رغم سقوطه من الطابق التاسع... إلا أنه بقي حياً بمعجزة لا أحد يعلم ماهيتها، ومع ذلك بقيت نسبة تصل إلى العدم بأن يستيقظ من غيبوبة توقعها الجميع أن تدوم إلى أجل غير مسمى، نتيجة تعرضه لإرتجاج في المخ وتصدع خفيف في الجمجمة.
فعليا أثار هذا الريبة والشك إلى عقل طبيبه فقد قال أن إصاباته تدل على سقوطه من الطابق الثاني أو الثالث وأنه من غير المعقول أن يستيقظ بعد أسبوع فقط من الحادثة بينما تكاد كل إصاباته أن تشفى بشكل كلي.
وهاهو "ليو" يقف بكامل صحته وبذاكرة مفقودة جزئياً بعد يومين من إستيقاظه من الغيبوبة بعدما صرح الطبيب أنه قد شفي تماما، قاصدا منزله بل قصره رفقة والديه وشقيقته الصغرى.
.
.
.
.هل جربت؟
أن تستيقظ يوما وأنت لا تعرف من تكون!
أن تجد صعوبة في فهم نفسك فضلاً عن فهم الآخرين!
أن تجد نفسك متغيراً لا رأي ثابت لك!
أن تكره فجأة كل شيء!
أن تأتيك جرعاتٌ من مشاعر متعددة!
أن تصبح الحياة في نظرك لغزاً غير قابل للحل!
أسئلة أطرحها على نفسي لعلني أرتبُ الفوضى التي صنعتها عاصفة الأفكار والمشاعر فيّ، لكن بدون جدوى فإنني أجيب عليها بلست أدري.
ربما وجدت جوابا لسؤالٍ لم أطرحه بعد، لأنني أعتقد أن الذكريات شيء أساسي يبني عليه البشر سلالم يصعدون عليها لتحقيق أحلامهم، ومنهم من يجعلها صخوراً تعيق طريقه وتسقطه كل مرة في حفرة اليأس.
لست أدري السبب وراء شعوري الغريب بهذا الكلام الفلسفي الذي ربما لا أساس له من الصحة.
.
.
.
.أغلق دفتر يومياته الذي إشتراه تواً، ليُوقف بذلك تشوش تفكيره وبعثرة مشاعره، بعدما خطَّ عليه تلك الكلمات. يقف من على كرسي مكتبه بينما يحدق بكامل غرفته كمحاولةٍ منه أن يجد مكاناً يخفي فيه الدفتر رغم غياب من يتجرأ على لمس أو الإقتراب من أشياءه الخاصة ومع ذلك يبقى الإحطياطُ واجباً بالنسبة لـ"ليو".
مرت أمام ناظره عدة صور متتالية كأنها مشهد مُسَرع من الماضي... فجأة أغلق باب غرفته من الداخل ويبدأ بالركض نحو أحد زوايا غرفته والتي وُضع عليها خزانة لكتبه، دفع الخزانة بقوة مفرغا جزءً من المكان الذي تموضعت فيه ليجد ما كان يبحث عنه، ذلك الجزء من الأرضية الغير مغطى بالبلاط والذي يشبه حفرة صغيرة وُضع فيها صندوق حديدي متوسط الحجم، فأخرجه فاتحاً إياه ليصرخ بسعادة رَسمتْ إبتسامة كبيرة على وجهه، فقد أتى الأمل مجدداً لينير طريقه بعدما أطفئت قسوة الحياة نورها بل يمكن القول أن من أطفئها كان تهوره، طيشه، وغروره.