|جنرال بقدم ونصف!|

71 11 26
                                    

نغزٌ قوي في أعلى طرف قدمي المبتورة جعل جفنَي يرتعشان بخفة، لكن الألم لم يقتصر على نصف قدمي فقط، أحسست بشيء لزج على رأسي ولسعة مؤلمة وكأنها حرق ما، انقباض قلبي ونبضاته التي تداخلت مع أصوات بعيدة للغاية لم أستطع فهمها.

فايا، رأس مرمى، دماء وصرخات واجمة، نغمة تشابكت مع القمر، أعين ليلية وكمان، تداخلت الأحداث برأسي وشعرت بقشعريرة قوية تلف جسدي، الهواء حولي بدأ يختفي وكأن الذكريات تكاتفت تخنقني، فتحت مقلتي سريعًا، وارتدّيت للأمام متلاحق الأنفاس.

أخذ مني الشعور بما حولي خمس ثوانٍ، غطاء خشن الملمس على قدمي جعلني أعقد حاجبي، ثقل رأسي الوحيد الذي تبقى من الألم، وعلمت أن كل ما عشته سابقًا كان الكابوس المعتاد والذكرى السيئة من الأسابيع الماضية.

لكن ما تدافع إلى عقلي دفعني أرمش بسرعة، فتاة بشعر قصير، لون أعين مشابه لأعين فايا، وكمان مستند على كتفها!
آخر ما أذكره هو صوت ارتطام قوي على رأسي، سقوطي أرضًا ولمحي حجر سميك بيد تلك الفتاة.

«إنه حي، للأسف.»

صوت أنوثي هادئ من جهتي اليمنى، اختفت أنفاسي وأنا أراها، شعر قصير بلون أسود، خصلة وحيدة بيضاء تنسدل على وجنتها، ملامحها.. تشبه فايا كثيرًا لكنها ليست هي! هذه الأعين أحدّ نظرة، وكما أن الفروقات بينهم قليلة لكن واضحة، من البلاهة أن أتخيل فايا في كل مكان، الموت صديقها يا دريد، هي لن تعد لك بعد الآن، شعرت بغصة قلبي تعود مع شرودي، يدي تلمست مصدر الألم برأسي لأتآوه.

«عانقتني وسط الليل فضربتك على رأسك السميك، مبارك!استطعت شقّه.»

ملامحي عقدت بعدم فهم، نظرت جانبها لأجد رواد، يشرب الشاي ويتأملني بشكل هادئ، لم يلفظ، فقالت هي موجهة كلامها لي ممتعضة النبرة:

«أدركت بعد سقوطك بدمائك أنك ذات الشخص الذي أنقذني من العجوز الخرف، فاجأتني بزيفك! نبيل في النهار، وسافل متحرش في وضح الليل.»

اتسعت عيناي لكلماتها المتقززة، كدت أفتح فمي الجاف لأرد فسارعت تشيح بيدها.

«ماذا كنت أتوقع من أحد الرجال! على كلٍ، لقد أخبرت السيد رواد عما حدث، فآثرنا ترك جرحك هكذا دون تضميده ريثما تستيقظ وتخبرنا بمبرراتك المزيفة مثلك.»

نظرت بذهول تام لرواد، ترك جرح رأسي هكذا حتى أبرر خطأي! أي إنسان هو! وتبًا كيف أخبرها مبرري؟! ستجده سخيف حتمًا.

«لا أصدق أنكما تركتماني أنزف هكذا، ماذا لو مُت!»

ارتشفا الشاي بذات الآن، وكأن كلامي هباء!

«اسمعي يا أنسة، سميها ما شئت لكن ظننتك هي، خطيبتي، النغمة تلك.. أثارت ذكراها، كما أن ملامحك تقاربها كثيرًا، لم أحظَ بنوم كافٍ وقتها، وكل شيء تشابك حين رؤيتك، لم أستطع التمييز من ردائك الطويل، وظننتها عادت فقط.»

منفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن