الفصل الأخير
" العادل"
شاب طموح يسعي لجعل العالم مكان أفضل يبحث بكل الوسائل والطرق كي يحصل البسطاء علي معيشة أفضل، كي يتم القضاء علي الجوع والأمراض والفقر والجهل بالعالم كله وليس بمكان واحد فقط، كان يؤمن بمقوله "أستطيع جعل العالم مكان أفضل".
وجد مؤسسة كبري يمكنها تمويل مشروعة المكون من سلسلة من المدن بجميع بلدان العالم، فكر بكل شيء ممكن كي ينشأ مدن نظيفة بأقل التكاليف حيث استُخدم غاز الهيدروجين في توليد الكهرباء بوساطة خلايا الوقود، وهو لا يسبب أي تلوث للبيئة، إذ إنه عندما يحترق يعطي بخار الماء الذي يعد مكوناً طبيعياً من مكونات الهواء.
أخشاب تصنع من 20 % خشب و80% رمال كي تبني المنازل بأقل التكاليف، أساليب زراعية حديثة غير مكلفة بالمرة وتوفر أضعاف الإنتاج للأرض العادية مع توفير 95% من استهلاك المياه، كان يأمل بأن يضاعفوا رقم المنزل مرة واحده وفي تلك الحالة سوف يتمكن محدودي الدخل حول العالم من شراء المنازل بسهولة، ولكن المؤسسة طمعت بتحقيق أعلي عائد للربح بحيث وضعت أسعار عالية للمنازل رغم أن الخامات التي ابتكرها رخيصة للغاية ومتوافرة بسهولة.
لم يكتفوا بهذا بل وضمانا لأنه لن يطالبهم بحقوق الملكية خاصته قاموا بتفجير سيارته كي يتخلصوا منه نهائيا وتم نسب اختراعاته لخبراء الشركات الخاصة لديهم أنشئوا المدن بأسعار خيالية، لكن للعناية الإلهية دور آخر، إذ يصادف أن المسعف الذي أعلن وفاته وأغلق سحاب كيس الوفيات علية هو أعز أصدقائه الذي كان يحذره من جشع هؤلاء القوم.
بدل جسم صديقة بجثة أخرى مجهولة الهوية كانت موجودة بمشرحة المشفى من انفجار مبني سكني بسبب تسرب الغاز، وأخفاه صديقة وعالجه بمنزل مهجور ورثة عن جدته، ولكن الشاب الطموح الذي علم أن مستقبله تدمر وكتب عليه العيش بالخفاء لتشوهه وجهه وجسده وحرمانه هويته التي أصبحت تحت التراب واختراعاته وابتكاراته التي سلبت منه، ترك المنزل المهجور ما إن أصبح قادر علي الحراك كل ما أحتاج إليه في هذا الوقت هو حاسوب وبضع مئات من الدولارات كي يتمكن من النجاة.
وهبة الله قدرات خارقة بل وعبقرية ولكنه لم ينوي استخدامها في الشر أبدا ولكنهم لم يتركوا له أي مجال سوي الانتقام... .
***
نزلت إلي الأسفل كي تشرب كوب لبن ساخن عل أعصابها تهدأ قليلا، إضافة إلي ما تشعر به من سوء منذ أن اكتشفت حقيقة خاطفها والعالم كما تعرفه أنهار وتهاوي للأبد، واليوم كان يفترض أن يكون أول يوم لحضور الاختبارات مع مصطفي أخبرها بأنه أختار العناية بالرضع كي يستمتع هو وليز بتلك التجربة وتكون ذكري جيدة لأول شيء يقومون به سويا، ذهبت معه واجمة ولكنها لم تستطع النزول من السيارة وتساقطت دموعها رغم عنها لا تستطيع فعل هذا أنها لا تستطيع نسيانه لحظة واحده تتمني من كل قلبها لو أن هناك جرعة تمكنها من النسيان .. من نسيان كل شيء، حتى أسمها تتمني لو تنساه!.
تدارك مصطفي الموقف وأخبرها بأنها ليست مضطرة أبدا لأخذ أي قرار الآن. هو يعلم بأنها تمر بأوقات عصيبة ولم يقصد الضغط عليها مطلقا كل ما أراده هو أن يكون إلي جوارها ومساندتها في محنتها.
وشعورها بالذنب لترك مصطفي مفطور القلب هكذا يضج نومها الآن وكأن هذا الأمر ينقصها حقا!، التصقت بالحائط برعب وذهبت أنفاسها وهي تنظر له غير مصدقة، لم تتوقع أن تراه مرة أخرى أبدا لقد ظنت أنه سوف يختفي كشبح من حياتها، جاء ووقف أمامها بدا أنحف وأقوي من السابق وكأنه يمارس التمارين ولكن وجهه كان نحيل وحزين بشكل كبير.
قاومت دموعها بمعجزة وبعد كثير من الوقت والمجهود تحدثت بصوت متقطع بالكاد يسمع
:_ هنيئا لك .. عميل جاكوب لقد .. استخرجت المعلومات.. كما يجب أن يكون.
_ تعرض إلي كثير من المحن بحياته، حياته كلها كانت عبارة عن سلسلة من الصعاب والآلام والوحدة ولكنه لم يشعر بألم في قلبه مثلما شعر عند اكتشافه أن ليز هربت منه، كان يظن هذا لثلاثة أشهر مضت منذ أن رآها أخر مرة، ثلاثة أشهر من الجحيم المستعر لم يعد يقوي علي الاستمرار خمسه وعشرون عام وهو مختبئ يعمل ليل نهار بلا توقف تقع علي عاتقة مسؤولية العالم كله.
ولكنه كان مخطئ ألم تلك اللحظة التي تنكر ليز فيها معرفة من هو وما هي حقيقته كان أصعب بكثير، هل تخشاه إلي هذه الدرجة؟!، هل تظن أنه من الممكن أن يقوم بأذيتها أو بفعل أي شيء يقيد حريتها؟!، أقترب منها كثيرا بينما ألصقت هي نفسها بشدة إلي الحائط.
:_ لا .. تقترب . رجاء. قالت جملتها لاهثة وبأنفاس متقطعة
لم يبالي لها ونظر لها بهيام ممزوج بألم وأزاح خصلات شعرها التي تغطي وجهها وهمس بشوق:_ اشتقتك ليز.
أزاحت وجهها بعيدا عنه وهمست بتوسل:_ عليك بالعودة .. عليك بالذهاب من هنا أرجوك.
لم يهتم لبعدها وانحني وقبل وجنتها برقة شديدة وهمس لها بعذاب:_ لا تفعلي هذا ليز أنه يؤلم.
ضمها له بشدة وأستمتع برائحتها وأخذ يربت علي شعرها مثلما أعتاد أن يفعل حالما تغفو:_ يا الهي كم اشتقت إليكِ لمَ تحرميني منكِ ليز؟ لمَ حجبتي نفسك عني لقد تعمدتِ تعذيبي لم تفتحي نافذة لم تقفي أمام كاميرا واحده حتى جهازك أخفيت وجهك عنه لمَ ليز؟ لمَ كل هذا الخوف؟!.
كانت دموعها تنزل بشدة لقد ذابت لمجرد أن أقترب منها تشتاق له بشدة ولكنه المستحيل بعينة كل شيء حدث بينهم ومعه كان جنوني للغاية، ولا يمكن أن يتكرر مرة أخرى تلك هي العلاقة الوحيدة التي خلقت بلا أمل خلقت لتموت.
اسند جبينه علي جبينها بعذاب وتمتم:_ هيا ليز قوليها قولي أنك اشتقتِ إلي ليز، أموت شوقا لسماعها لا تفعلي هذا بي.. لا تعذبيني يكفيني عذاب.
كذبت قلبها بشدة وتمتمت بضعف:_ أنا مخطوبة الآن .. رجاء تراجع.
نفي بشدة:_ لقد فُسخت الخطبة ليز .. أعلم أن ما بيننا متبادل، أعلم أنك تكنين لي الحب كفي عن هذا أنتِ تهيمين بي عشقا مثلي تماما، كفي عن تعذيب كل منا!.
همست بحزن وصوت مبحوح:_ هذا غير صحيح.
أقترب من وجهها الذي تبعده عنه:_ هل تخشيني لأنك بت تعلمين حقيقيتي؟!.
أغمضت عيونها بقوة وهزت رأسها رافضة:_ أنا لا أعلم من أنت.
اغتاظ بشدة وعنفها من ذراعيها:_ بلي تعلمين من أنا جيدا ..كفي عن فعل هذا يستحيل أن أؤذكِ أفضل الموت علي فعل هذا!.
أوشكت علي فقدان وعيها لم تحتمل كل هذا الضغط لا تعلم كيف لها أن تنكر وجوده أو حتى تتقبله؟!!.
حملها جاكوب إلي الأريكة وضمها له بشدة وحدثها بعذاب بالغ:_ لم أعد احتمل الوحدة ليز.. سوف أموت لم أعد أستطع التحمل، أنا بشر.. ليز أنا بشر! أنا فقط أريد حياة عادية أريد زوجه وأبناء ومنزل صغير لم يعد يمكنني فعل هذا.
غطت وجهها وهي تبكي بشدة وتهز رأسها غير مصدقة أبدا:_ لا لا أرجوك لا تفعل لا تهدم كل شيء.
هزها من ذراعيها وقال بغضب من بين أسنانه:_ أنا بشر ليز، بشر وقدرتي علي التحمل نفذت أريد أن أتمكن من النوم أريد أنا أتناول وجبة ساخنة أريد أن أخرج وأنظر إلي السماء دون خوف، وبكي بشدة:_ أريد أن أتعالج ليز، أن أتمكن من رؤية وجهي بالمرآة دون أن أتقزز.
خلع جاكوب قفاز يده اليمني ثم قام بسحب جلد مطاطي من علي نصف وجهه بعنف فظهرت حروق وتشوهات وجهه كاملة وغطت ليز فمها شاهقة وتمتمت وهي تبكي:_ يا الهي ما الذي حدث لك؟!.
ارتمي جاكوب بحضنها يبكي كطفل صغير لم يعد يحتمل لم يعد بإمكانه الصمود أكثر من هذا لقد عقد اجتماع اليوم مع مديري القطاعات كلها وأخبرهم بضرورة بحث نظام للحكم لا يشمله، ذهل الجميع منه ولم يحصل علي إجابة إلي الآن الكل خائف الكل مرتعب ما الذي عساه أن يحدث؟!، هل ستعود الأمور للفوضى والخراب التي كانت عليه من قبل؟.
ربتت ليز علي رأسه كي يهدأ بحنان ربما هو محق.. بل وأكثر من محق ولكنها تشعر بالرعب ليس علي مستقبلها فقط بل مستقبل الكرة بأكملها، تمتم جاكوب وهو واجم بكل شيء مر به كيف كان شاب يافع يريد أن يغير العالم وما الذي فعلوه به كيف شُرد بلا مأوي ولا هوية ولا حياة ، كم كانت أيامه مره بلا ذرة من الأمل والنور.
مسح دموعه وتكلم بقوة وهو يهزها من ذراعيها:_ أه لو تعلمين ما كانوا يخفونه! لقد استوليت علي كل شيء سرقت كل أسرارهم الشخصية وحساباتهم المكتنزة بالنقود علمت أسرارهم وأين يضعون أموالهم أخذت كل شيء كما أخذوا كل شيء مني الأموال والذهب والمجوهرات كانت تملئ غرف بحجم منزلك هذا ورغم ذلك يستمرون بالسرقة والنهب، تسللت إلي حواسيبهم ومنازلهم وتتبعت كل شيء وسلبته منهم، خمسه عشر رجل فقط كان لديهم أموال نقدية تتعدي تريليار دولار يستولون علي مصانع وشركات أوربا والعالم كله، غرف كاملة معبأة بسبائك من الذهب كفيله بتغير مصير شعوب، عائله واحده تمتلك نصف ثروات الأرض وتخطط للتحكم بالنصف الآخر.
جن جنونهم بالطبع ولكنني لم أكن غبي أبدا لقد أخذت كل شيء وإنما علي فترات وعقدت المكائد بينهم وقاموا هم بالمهام القذرة نيابة عني، تسللت إلي الانترنت العميق ورأيت أقذر الأشياء ربطت الخيوط ببعضها البعض وتخلصت منهم، لم أعلم ما الذي علي فعله بكل تلك النقود أردت المساعدة ولكنني لم أرد أن يكون الأمر كالمسكن إرسال المساعدات مسكن قصير المفعول يعطي للمريض أمل بالحياة عده أيام ومن ثم يعود للجوع مرة أخرى.
لذلك اتخذت قراري لابد وأن اقتلع الفقر والجهل من معاقلهم تغير كبير وجذري، أسست مؤسسة بيئية، لا يمكنك معرفة ما الذي يمكن للأموال بأن تفعله؟، أفضل خبراء العالم كانوا يعملون كمستشارين لدي المنظمة التي تم تأسيسها علي أنها عالمية وأمكنتني الأموال من شراء الموارد بكل سهولة حتى أنني اشتريت جزر كاملة من أجل إجراء الأبحاث والتجارب العلمية دون معرفة أحد من العالم الخارجي، أما عن الاختراعات العالم كان مليء بالكنوز والمواهب التي لا مثيل لها ينتظرون فقط الفرصة ومع ندرة فرص العمل وضيق الأحوال تهافت الجميع للعمل بها بل والعمل بجد كي يحافظ علي عمله.
لم أكن أظن أنني قادر علي فعلها كل ما كنت أطمح له في هذا الوقت هو إعطاء صفعة كبيرة علي وجه كل من سرق وطمع بحقوق غيرة إلا أن الأمور تطورت للغاية واكتشفت مواهب وأشياء مكنتني من فعل المستحيل بعينة.
لم أكن لأنجح أبدا لولا وجود كل هؤلاء المتضررين من الظلم والحروب والسجن والطبقية، جشع الأثرياء كان الوقود الذي أمد سيطرتي بالطاقة، كنت من الغرور بحيث اعتقدت أنه يمكنني تدبير أموري خمس سنوات ومن ثم وضع نظام حاسوبي متطور يسير كل الأمور ولكنني كنت مخطئ.
هز رأسه بأسى بالغ علي حاله وإلي ما وصل إليه
:_ أراد الناس دائما خطاب من العادل الأمور كانت تتغير بين ثانية والأخرى لم يكن يمكنني التنبؤ بالكوارث الطبيعية واحتياجات الناس الفورية لم أفق إلي فداحة ما فعلته إلا بعد عشرة سنوات، النظام الذي وضعته كي أحميهم به، هو نفس النظام الذي أصبح قيد وطوق يلف حول رقبتنا جميعا.
أرتفع رأسه لها ولمعت عيونه بحب:_ كان يرسل الكثير من الناس حول العالم الهدايا وعبارات الشكر والامتنان لي، عندما ذكرتي ألواح الشوكولا كدت أن أموت من القهر أردت أن أنفجر بك قائلا لقد تناولتها كلها لقد أسعدتني لقد تشاركت معك السعادة والحب ليز مثلما تمنيتِ لم أعتقد بأنه من الممكن أن يحبني شخص ما بقدر ما أحببتني أنت، عندما ذكرت المغلف علمت أنه أنت.
ضحك بخجل:_ وصل لي حلوي وشوكولا من الأطفال حول العالم مع عبارات طفولية بريئة تنم عن السعادة والامتنان أقسم أن هذا ما أمدني بالقوة اللازمة للمكوث تحت الأرض بالجبال والوديان المهجورة طول عشرون عام، عندما ذكرتي أمر المغلف.
وأخرج الورقة الكرتونية البالية المكتوب عليها بخط طفولي "العادل" و اتسعت حدقتي ليز غير مصدقة بأنه يحفظها معه، وأمسكت بها بيد مرتعشة.
:_ كنت أعلم أنها لنفس الطفل ولكنك لم تكتبي يوما ما شيء غير العادل، كنت أنتظر نهاية الأسبوع لأري هل سوف يأتي المغلف أم لا لم تخيبي ظني أبدا أتي المغلف كل أسبوع وعندما لم يأتي كنت أعلم بأنه تاه بالبريد لأنك كنتِ ترسلين الأسبوع الذي يليه في نفس الموعد، ونفس الشيء حدث مع العسل يصلني مئات العلب أسبوعيا بالطبع لا أتناولها جميعا ولكنني أخذ الرسائل، ميزت علبتك وقرأت رسائلك كانت منتظمة لذلك بعد مدة أصبح من السهل علي معرفة أن شخص واحد يرسلها كل مرة تذوقت العسل كان من أفضل الأشياء التي تذوقها فمي بحياتي كلها لأنه ممزوج بحبك ليز، أوقات فراغي كانت نادرة لذلك حينما تحين اللحظة كنت أراقبك وحقا أردت معرفة قصتك ولمَ ترسلين العسل؟ أردت أن أشكرك عليه وأرسل لك الرسالة التي تتمنيها بشدة ولكنني خفت ألا ترسلين لي العسل والرسائل مرة أخرى وأخسر الصديق الوهمي الوحيد الذي رسمته لنفسي.
أحتضن وجهها بكفيه وأخذ يمسح دموعها برقة شديدة وأنفاسه المغرمة تلفح وجهها
:_ تعلمين أنني تناولت كل علبة أرسلتها إلي، كل علبه إلي أخر قطرة كنت العقها، أراقبك من بعيد في لحظات فراغي مددت يدي أكثر من مرة كي أشاهد ملفك ولكنني قررت جعلك الشيء الوحيد الخارج من البيانات والأرقام والحسابات الغارق بها طوال الوقت كنت أرسل طائرات الاستطلاع تراقبك وأنت تجمعين العسل، كاميرات الصوب خاصتك أدلف إليها وأتأملك مطولا وأنت تعملين بجد.
لقد أخطأت بحقك كثيرا أنا لم أومن بالحب أبدا لم أؤمن أنه من الممكن أن أحب في يوم من الأيام حتى، عندما كنت معك كنت أريد أن أشعر بالسلام فقط ولا شيء آخر لم أطمع إلي شيء آخر لأنني أعلم بأنني لن أحصل علي شيء مطلقا ولكنني سقطت في الفخ وغرقت في هواك الذي كنت أنكره مطولا، الحب الذي كنتِ تغلفين به الهدايا كل مرة كان يصل لي ويحيط قلبي، الحب هو الشيء الوحيد الذي لا يَري لا يمكنك الإمساك به مطلقا ولن تنفع معه كل وسائل التكنولوجيا الموجودة بالعالم كله، الحب الذي غمرتني به علي مر السنون وصل إلي قلبي رغم كل الفروق والأميال التي كانت بيننا ليز لقد قمت باستفزازك في المنزل عمدا وتحدثت بحق العادل ولم أصدق مدي ولاءك له.
وعلمت بفضلك أكبر كذبة أوهمت نفسي بها كل هذه السنون البيانات تكذب ليز، إنها لا تكون صحيحة دائما هناك خطأ في النظام الخاص بجمع المعلومات.
فغر فاها بغباء:_ ماذا؟!.
هز رأسه بحزن:_ أجل للأسف تم مراقبة ورصد الملاين من الأشخاص دون داعي وأنت منهم ولكن عندما علمت بأنك مدرجة علي تلك اللائحة غضبت لأنك الشيء الوحيد الخارج من بياناتي، كنت أخطط لإثارة بلبلة كي أري ردود الفعل الخاصة بسكان الكرة وما الذي سوف يفعلوه؟ أردتهم أن ينزلوا صورة العادل من مرتبة الإله أنه بشر يخطئ ويصيب وعليهم بتعلم العيش والاعتماد علي أنفسهم، جئت كي أستخرج منك البيانات شفهية وأيضا كي أزعزع الاستقرار قليلا أردتهم أن يبحثوا عن حلول أخرى ربما يكون بها شيء يريحني من عذابي ووحدتي ولكن اكتشفت أن النظام خاطئ وأخطئ بحق الكثيرين وأنت أولهم عند سؤالك عن العادل كانت تضطرب ذبذبات الجهاز الخاص بك لتداخل أفكار أخرى معك بالإضافة إلي أفكار الرد علي إجابة السؤال أي كان، حدث هذا معك أثناء أخر سبعة جلسات للعلاج، ويجري التقنيين الآن تطوير للنظام كي يتم حل هذا الخطأ كانت أكبر صفعة أتلقها علي غروري "البيانات تكذب".
أما عن الصفعة الثانية هي اعتقادي بأن البشر أصبحوا جيدين فقط لخوفهم من العقاب ولكن ما رأيته وشعرت به يوم حدوث الزلزال كان أكبر من هذا بكثير كان أكبر من هذا مائة مليون مرة لا يمكن لأحد تزيف هذه المشاعر أبدا، لقد تغير البشر للأفضل.
هز رأسه بأنه لا يصدق:_ حينها علمت أنني مخطئ لذلك أخذتك إلي أقرب مقر أردت إخبارك بالحقيقة ظننت أنك سوف تتغاضي عن كل الفروق بيننا ونجد شيء ما يُمكننا من إكمال حياتنا سويا.
ولكنني خرجت لأجدك فررت مني، علمت بأنك تعلمين الحقيقة خصوصا برفضك للبوح بأي شيء عني جرحني هذا كثيرا كنت لأفضل الموت قبل أن أفكر بأذيتك ولو للحظة ليز.
لم تتأثر بحياتها كلها مثلما تأثرت بتلك اللحظة كل جهودها منذ أن كانت بالعاشرة لم تذهب سدي كل تلك المشاعر التي يحملها لها من الممكن أن تجعلها أسعد شخص بالوجود وأن تنسيها كل الفظائع التي حدثت معها من قبل، ولكنها لا تستطيع فعل هذا أبدا لا تستطيع فعل هذا مطلقا لا يمكنها أن تكون السبب الذي يجعل العادل ينزل عن عرشه لا تريد لغيرة أن يدير الكرة تخشي المستقبل تخشي ضياع السلام والأمان.
وقفت وابتعدت عنه ومسحت دموعها بعنف وجلبت كل القوة التي تستطيع إلي صوتها
:_ آسفة بشدة لا يمكنني، من فضلك أذهب من هنا.
اللعنة! لم يتوقع هذا أبدا بعد كل شيء أخبرها به لا تريده بحياتها تريده أن يخرج!، ود لو يذهب لها ويضمها حتى تتكسر عظامها ويخبرها بأنها له ولا يمكنه الابتعاد عنها لا يستطيع فعل هذا ولكن كبريائه جرحته كثيرا، بالإضافة إلي أنه لا يملك حل في الوقت الحالي لأي من مشاكله.
سار بخطي ميتة وفتح باب المنزل كي يخرج من حياتها للأبد.
:_ جـــاكوب!.
التفت لصراخها ولهفتها وهي تنطق باسمه والتقطها بيده وضمها مطولا كان كل منهم يضم الآخر بشدة، كل منهم ألم الآخر ولكن أي منهم لم يهتم قالت من بين بكاؤها الشديد وشهقاتها وهي تضمه:_ لا أستطيع .. لا تتركني .. أنت أنقذتني قديما .. وتستطيع فعلها مرة أخرى .. أنت العادل سوف تجد الحل .. واثقة من أنك ستفعل... .
***
بعد عامين جلس بالشرفة يراقبها وهي تجمع عسل الربيع كان الجو رائع والشمس دفئها ناعم، أما عنها فكان حولها هالة ضوء ساحرة غلفتها أثناء ما كانت تجمع العسل وتحجب غروب الشمس عنه، لم يكن ليؤمن بأنه من الممكن أن يتم إنقاذه علي يد هذا الكائن الهش ولكنه كعادته منذ أن وجدها أول مرة علم بغلطته وحساباته الفاشلة، كيف يمكن أن يكون بهذا الفشل حينما يكون بمواجهتها؟!!،
ولكنه لا يهتم علي أي حال بل حقيقة يسَعد أجل يسَعد بذلك كثيرا.
ربتت علي بطنها الصغيرة لا تصدق بعد بأن هناك حياة تدب بها ولوحت له بمرح وكأنها تخبره "تعال نحن الاثنان هنا" ابتسم لها بإشراق بوجهه المجعد والتعب لم يكن العلاج والجراحة جيدين كثيرا معه وهي الأخرى لم تكن تطيق ذلك القناع الذي يضعه علي وجهه فتعلم العيش بوجهه هذا مع عمليات التجميل القليلة التي أجراها.
سار ناحيتها ببطيء وتوقف الزمن للحظات أثناء ما كانت تلتفت له مرة أخري كل منهم غير مصدق بالمرة، غير مصدق أنه يري الآخر ومع الآخر بعد كل تلك الفروق والصراعات .. المستحيل بعينة كان بينهم ولكنهم معا تغلبوا علي كل تلك الصعاب، كيف أقنع مديرين القطاعات والعالم بضرورة تغير فكرة العادل؟ ومدي صعوبة استيعاب سكان الكرة لتلك الفكرة خوفا من العودة إلي أيام ما قبل العادل، لم يكن سهل أبدا عليه تعلم العيش كفرد مثل أفراد الكرة العمل في الشمس وضوء النهار ومخالطة البشر وتكوين صداقات، كيف أخذت بيده إلي ذلك العالم الذي ظل يراقبه لأكثر من خمسه وعشرون عام من بعيد دون أن يشارك به فقط يرسم ويخطط دون أن يتذوق أي من حلاوته؟، كل شيء كان صعب ولكنه مَر وهذا هو المهم.
وصل إليها ومدت أصبعها له كي يتذوق أول أنتاج لعسل الربيع لعقه بتلذذ ثم غمر رأسه بشعرها يستنشق رائحة اللافندر التي يعشقها وحينها سمع الاثنان صوت فريدة وسامي يصيحون بهم بمرح "لقد أحضرنا الفطر"
قالتها فريدة وهي تشعر بسعادة كبيرة أثناء ما كانت ممسكة ببطنها المنتفخة وحينها ضحك جاكوب وليز كثيرا، هذا ما يفعلونه كل مرة يرون فيها فريدة التي لا تصدق إلي الآن كيف اختارها الحاسوب بعشوائية كي يجري لها العملية هي وخمسون امرأة دون نقاط هدية من العادل!، كل منهم نظر إلي الآخر بمكر لقد غش الاثنان ولكن كل منهم كان يشعر بلذة في تلك الخدعة لأنها كانت سبب إشراق وجه فريدة علي الدوام.
دلف الزوجان وجلسوا جميعا إلي الطاولة وبعد دقائق سمعوا نباح لوسي وضرب سامي مقدمة رأسه بيده متمتم من بين أسنانه "تلك الكلبة تنغص علي عيشي!" ضحكوا جميعا عليه ودلفت السيدة إليزابيث ومعها سلطة الذرة الشهية المشهورة بتحضيرها علي مستوي القطاع.
دلفت ليز إلي مطبخها كي تأتي بالطعام والشراب إلي أصدقائها ودلف هو خلفها يراقبها بهدوء، لم يكن يصدق أن هذا ممكن أبدا في أحلك أحلامه خيالا وجموحا لقد كان أكيد من موته وحيدا بأحد الأقبية التي كان يراقب منها أو ربما بعض الكهوف التي كان يختبئ فيها، نظر إلي باب القبو الخاص بمنزل ليز، هي فقط من يعلم ما خلف هذا الباب هي فقط من تعلم من هو العادل هي فقط من أعادت إلي جسده الحياة.
الأمور ليست مستقرة أبدا العالم به الكثير من التساؤلات وتضارب للأفكار من سيحكم؟!، رغم ذلك أخذ نفس عميق بثقل فتلك الغرفة تشعل النار به
هل سيتنازع رؤساء القطاعات فيما بينهم؟
أم أن تجربة الديمقراطية وحكم العالم لنفسه بواسطة بنك الأفكار والتصويت سوف تأتي بثمارها؟
هل تعلم البشر الدرس؟ أم أن هناك الكثير من الحروب التي لم تخاض بعد؟
وشعر وكأن أحد ما يعصر قلبه بين قبضتين حديديتين لتذكر هذا السؤال خاصة،
تري هل سيأتي يوما ما ويحتاج إلي تلك الغرفة اللعينة؟!!.
تمت بحمد الله.
هل سمعت عن السيطرة علي العالم من قبل؟!
هل سبق ونجح أحدهم بذلك؟!.
حسنا أصبح هناك واحد الآن
أنه العادل .
ملحوظة:_ معظم التعدادات التي تم ذكرها نسبة إلي موقع إحصاءات العالم المحدثة آليا.
يسعدني استقبال رأيكم على
الصفحة الشخصية
https://www.facebook.com/lola.elshaer.1/
لقراءة روايات
مذكرات حائر _
الجزء الأول "الحلم المستحيل"
الجزء الثاني "الحلم الضائع"
رواية ليس زوجي المعاق! ج1
رواية ليس زوجي المعاق الجزء الثاني
رواية الغرق! "لعنه البرج"
أتشرف بزيارتكم للمدونة
https://halaelshaer.blogspot.com/
أنت تقرأ
العادل. بقلم هالة الشاعر
Ciencia Ficciónلم تفق وأستمر هو بصفع خدها إلي أن مل!، فذهب إلي المطبخ وأتي بكوب مياه باردة وسكبه علي وجهها بحده فاستيقظت تشهق وكأنها تغرق بالمحيط تحاول جلب الهواء إلي رئتيها ثم التفتت بنظرها في كل مكان مذعورة وما إن وقع نظرها علي ذلك الكائن الهمجي همت بالصراخ علي...