رَحِيلْ|حَقيقَة النوَايا

38 6 0
                                    


أعتني بنفسي كثيرا هذه الأيام، اتناول وجبة الفطور بجانب النافذة و أنا اتفقد طير الحسون الذي أصبح يرتاد كثيرا على نافذتي مؤخرا، أظننا نشكل ثنائي مذهل ونحن نشكو بصمت روتين يومنا المعتاد لبعضنا، أستعجل بعدها في ارتداء ملابسي والذهاب للجامعة، لاشيء مثير للإهتمام يحدث الكثير من العشوائية، الكثير من الهدوء، ربما القليل من الفوضى في تنظيم يومي! ، أنام كثيرا أيضا، أتناول وجبة الغداء مع ميلين وأعود أدراجي راميا نفسي على السرير وأنام حتى الثامنة مساء واستيقظ بخمول أمارس بعض تمارين اليوقا للتنشيط أظنني اكتسبتها عادة من سخريتي بكيث، كوب قهوة، وجبة عشاء خفيفة، ثم أمارس طقوس الاسترخاء أثناء متابعتي لفيلم أو محاولتي لكتابة شيء ما و ينتهي به الأمر في القمامة، أنا بخير، قل تواصلي مع العالم الخارجي و أظنني نسيت كيف أكون شخصا اجتماعيا

يضحك على مواقف آرثر و يسخر من جدية زيك في تحسين علاقته بعائلتي، لم أعد الشخص الذي يماطل غري في مد ما تحتاجه لها حينما يكون بقربي، لا امكث طويلاً بالحمام وقت الاستحمام أتخيل مستقبلا مختلفا لشخص بائس مثلي، لم أعد أهتم بحبات البازلاء في طبق الحساء الذي تعده غري! ، أو اللوان الثياب المريعة التي تختارها ميلين، نعم أحيانا أقول أن ميلين كانت سيدة عجوز في حياتها السابقة، و مجددا أنا بخير .

.
كالعادة؛ تغطي الشمس منزلي وتكسوه بالدفئ و اليقين أن الليل قد مضى و الصباح حل، على سريري أتعارك مع فكرة الإستقامة بدل الخمول و العودة ليوم اخر كالأمس، الامر أشبه بمن يصارع حقيقة  إسمه المسجلة في سجل العائلة وهو لم يكن له الحق بإختياره، فظيع كالعادة.

أقف خاويا أحدق  فيما تبقى من طعام الامس ولم يتنسى لي الوقت لتنظيفه، على الطاولة يوجد الكثير من الفوضى وعلى كرسسي المكتب، الكتب تكدست كما الأوراق و هامش  أعمالي الجامعية،  يوجد الكثير من علب السجائر على الارضية و الكثير من قنانين الماء الفارغة.

هكذا كنت فوضويا كعادتي أحاول أن أعيش  متجردا من كل المهمات و الفرائض اليومية بقدر استطاعتي، ربما لو لم أكن ملزم بحل الواجبات وحضور المحاضرات لكنت شخص  يتقمص دور المريض طريح الفراش لسنوات، قيل لي أن المرض قد لا يكون جسديا ملموسا وأن لكل انسان عاهة يستطيع أن يتمقصها، سرطان أو داء خبيث، أستطيع أن أحمل نفسي شيء لم تخلق لتكونه.

.

في يوم ما، نامت المدينة ذهبت الضحكات وحلقت الأماني للسماء، إنتهى الوجع و ارتدت الارض زي حدادها حينما لامست ترابها روح طاهره نقية، هناك صوت للألم، أنين و تراجي، الكثير من الصلوات و النواح.

"ذهب الوجع، ذهب الوجع"

كررتها وكنت امسح ظهر آرثر بخفة، لقد كان متقوسا بحزن للاسفل منكسر الحال منخفض المنكبين، افقدته المآسي كبريائيه، يفترض أننا لم ننهي شجارنا الحاد اخر مرة لكن شيء ما بداخلي ابعد سياج الأنانية لبعض الوقت مني لأكون بجانبه الان احتضن يديه المرتجفه و أمسح على ظهره، لم اكن جيدا بالمواساة كعادتي وأخذت انظر لمجموعة البشر أمامي ، توجد العديد من معاني الحزن على وجوههم لكني متأكد من وجود فرص عديده لكشف  بعض الأقنعة المزيفة بينهم، كانت السيد رولف تبكي بكاء شديدا و دموعها كزخات مطر شديد السواد تحط على وجنتيها بحراره شهقاتها كانت تعلو وتتلقى المواساة من امرأة أخرى كما لو كانت ابنة الراحلة المفقودة، أذكر عدد المرات التي سمعتها تتحدث عن جفاء والدة آرثر تتبعها بلعنات، والآن يبدوا الأمر وكأنها تنوح بصوتها لأنها فقدت ضحية حديثها السام هل ياترى ستكون سجينة حزنها هكذا؟ فلا أظن أن أم آرثر سيكون لها بديل عما قريب.

"أنت بخير؟"

همست له بصوت خافت حينما رفع بصره نحوي، حدق بي وسرعان ما ضرب يدي عنه

"مازلت لم تقدم إعتذارك لي"

تمتم بصوت ناقم ورفعت حاجبي متعجبا من غطرسته

"لقد كنت تتمزق قبل لحظات!"

قلتها بسخرية ورايته ينهض

"وأنت، ماظننتي ساراك عطوفا هكذا"

أعتقد أنه بخير.

.

|جُونْ وانْتسُون|

أفْضلِيات أنْ تَكونَ زَهرَة حَائِط || مُذكَراتْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن