حافة الجنون ... قصة
بين الحين والآخر وحين كانت تمر مجموعة من الشباب المشاغبين تنفجر الحارة بالصراخ والشجار والسب والشتائم ومن بين تلك الأصوات يبرز صوت ( قيس ) أو ( قيس المجنون ) كما يسميه البعض وهو بتشاجر معهم بالكلام واحيانا يحمل الحجارة ويطاردهم بملابسه الرثة ولحيته غير المرتبة وشعره الأشعث . وكان مسكنه هو الرصيف وسط الحارة وهو محاط بأكداس هي أقرب أن تكون نفايات من أن تكون اغراض وأغطية وأدوات طعام ، وقد اعتاد أهل الحارة على هذا الحال ، وكان بين الحين والحين يأخذه الجيران ويدخلونه الحمام ليستحم ويحلقو له لحيته وشعره ويلبسونه ملابس جديدة ويظهر بشكل جديد ، لكن بعد ساعات تتسخ الملابس ويظهر على وجهه بقايا الطعام ، وحين لا يعترضه أحد تراه جالس وينظر إلى وجوه المارة بصمت واحيانا يتمتم بكلام غير مفهوم ، وقد اعتاد الناس على حاله هذا إلا ( سعدون ) الذي كان قيس المجنون يشغل الرصيف المقابل لداره وقد كان ينزعج كلما صادفه قيس في الطريق أو مر من امامه وهو بصحبة بنت جاره وصديقته ( سلمى ) التي كان يحبها وهي سبب الأزمات الدائمه بينه وبين زوجته الجميلة ليلى التي تعمل معلمه في روضة الاطفال وكان يشعر بالضجر من ملاحقة نظرات قيس المجنون الفضوليه له والى صديقته سلمى. وكان سعدون كثيرا ما يتشاجر مع زوجته ليلى بسبب خيانته لها بالعلاقة العاطفية مع صديقته سلمى وأحيانا تصل حد الضرب حيث كان يمارس القسوة معها واحيانا تذهب الى الروضة وعلى وجهها آثار كدمات حيث كان يضربها بقسوة وكان صوت صراخها يذهب إلى خارج الدار ويسمعه الجيران . وكانت كلما تخرج في الصباح تلقي إلى قيس قطعة نقود واحيانا تعطيه قطعة خبز مع جبنة أو قشطة ليفطر بها . وفي أحد المرات كانت الجميلة ليلى بصحبة زوجها سعدون وأعطت قيس قطعة الخبز وفتحت المحفظة لتعطيه قطعة النقود المعتادة ، فتوقف زوجها وصرخ بوجهها بغضب ( هذا هو الجاسوس الذي يخبرك بكل خطواتي مع سلمى ) فردت عليه باستغراب وهي مندهشة . من اين لهذا المجنون أن يدرك ما تفعله انت ؟ وكيف له أن يعبر عن ذلك ؟ ونحن لم نسمع منه أي جملة مفيدة كونه يكاد أن يكون اخرس ! فزاد غضب سعدون وبدأ يضرب ويركل ويرفس قيس على وجهه وصدره وكل أنحاء جسده وبدأت الدماء تتدفق من فمه وانفه واختلطت بالتراب والطين ، وقيس يتلوى ويتألم دون أن يرد ولو بكلمة ، وليلى تنظر إلى المشهد باستغراب ! اما سعدون فقد ترك المكان وترك زوجته ليلى وهي تنظر إلى قيس وهو ملقى على الأرض مخضب بالدماء . وحين رفع قيس رأسه والتقت عيناه بعيني ليلى أصيبت بالصدمة حيث قرأت في عينيه كلام كثير ، هي ثواني لكنها كانت تساوي زمن طويل فالنظرة الصادقة والمشاعر ألفاضحة والحب الصامت جعلتها تشعر برعشة تخترق جسدها لم تجربها من قبل . واطرق قيس رأسه إلى الأرض وذهبت ليلى وهي تمسح الدمع الذي تدفق رغما عنها ودخلت البيت ولم تفارقها تلك الصورة القاسية وهي تتساءل مع نفسها كيف لها أن لا تعلم بمشاعر قيس الصادقة وحبه لها وكانت بين وقت وآخر تذهب إلى الشباك المقابل للشارع وتنظر الى قيس وتراه لا يزال مستلقي على الأرض وظلت كذلك إلى وقت متأخر من الليل تراقب عبر الشباك إلى أن غالبها النعاس وذهبت إلى الفراش وهي مشغولة وتفكر بتلك النظرة التي إعادت لها الحياة . وفي الصباح حين خرجت من البيت إلى الروضة انتابتها حالة بين القلق والفرح وحين اقتربت أكثر والتقت عينيها بعيني قيس شعرت بالغبطة تملأ قلبها فابتسمت ورد عليها قيس الابتسامة ، وقالت مع نفسها أنه بحاجة للابتسامة بدل النقود وظلت تبادله الابتسامة في كل صباح ونسيت أمر خيانة زوجها لها مع سلمى واعتبرت الأمر لا يعنيها .. واكتفت بحب قيس لها ..... انتهت
بقلمي القاص والشاعر ع ع