البحث وحزن ليز يزداد، أصبحت النساء أكثر عصبية والحوار الدائر بالشارع الآن تغير.
:_ أين هو العادل من كل هذا؟!،
:_ أنا أطالب بطائرة استطلاع للمنزل ولم يجيبني المركز بعد يقول بأن ليس هناك طائرات كافية اللعنة من يراقب المنزل الآن لقد أصبحت أضع الطاولة خلف الباب خوفا من أن يخترق أحدهم نظام البصمة ويدلف ويأخذني مثل تلك المسكينة.
:_ من المستحيل أن تكون علي قيد الحياة إلي الآن.
:_ أين العادل لما لم يجدها ولم يدلي بأي تصريح الطرق مليئة بالشرطة والتفتيش كل هذا التوتر يقلق طفلتي، والحبوب المنومة نفذت وأخبرتني الصيدلية بأنها سوف ترسلها لي عصرا!!، ما هذا الهراء ما الذي يحدث للكرة؟!!.
:_ بدأت أعتقد حقا أنه مجرد آلة غبية لم تبرمج علي الرد في مثل تلك المواقف لهذا لم يظهر ولم يدلي بتصريح إلي الآن، اللعنة هل نحكم منذ عشرون عام من قبل آلة أو برنامج لحاسوب متطور؟!!...
انكمشت ليز علي نفسها أكثر وأكثر تشعر بتعاسة شديدة هل يعقل أن جاكوب محق؟، أين العادل لمَ لم يجدني إلي الآن؟!.
أخذها إلي مطعم لتناول الفطور وجلس جوارها علي الأريكة واحتضنها برقة شديدة
:_ أنا أسف للغاية ليز سامحيني أرجوك، لا أحتمل رؤيتك حزينة هكذا.
كانت تشعر ببؤس وحزن لدرجة أنها لم تستطع الرد عليه حتى، فضمها أكثر له وقال بعبث:_ ليز عليكِ الإيفاء بوعدك لي لم يمر سوي نصف يوم من الأسبوعان خاصتي، إذا نجا العادل من تلك الأزمة سوف أترك الأمر كله وأذهب معك للدورية وأصبح مواطن جيد وقد أتي إليكِ المزرعة كي تعلميني الزراعة.
رفعت رأسها بأمل:_  حقا جاكوب!.
تأمل عيونها قليلا ولم يحتمل حزنها مطلقا:_ حقا ليز قد يحدث الكثير في الأسبوعان، ربما أنا مخطئ والعادل لدية خطة ولكنه يخفيها لسبب ما.
أمسكت بيده وكأنها تمسك بأمل هارب أمامها تحتاجه بشدة:_ أجل جاكوب .. هذا. هذا وارد، سوف يخرج من تلك المشكلة لن يتدمر النظام الكل سعيد وسوف يظل هكذا أنا واثقة من هذا.
كاذبة علم جاكوب هذا بمنتهي السهولة إنها كاذبة تريد أن تزيح الأمر الذي يرعبها فقط ليس إلا.
هز رأسه كاذب هو الأخر:_ بالتأكيد ليز. وقبل جبينها مطولا وهمس:_ بالتأكيد ملكة النحل.
ابتسمت ليز:_ لقد اشتقت إلي النحل كثيرا.
:_ أمم ما رأيك أن نذهب إلي حقول اللافندر  ب بروفانس.
:_ أنها رائعة جاكوب لطالما أردت رؤيتها.
:_ حسنا لننهي الفطور ونذهب إلي محطة القطار وبعدها ربما أخذك إلي الأقصر، أنا لم أري الأهرامات مطلقا من قبل، ونبيت إلي جوار برج بيزا المائل، سوف أتناول بيتزا ايطالية من المنشأ اليوم علي العشاء، وغدا نسير علي سور الصين سوف أسابقك هناك ولنري من سوف يتعب أولا.
قضمت ليز شفتيها بتلذذ:_ سوف أتناول الكثير من كريات الأرز ولفائف السوشي والتوفو.
:_ ولكن علينا فعل شيء هام قبل كل هذا.
:_ سألت بعجب:_ ما هو؟!.
:_ تناول الفطور.
:_ !!.
***
سار كل منهم إلي جوار الأخر متشابكين الأيدي مرة أخرى ليز تأمل بشدة أن ينتهي تحدي جاكوب  وتمحي شكوكه بشأن العادل وترتاح هي الأخرى بعدما أشتعل بها القلق، لمحت شيء ما علي إحدى الشاشات وتمسكت بجاكوب علي الفور
:_ أه يا الهي جاكوب إن اليوم الخامس عشر بالشهر أرجوك لنري إطلاق الصاروخ.
:_ ماذا؟!.
:_ كل خمسه عشر يوم يطلق صارخ بحثي إلي الفضاء، أو مسبار لاكتشاف كواكب جديدة لابد وأن هناك ساحة هنا تعرض الإطلاق بالتفصيل أشاهده كل مرة أنا وفريدة بالساحة الخاصة بالمقاطعة لدينا لا نفوت مشاهدته مطلقا.
أكتشف العلماء غاز بالفضاء يستخدم في توليد طاقة كهربية هائلة قنينة صغيرة منه تكفي لإنارة مدينه كاملة وبعد ثلاثة أعوام من حكم العادل أصبحت وكالات الفضاء تتلقي أفضل التمويلات لتوافر الإمكانيات والموارد بسهولة، وأصبحت الفائدة تعم علي جميع سكان الكرة من تلك الاكتشافات العظيمة ومع التطور والرخاء الهائل الذي وصلت له الكرة أصبحت معظم المقاطعات تحتوي علي محطات فضاء ويتم إطلاق صواريخ بحثيه منها وكل خمسه عشر يوما يتم عرض هذا الإطلاق بساحات المقاطعات.
_كان الأمر ممل جدا بالنسبة إلي جاكوب ولكنه اصطحابها إلي الساحة وأكتشف أن معظم نساء المدينة وشبابها بالساحة لمشاهده المسبار وتبادل أحاديث الفضاء فيما بينهم حتى أنهم يحيون رواد الفضاء بالشاشة التفاعلية!.
سعد كثيرا لأنه وجد محل يصنع الفوشار شيء ما يقتل هذا الملل بينما ليز كانت تضم قبضتي يدها تنتظر خروج رواد الفضاء للتحية ظهر أول رائد وهزت ليز ذراع جاكوب بحماسة شديدة:_ يا الهي ها هم ها هم!.
لم تكن ليز وحدها، بل تحمست كل السيدات بشدة وعجب جاكوب لأمرهم" قد يعيش المرء مائة عام علي عمرة ولن يستطيع فهم المرأة أبدا!"، انحني جاكوب  علي رجل يجلس أمامه وإلي جواره زوجته وحدثه بصوت خفيض
:_ ما المثير في الأمر لما يصرخن من الحماسة؟!.
همس الرجل بإحباط:_ لا أعلم يا رجل أنها تجرني إلي الساحة كل خمسه عشر يوما وتظل تتحدث عن الأمر طوال اليوم ولا أفهم لمَ؟!.
تنهد جاكوب وقال بآسي:_ لست وحدك.
وناوله بعض الفوشار كي يقتل ملله قليلا، لوحت ليز والنساء كلها للشاشة التفاعلية لرواد الفضاء وبعد صعود الرواد دمعت عيون النساء وأوشك جاكوب حقا علي فقدان عقله!،أتي شاب ما بأواخر العشرينيات مفتول العضلات طويل القامة وجلس إلي جوار ليز، انكمشت ليز علي نفسها وهمست ل جاكوب بانبهار وكأن العادل بنفسه يجلس إلي جوارها:_ يا الهي أظنه معلم!.
سألها بلا أهتمام:_ لا أفهم ما المهم في هذا الأمر!!.
قطبت جبينها بسرعة:_ ما المهم؟!! أنهم رائعون أنهم أروع سكان الكرة الأرضية أفضل الشباب علي الإطلاق!!.
نظر له جاكوب ليري ما الروعة في كونه معلم!، ولكن اللعنة! إنه حقا رائع.. يفوقه طولا وعضلاته مفتولة للغاية وكان رائع الوسامة يبدو أنه بأواخر العشرينات وأسنانه بيضاء ورائعة، اغتاظ جاكوب كثيرا لبطنه الذي يتدلى منه و ساعديه المترهلين لا فرصة واحده أمامه!.
التفت الشاب إلي جوار ليز وتمتم:_ أفضل الأيام علي الإطلاق يوم واحد بالشهر والخامس عشر.
أخيرا وجدت ليز رجل يحب مشاهده انطلاق الصواريخ:_ بالفعل لا يمكنني تفويت مشاهدتها أبدا.
:_ أي المراحل تفضلين صعود رواد الفضاء أم العد العكسي أم الانطلاق.
قضمت ليز شفتيها بحماسة
:_  الثلاث مراحل رائعة لا يمكنني الاختيار هذا صعب للغاية!.
ضحك بشدة وظهرت أسنانه ناصعة البياض أكثر ولمس جاكوب أسنانه بآسي علي حاله
:_ معك حق كل المراحل أروع لا يمكن لأحد الاختيار بسهولة من بينهم.
ثم مد يده يتعرف عليها:_ أنا باسل معلم رياضيات.
ذهبت أنفاس ليز لا تصدق أن شاب رائع مثله يتعرف عليها
:_ لي.. وأضافت مرتبكه بعد أن وكزها جاكوب:_ ليز.ي ليزي.
قفز جاكوب في الصورة وتمتم بغيظ:_ زوجها.
بدت الخيبة علي وجه الشاب وليز في نفس الوقت وتمتم الشاب وهو يتأمل عيونها بطريقة ساحرة
:_ هل تقابلنا من قبل لدي حدس رهيب بأنني قابلتك من قبل.
هزت ليز رأسها بخجل بأن لا واحمرت وجنتيها كثيرا ولكن جاكوب أصفر وجهه يبدو أن هذا الشاب بالغ الذكاء والملاحظة ومن الممكن أن يكتشف أمرهم وقف علي الفور.
:_ هيا عزيزتي لقد تأخرنا.
وقفت ليز بخيبة ووقف باسل هو الآخر ليتمتم وهو غير مصدق
:_ ولكن سوف تفوتين العد العكسي والإطلاق!.
زمجر جاكوب:_ لدينا موعد هام.
وجرها من يدها وذهب وهي تلتفت خلفها لتري الشاب الذي لم يشح بنظرة عنها، أمسكت بقلبها ولكن ليس لأنها تهرول خلف جاكوب بل لأنه يكاد يقفز من صدرها:_ يا الهي هل رأيت ما حدث هناك؟، لمَ أخبرته أنك زوجي؟، لقد حلمت فريدة مرتين بأنني سوف أتزوج معلم تري ما هي فرص حدوث هذا؟!.
تحدث وهو يلهث لسرعة سيرة بسخط بالغ:_ أنه شاب سخيف!.
رفضت بشدة:_ مــــــاذا؟!، لا يوجد معلم سخيف علي وجه الكرة أنهم يختارون الأفضل في كل شيء الأذكى الأسرع الأقوى أنها أروع وظيفة بالكرة والأعلى راتب من حيث النقاط، هل تعلم مقدار الاختبارات التي يضطرون إلي اجتيازها كي يحصلوا علي موافقة ممارسة مهنه التعليم؟!.
اشمئز جاكوب:_ ما هذا الهراء؟ لم يكن يعيرهم أحد انتباه في أيامنا لقد انقلب حال العالم رأسا علي عقب!.
كانت ليز تشعر بخيبة كبيرة فكل المعلمون بمقاطعتها تقريبا متزوجون! من الآن فصاعدا سوف تتنزه بالعطل الأسبوعية لربما وجدت معلم مناسب لها!، كانت تسير خلفه وهي غاضبة وهو الآخر كان مغتاظ بشدة منها، اتجه بها إلي مكان هادئ والصقها فجاءه بأحد الأشجار ومن ثم عانقها بعمق حتى ذهبت أنفاسها رفع رأسه وتمتم بصوت رخيم:_ إياك والتحدث مع أحد آخر ليز.
:_ ما!.. هذا! ما ..الذي..! تلعثمت بشدة من الصدمة لم تتوقع هذه القبلة أبدا، ثم هزت رأسها ببطيء شديد وسارت معه بهدوء حذر وقلبها يطرق الطبول لم تستطع حتى سؤاله لم فعل ما فعل!.
وقفوا علي الرصيف الخاص بالحافلات للذهاب إلي محطة القطار، ثم وفجاءه ودون أي إنذار دق بوق حاد في أرجاء المكان جعل الجميع يرتعب بشدة، وهلعت ليز للغاية وتمتمت ل جاكوب:_ يا الهي لابد وأن كارثة ما حدثت!. وركضت تبحث عن أحد الشاشات وركض جاكوب خلفها وهو يلهث
:_ ماذا.. هناك ما الذي يحدث؟.
توقفت ليز أمام شاشة عرض وكل من كان يمر بالطريق في هذا الوقت توقف أمام الشاشة، وضعت يدها علي فمها غير مصدقة وبدأت في البكاء هي وكل الواقفين تقريبا وجاكوب ينظر لهم بذهول شديد، كانوا يشاهدون الزلازل في الشاشات ويبكون بشدة وكأنها وقعت لهم شخصيا وليس في قارة أخرى، البيوت كانت تنهار علي الشاشة وليز والحاضرين كلهم يبكون ويصرخون "لا لا لاااااا" وضعت ليز يديها علي وجهها غير مصدقة:_ يا الهي الرحيم .. يا الهي الرحيم!.
لم يصدق جاكوب ما تراه عيناه أبد ورده تنبيه علي جهازه فتحه وهو مذهول
:_ عليك بالعودة في الحال إلي المقر أنسي أمر الفتاة والبيانات الوضع خطير للغاية.
أغلق جاكوب الجهاز وكأنه لم يستلم الرسالة وامسك بليز التي تنهار أمامه وتكاد تسقط أرضا من هول ما تري، عداد رقمي في طرف الشاشة يعد عدد الموتى وعدد الجرحى التي يقدرهم القمر الصناعي الأعداد تزداد بشكل جنوني في عده دقائق تجاوزت خسائر الأرواح ثلاثة ألاف شخص!، أخذ الجميع يصرخ بقوة "لا لا لا" وأمسك هو ب ليز بقوة كي لا تسقط أرضا تجاوزت خانة الجرحى عشرة آلاف واستمر عدد القتلى بالزيادة وتحدث المذيع في جانب من جوانب الشاشة العملاقة وهو مدمع الأعين بالكاد يتماسك
:_ لقد ضرب زلزال بقوة 9,9 المقاطعة 123 ما يعرف سابقا بشرق اليابان قد تدمر تماما وتسبب الزلزال بموجه تسونامي كبيرة وتدمرت مواني الساحل كله، فرق الإنقاذ تدخلت وطائرات الإسعاف تقوم بعمليات انتشال سريعة يتم تجهيز ملاجئ آمنه علي الفور الجميع يرسلون صلواتهم من أجل أشقائنا بالقطاع 123 وبدأت بالفعل عمليات الدعم الأهلية في جميع أنحاء العالم من أجل المشاركة في إنهاء هذه الأزمة.
كان يقف ما يقارب الثلاثمائة شخص حول الشاشة التي يقف بها كل من ليز وجاكوب جميعهم أخرجوا أجهزتهم وسألت ليز بصوت عالي :_أين أقرب مركز للدعم؟،
رد رجل بهلع:_ سوف يقام بالساحة الخاصة بالإطلاق هيا الآن.
حاول الجميع التماسك وعدم الانهيار إلا أنهم كانوا يبكون بشدة غير مصدقين عدد الوفيات التي حدثت في لحظات قليلة، أوقفها جاكوب وهو لا يفهم أي شيء:_ إلي أين ليز؟!.
:_ إلي الساحة أنهم يحتجون إلي الدعم علينا بالتوافر هناك في الحال.
ذهب الجميع مسرعين وأتت دوريات الشرطة وجاكوب يسير بين الجموع الغفيرة التي بدأت تتكون وتتجمع بسرعة البرق وكأنه كائن من خارج الكرة الأرضية، أنهم يواسون بعضهم البعض بشدة يمسحون دموعهم ومن ثم يبكون بقوة!.
الجمع الجديد أتي ومعه أغراض مختلفة طعام مغلف، صابون، ملابس، أغطية، حتى الأطفال أتوا بألعاب والواح الشوكولا التي تصرف لهم، حتى الأطفال كانوا يبكون!،أخذ الجمع الغفير هذا يواسي بعضهم البعض الوحيد الذي كان يقف كالتائه بينهم هو جاكوب لا يصدق مدي روعه هؤلاء القوم وشعورهم ببعضهم البعض لم يكن هذا يحدث في لندن فقط بل في كل مقاطعات العالم حتى مقاطعة السجون والمسجونين كانوا يدعمون المنكوبين ويرسلون الموارد لهم.
وقف يقلد الجمع بحركة آليه كانت ليز تغلف المواد للإرسال سألها وهو واجم عن حماسة الناس الشديدة لإرسال المعونة
:_ ألا يوجد أغراض للطوارئ هل ينتج العالم ما يكفيه فقط؟!.
:_ بالطبع هناك أغراض و مؤن للطوارئ.
فسأل بعجب:_ لما يرسلون المؤن خاصتهم إذا؟!، التفتت له ليز ومسحت دموعها
:_ كي يعلموا أننا نشعر بهم وبأننا لن نتركهم في محنتهم كلنا هنا واحد جاكوب لا نستطيع رؤية أحد يتألم ومتابعة حياتنا وكأن شيء لم يحدث لهذا يحب الناس العادل لأنه أراحهم من تأنيب الضمير الذي كان يحاصرهم عندما يروا أحد ما واقع بمشكلة ولا يستطيعون مساعدته نحن لا نعرف شعور العجز جاكوب بل نعمل لحل أي مشكلة علي الفور ونقدم الدعم لبعضنا البعض، في كل وقت.
والتفتت إلي عملها تغلف الباقي وتذكرت مزرعتها وتمتمت بهمس لجاكوب:_ أضع دائما صندوقين من العسل لهذه الطوارئ والحوادث وفريدة تحتفظ بمخزون من الفطر المجفف ومصطفي هو الأخر لديه عده صناديق من اللحم المجفف كي نرسلها إلي أي محتاج بالفور.
توقفت حركة القطارات وطلب رجال الدوريات من الجميع بعدم استخدام القطارات إلا للضرورة القصوى فقط لأن كل القطارات سوف تحمل المؤن والمساعدات إلي المقاطعة المنكوبة وعلي جميع الرجال القادرين علي التطوع والمساعدة بالتقدم الآن.
في ظرف ساعة واحده كان هناك خمسة عشر مليون شاب من أنحاء الكرة اتجهوا إلي المقاطعة المنكوبة نصبوا الخيام طببوا الجرحى وساهموا في إيجاد المفقودين وتم تحويل حاملات القطارات إلي المقاطعة مملوءة بالمؤن والمساعدين علي حد سواء، وبعد انتهاء الزلزال بست ساعات فقط، كانت الخيام نصبت وتم تطبيب الجرحى وبدأ العمل من أجل إزاحة الأنقاض وتم إرسال بنائي مائتين وخمسون مقاطعة كي يتم أعمار ما أتلفه الزلزال.
***

نهاية الفصل.

العادل. بقلم هالة الشاعر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن