زوجة الأسير

20 3 2
                                    

فُتحت الاسوار التي لاطالما سُميت اسوار السجن ولكنني أحببت أن أسميها أسوار الحرية،

أيدينا كانت مكبلتًا بالقيود الصدئة وملابسنا الموحدة تبدو وكأنها غمست في الفحم، شعرنا الذي يصل إلى ماتحت آذاننا يبدو كفرو كلاب الشوارع المتشردة، لحانا طالت واشنابنا تكاد تغطي أفواهنا،

احتضنت خيوط الشمس أجسامنا الهزيلة شوق فراق اثنيتي عشر سنة، انهمرت دموعنا وتعالت صرخاتنا فرحًا واحتفالًا، نحضن الشمس بابتساماتنا ونقبل السماء باعيننا ونمسح على الهواء بدموعنا أو ربما هو من مسح عنّا دموعنا، رأيت وجه ماركوس بوضوح للمرة الاولى ملامحه بدت إسبانية أكثر من أي وقت مضى.

أُخرجنا كقطيع خراف، نُزِعت القيود من أيدينا ووصل الدم ليدي أخيرا، نُقلنا في سفينة لنصل لموطننا، استحممنا وحلقنا ذقوننا ورؤسنا وغيرنا ملابسنا حتى أننا لم نتعرف على بعض وصلنا المناء ونزلنا هناك، مناظر الاحتفال في كل مكان إستَلَمنا جنودنا وشعبنا، وعائلاتنا كانت بانتظارنا وكذا رئيسُنا.

وسط ذلك الزحام وجد ماركوس شقيقته، فودعته وأخذنا عناوين بعض لنلتقي لاحقًا، ظللت أبحث عن زوجتي وأولادي لكنني لم أجدهم فعرفت أنَّ هناك ظرف منعها من القدوم.

ذهبت لبيتي وأنا أستمتع بالهواء البارد وبأشعة الشمس الدافئة في نفس الوقت، وبأصوات الناس في الاسواق المكتضة، وصلت لبيتي الذي لم أره منذ ثلاثة عشر سنة، كنت أحس أنني أرى الوردة الحمراء وسط البستان الابيض، كان متغيرًا قليلًا لكن لم أستغرب، أردت أن أرى طفلي الاكبر والآخر الذي لم أره أبدًا، طرقت الباب لتفتح لي امرأة عجوز مكشرة الوجه، فحصتني بنظراتها ثم أغلقت الباب لامنعها وابادر بالسؤال،

" أعتذر إن أزعجتك يا سيدة لكن أين هي مارثا جووي مالكة المنزل"،

لبثت قليلًا لتسأل"من أنت؟"،

أعتذر حقًا أنا زوجها أين هي الآن؟"،

"لا توجد امرأة بهذا الاسم، اذهب الان"

"ما الذي تتكلمين عنه يا سيدتي هذا منزلي، منزلي أنا أنت من عليك أن تخرجي من هنا" صرخت عليها ولم أنتبه لنفسي إلى أن ظهر زوجها وراءها وقال:" إن كنت تبحث عن أمٍ لطفلين فمن الأفضل أن تبحث بعيدًا لقد اشترينا هذا المنزل منذ 10 سنوات منها"

أغلق الباب مباشرة بعد كلامه وكنت مصدومًا منهما، فهمت أنّ حالة زوجتي تدهورت ممّا اضطرها لبيع البيت، احسست بذنب عظيم، ذهبت لاسأل الجيران وقد كانت ردة فعل كل واحد منهم أن يفتح فمه ويقول:" انت حي!!!"، فقد انتشرت إشاعة قبل عشر سنوات تقول أنني قتلت في الحرب ،لم يكن أحد يعرف أين ذهبت زوجتي بعد بيع البيت، فذهبت إلى منزل صديقتها لتخبرني أنها ذهبت لمدينة والديها،

اتجهت هناك وقلبي يرفرف وانا اتخيل ردة فعلها بعد أن تراني حيًا، وكذلك أولادي فأكبرهم على الاغلب أن لحيته بدات بالظهور فهو الان في السابعة عشر، والآخر لا اعرف إن كان صبيًا أو فتاة وان كانت فتاتًا فهل هي بجمال امها، وصلت للمدينة واتجهت لبيت حماي، طرقت الباب ومع كل دقة قلبي كان يدق ألف دقة، لكن لم يجب أحد، اخبرني أحد الجيران أنهم ليسوا في المنزل ولن يعودا حتى المساء.

زوجة الاسيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن