تقف صاحبة المعطف الأسود أمام غرفة المنشود، تراقب الوضع بهدوء بينما تحرص على تغطية وجهها بوشاحها الأحمر، تقترب بخطوات بطيئة نحو ذلك الراقد على سرير المشفى ثم دخلت المكان بعدما تأكدت من خروج جميع الزوار منه، تقف وتتأمل ملامح ذلك النائم وتتحسس بأناملاها الرقيقة تلك البقع الأرجوانية التي لونت وجهه، بينما يقبض الذي أمامها أعينه بقوة لشعوره بالألم فرفعت الأخرى يدها بهدوء لتخرج من جيبها بطاقة صغيرة قد كتب فيها " الكره بعد العشق ليس مستحيلا" ووضعتها جانب وسادته بعد لحظات جلست على طرف السرير بينما تنزل رأسها أرضا تسترجع ذكرياتها معه وترفع يدها بين الحين والآخر لتمسح تلك الدموع التي تمردت خارجة من عشبيتيها، وهاهي تقف بعدما آلمتها الذكريات مقررةً الرحيل.
- من أنتِ؟ وأين أنا؟
تلتفت بلهفة وشوق لذلك الذي ناداها ترغب بمعانقته لكن لتوها عزمت على كرهه للأبد.
- مم... متى استيقظت؟
سألت بصوت مرتجف وعيون دامعة بينما ترتب شعرها محاولة إخفاء قلقها واهتمامها به، هي فقط لا ترغب في معرفته بأنها مازالت تحبه حتى بعد رفضه لها.
- ألن تجيبي على سؤالي؟ أنا بالفعل لا أعلم شيئا، أخبريني ما الذي جاء بي إلى هذا المكان.
رد بتساؤل على سؤالها بينما يلف المكان بناظره لعله يزيل عن تفكيره الحيرة التي رسمت ملامح وجهه في ذلك الوقت.
- أنت أحمق، ألا تذكر؟ ألست من كان يمشي على حافة سطح الجامعة؟ أرجو أن يكون هذا درسا لك لعلك تقلل من تفاخرك المتهور.
قالت ذلك بسخرية بينما تتوجه للخروج فهي لا ترغب بقضاء مزيد من الوقت معه.
- انتظري لحظة ارجوكِ.
توقفت في مكانها بينما تمسك بمقبض الباب وردت:
- ماذا تريد؟ وأسرع فأنا مستعجلة.
- أخبريني فقط عن إسمي فأنا لا أتذكر شيئا، ولا أعلم حتى من أكون وأعدك لن اطلب منكِ أي شيء آخر بعدها أرجوكِ.
قال بينما ينزل رأسه بشرود وأعينه الفارغة تنزلق منها دموع لم يستطع حبسها فيها.
- مم... ماذا؟
إلتفتت المعنية بالإجابة إليه بينما توسعت أعينها بصدمة وغير تصديق وسرعان ما أخفت تلك الملامح من وجهها بقناع من البرود وسألت:
- إذاً لا تذكرني ولا تذكر أي شيء يخصنا؟
لوح برأسه نافيا ثم رد وهو جالس بنفس وضعيته السابقة:
- عندما رأيتكِ تجلسين على السرير بمجرد استيقاظي بدى وجهك مؤلوفا للغاية، لكن بعد ثواني شعرت وكأنني لم ألتقي بكِ من قبل.
أكمل كلامه بعدما رفع رأسه يناظر عشبيتها وإبتسامة حزن صغيرة إرتسمت على وجهه.
- همم... حسنا، حلى كل حال إسمك الكامل "ليوكاردو طوماس أورليان" ويناديك الجميع بإسمك المختصر "ليو"
أجابت عن سؤاله السابق بينما لازالت تتصنع البرود وتتفادى النظر في وجهه، وهي على تلك الحال دخلت الممرضة إلى الغرفة بينما عقدت حاجبيها بإنزعاج عندما رأت تواجد أحد الزوار في غرفة المصاب رغم انتهاء مدة الزيارة منذ فترة ليست بقليلة.
- آنستي أعتذر لكِ، لكن وقت الزيارة قد انتهى ولا يجب عليك البقاء هنا.
قالت صاحبة الرداء الأبيض بينما تهم لإخراجها من الغرفة.
- آسفة جدا على تطفلي، ولا داعي للقلق فلم تطل مدة زيارتي كما أنني كنت أنوي الخروج حالا، وأريد إخباركِ أن المصاب قد فقد ذاكرته على ما أظن، لذا أرجو منك أن تخبري الطبيب ليتعامل مع وضعه.
ردت المعنية بتأسفٍ للممرضة التي أصيبت ببعض الدهشة فهي لم تلاحظ إستيقاظ "ليو" ثم تركت بطلتنا وغادرت مسرعة لمكتب الطبيب فتبعتها الأخرى لتغادر الغرفة بينما يوقفها مجددا صوت ليو:
- إعذريني يا آنسة لكن هل لك أن تخبريني عن إسمك والمعرفة التي كانت تجمع بيننا لعلني أتذكر شيئاً؟
إلتفتت بشيء من الإنزعاج إلى من قصدها بكلامه بنصف وجهها لتجيب بعدم إهتمام:
- لن يفيدك إسمي ومعرفة علاقتي بك في شيء، أولم تقل في وقت سابق أنك لن تطلب شيئا آخر مني بعد معرفتك لإسمك؟... أو أخبرك يا "ليو" أنا وأنت كنا ولازلنا وسنبقى أعداءً للأبد.
قالت جملتها الأخيرة بعد صمت دام لعدة ثواني لأنها فعليا كانت تفك لسانها من ثقل الحروف والكلمات التي نطقت بها رغما عن قلبها ومشاعرها المكسورة، لتخرج وتترك خلفها ذلك الذي أصابته الحيرة والفضول إتجاهها بينما كان يتعطش لشيء هو بحد ذاته لا يعرف ما هو.
.
.
.
.
فقط لأنني أحببت من لا يجب عليَّ حبه، سأحطم نفسي بعدما حطم جحيمه الذي لطالما عشقته مشاعري حتى أقف أمامه في يوم ما وأقول:"كَعُتْمَةِ اَلْلَّيْلِ وَسَوَادِهِ أَكْرَهُكْ"
"يتبع"