قيس وليلي

2.2K 74 12
                                    

في أراضي الصحراء العربية وتحت خيامها نشأ وترعرع الحب العفيف الأصيل فالبادية توقظ مشاعر الشاعر العربي المتعلقة بالحب فقد عشق قيس ليلى منذ الصغر و زاد حبهما مع الزمن وقصتهما طويلة جدا , لكن سبب البعد الذي بينهما هو كلام الغزل الصريح قبل الزواج .

كان يرعيان مواشي اهلهما ولم يزالا على تلك الحاله حتى كبر كل منهما , فحجبت عنه ليلى فجن جنونه بها , وازداد شغفه بحبها وضاق صدره وأنشد قائلا:
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ولم يبد للاتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم ياليت أننا إلا اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

قيل ومر وقت طويل لم يرى فيه ليلى وذلك من يوم أن حجبت عنه, وجرى عليه مالم يجري على قلب بشر , وهو يكابد ألم الفراق ولما اشتد به ذلك خرج من داره وركب ناقته , وكان عليه حلتان من حلل الملوك الفاخرة فمرّ بإمرأة من قومه يقال لها كريمة , وكان عندها نسوة يتحدثن فأعجبهم حسنه وجماله فدعونه للنزول والحديث معه , فنزل وكانت ليلى بين تلك النسوة فجعل يحادثهن ويقلب طرفه حولهن فبينما هو كذلك إذ وقعت عينه على ليلى فلم يصرف عنها طرفا وشاغلته عنها فلم يشتغل وأنشد لها الشعر:
سحرتني ليلى بسواد عينها إنما السحر في سواد العيون

فلما سمعت ليلى شعره ذرفت عيناها بالدموع وكانت تخفي دموعها بطرف قناعها, فعلم قيس ما عندها له من الحب وجاء إلى ليلى
وقال لها: اعندكن ما تأكلن ؟
فقالت له ليلى : لا. فعمد على ناقته فنحرها وقطعها. فقامت ليلى لتمسك معه اللحم فجعل يحز بالمدية في كفه وهو شاخص فيها حتى اعرّق كفه فجذبته من يده , فقام قيس وطرح من اللحم شيئا على الغضا وأقبل يحادثها
فقالت له : انظر إلى اللحم هل استوى؟ فمدّ يده الى الجمر وجعل يقلب بها اللحم فاحترقت يده ولم يشعر فلما ماعلمت ما داخله من الحب صرفته عن ذلك ثم شدت يده بهدب قناعها وقد ذهب عقله وتحكم عشقها من قلبه .

فاقام معهن بياض ذلك اليوم الى أن أقبل المساء فبينما هم على ذلك إذ أقبل عليهن غلام شاب جميل الطلعة مليح الوجه له عينان ساحرتان وفوق خده خال أسود وهو من حيهن يدعى منازل وكان يسوق غنما له فلما رأته تلك النسوة وما هو فيه من الجمال انصرفن اليه وأقبلن بوجوههن عليه يقلن له كيف ظللت يا منازل وكانت ليلى أيضا ممن انصرفن ,وتركن قيس فاغتاظ غيظا شديدا
وقال لمنازل : هلّم نتصارع أو تتركهن؟ فنظر الفتى لوجه قيس وعلم ما حل به من الغيظ فخجل واستحى ثم ترك النسوة ورحل. قال الراوي لما رأت ليلى قيسا قام غاضبا علمت انه تكدّر من ذلك صاحت به واستدعته للمحادثة معها وكان قد داخلها الحب فقالت : هل لك في محادثة من لا يصرفه عنك صارف ؟ قال: ومن لي بذلك؟
وتحدثا إلى ان افترقا وذهب كل منهم إلى بيته واشتعل قلب كل واحد منهما بحب الآخروالتهبت قلوبهم بنار الغرام .وفي الصباح انتظرت قيسا لعله يمر عليها فبينما هي كذلك إذ أقبل قيس على ناقة حمراء وعليه حلة فاخرة فسلم ودعته للنزول وأرادت أن تعلم إن كان يحبها فاشتغلت تتحدث مع غيره من الجواري والتهت بهن فنظرت إلى قيس وقد امتقع لونه فأنشدت ليلى :
كلانا مظهر للناس بغضا وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون بما اردنا وفي القلبين ثم هوى دفين
فطب نفسا وقر عينـــــا فإن هواك في قلبي معين

فعندما سمع قولها شهق شهقة شديدة وخر مغشيا عليه فلما أفاق أنشد :
أحبك حبا لو تحبين مثله أصابك من وجدي عليّ جنونٍ
فيا نفس صبرا لاتكوني لجوجة فما قد قضى الرحمن فهو يكون
فتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه ثم مكثا مجتمعين إلى المساء فانصرف كل إلى بيته.

قال الراوي: فبات قيس تلك الليلة كأطول ليلة في حياته وحتى إذا صبح الصباح ذهب إليها وعاد في المساء فبات ليلته أطول من السابقة ولم ينم فانشد:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني الهم بالليل جامع
لقد ثبتت في القلب منك محبة كما ثبتت في الراحتين الأصابع

فكان يأتيها كل يوم وذات يوم جاء قوم من العشيرة يريدون أدما فأمر أبو ليلى ليلى أن تحضر السمن فاستبطأها وعندما ذهب وجدها مع قيس يشكوان الغرام ولما سمع شعر قيس استعظم الأمر ولطم ليلى على خدها وأدخلها الدار وطرد قيسا ومنعها الزيارة في الليل والنهار خوفا من الفضيحة والعار.
قال : وقد تسامع أهل الحيّ بعشق قيس لليلى ومنع ابوها قيس من زيارتهم وقال له الناس ليس لك ان تدخل بيت ليلى بعد هذا فلما سمع قولهم بكى وقال: إن الذي بي ليس بهين فأقلوا من كلامكم فإني لست بسامع ولا مطيع فوصل كلامه لوالد ليلى وشكاه إلى الخليفة عبدالملك بن مروان فكتب عبدالملك إلى عامله بإهدار دم قيس إن هو زار ليلى وتحسر قيس وقال:
فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها مقالة واش أو وعيد أمير
فلن يمنعوا عيني من دائم البكا ولم يذهبوا ما قد أجن ضميري

فلما يئس قيس من زيارة ليلى خرج هائما في القفار حتى أشرف على الهلاك فلحقه أهله فدعوه فلم يستجب لهم وعندما علمت ليلى بحاله أشفقت عليه وأمرت جاريتها أن تذهب لقيس وتواسيه وترثي حال ليلى إليه . فضعف جسمه وقيل أن قيس بن ذريح مجنون لبنى سمع به وأراد لقائه فلما رآه عرفه وسلم عليه فلم يرد فقام إليه فحضنه وتباكيا ساعة من الزمن على ماحلّ بهما من العشق.

قصة حب مجنون ليلى ♡حيث تعيش القصص. اكتشف الآن