الفصل الخامس

119 3 0
                                    

الفصل الخامس
تتبعه في خطواته المتمهلة إلى السيارة تناقض كلماته قبل قليل بضرورة العودة إلى المزرعة بسرعة
بمجرد صعودهما إلى السيارة شغل المذياع لتصدح موسيقى هادئة لأغنية راقية جداااا من الزمن الجميل
"استغربت هدوءه وبروده المفاجئ كمن ينساق إلى حتفه وهو راضي هي تدرك شخصية خالها جيدا و حدثا كالذي حصل لن يمر هكذا بهدوء فما باله
ألا يكفي أنها انتظرت خروجه ومعه حكم بالإعدام لمشاعرها وقلبها .....تنتظر خنجرا مسموما يغرس في روحها......وللحظة للحظة خانتها مشاعرها ....رغم كل متمنياتها له بالسعادة مع فدوى .....إلا أنها أملت لو تكون هي من تقاسمه هذه الفرحة..... القلب لا يسمع المنطق بل يسمع صوت نبضاته ومن يسكن جنبتاه......
ليلفت أسماعها كلمات الأغنية المنسابة في جدار الصمت بينهما .....ومع كل كلمة شعرت بقلبها يغلي ومشاعرها تثور وهي تفسرها على هوى لا يروق للفكر والروح العاشقة
"وأنت قريبة أحن إليك
وأظمأ للعطر للشمس في شفتيك
وحين تغيبين
يغرق قلبي في دمعاتي
ويرحل صبحي تضيع حياتي
ويشحب في أعين الورد
والدالية
وتبكي العصافير والساقية
وهذا المساء وحمرته من لظى وجنتيك
يحادثني الصمت
في مقلتيك
ونظرتك الحلوة الذابلة
بأنك عن حينا راحلة
فهل يرحل الطيب من ورده
وهل يهرب الغصن من ظله
أحقا كما ترحل شمس هذا المساء
ترى ترحلين
وفي لهفاتي ولحني الحزين
يموت انشراحي تنوح جراحي
وفي الحي الحي في كل الدرب
سأرشف دمعي
سأعصر قلبي
وأنت بعيدة
لمن ياإلهة فني
لمن سأغني؟؟"

كلما أنصتت وأرهفت السمع أكثر ماجت جوارحها بألم اكبر ....وتساؤلات عميقة تتشكل في خاطرها ....الم يقل انه نفى أي علاقة له بفدوى وهو ما طلبته الفتاة شخصيا ...حتى بدون نطق الطلب فقد ناجته المساندة بنظراتها وقد يكون آخر طلب لها بينهما ...لقد سمعت الخالة رقية وهي تعلن للحارس وتتجاسر بتباهي مقصود ببراءة ابنتها ....اذا ما حصل بينهما لم يتجاوز الحدود الذي وصلتها بتفكيرها وهو بعدم شرحه لم يساعد في شيء ...فهل هو نادم أم ربما حزين لأنه باعترافه قضى على أي فرصة بالارتباط بها ...أيعقل أن يكون أحبها فعلا ولم تكن مجرد زلة ونزوة منفلتة .....عند هذا الحد حبل صبرها وتجلدها انقطع تماما "
فمدت يدها تطفئ المذياع
إلا انه وفي حالة سرحان لم ينتبه بتاتا ....ففكره مشغول بعيداااااا جداااااا عن الأغنية وكلماتها
"يتذكر أحداث ساعة ماضية .....يبدو أنها رحلة الذكريات ......ساعة ذهاب بمفاجأة و إياب بفاجعة
إشارتها له بالنفي قبل دخوله الاستجواب حيرته توقع أن تكون استغلت الفرصة واعترفت لما لا الم تصرح من قبل برغبتها في الزواج ولمحت له بهوية الزوج المراد
لكن ما أثار غيضه وغضبه هو تصرفات المحقق وهو يتعمد بأسلوبه وتلميحاته نرفزته واستفزازه حتى خشي حينها أن يفقد أعصابه في التحاور معه
وهو يطلب منه تأكيد اعترافات عشيقته كما وصفها التي صرحت بعلاقتهما وأكدت عن مواعيدهما الغرامية الليلية ..حينها علم انه يكذب لكي يحصل اعترافه وتأكد أكثر بأنها لم تصرح بشيء وان انهيارها هو دليل مقاومة كبيرة منها ، بل والأكثر أن الشكاية كيدية و لا أساس لها من الصحة ومن يعلم كيف تمت مسطرتها بهذه السرعة ومحاولات تلبيسهما التهمة باعترافاتهما الشخصية ......لابد انها خطة الحارس لتنفيذ انتقامه من فدوى .....ومن يفترض بهم إحقاق الحق يسعون للنيل منه في سبيل إرضائه .....فلأي سبب؟ "
بينما أمل بجانبه تكاد تنفجر قهرا وغيظا ....لتفقد سيطرتها على مشاعرها والحياد الذي ألتزمته لفترة طويلة كابنة عمة مقربة فقط ......وقد احمر وجهها وعيناها تبرق بدموع حبيسة رموشها فقط
"لم تتحمل أكثر فأعادت تشغيل المذياع بصوت أعلى ...لتعاود إطفائه بحدة وعصبية بعيدة كليا عن طبعها أعلى من المرة السابقة .لكن من يضمن الطبع والحب غالب"
حدتها هذه المرة لفتت انتباهه ليفاجأ بمظهرها ووجهها الأحمر والدموع التي أعلنت استسلامها مع نظراته فتكسر قيود الرمش
دموعها أطفأت جمر حيرته لتشعل القلب بلهيب قلقه واهتمامه عليها
ركن السيارة بسرعة
بينما القلق يموج في كلماته وتعابيره
(أمل ما بك؟ يا الهي ماذا حصل لك ؟ )
امسك نفسه بصعوبة يمنع يديه عن لمسها ضمها وروحه حائرة بين نارين محاولة تهدئتها أو الاطمئنان عليها خشية أن يكون أصابها سوء في سهوه وغفلته عنها .....لقد شغل عنها بهواجسه ونسي في غفلته حساسيتها المفرطة رغم ادعائها الشجاعة.....عيناه تمشطان وجهها وجسدها بسرعة رهيبة في دائرة تدور ولا نهاية لها ....ليقاطعه صوتها المخنوق بدموعها ورنة خافتة
(إذا كنت حزين إلى هذا الحد على فراقها لم يفت الأوان بعد ...استغل الفرصة وصحح خطأك تزوجها ...... الم يكن هذا قرارك صباحا ....او ربما لم افهمك جيدا..ام انك تغير قرارتك بين عشية وضحاها .......لاتقل بانها خطة لتسكتا الاتهامات اولا )
لتشيح بيديها وهي تكمل كلماتها وصوتها يرتفع غصبا عنها في حظرته.....
(ماذا تنتظر تزوجها )
"لتجهش في نوبة بكاء جديدة بينما هو ينظر اليها بصدمة متفاجئ من ردة فعلها القوية.....صحيح سبق ونصحته بالزواج بفدوى بل انها اعتبرته الحل الأمثل لكنها لم تكن انفعالية هكذا ......بل ردودها كانت عقلانية يكتسيها الحياد ....... ليبدي عقله حيرته بتفسيرات غير منطقية لقولها....لكن قلبه يكاد يثب من صدره وقد فاقت لهفته في تفسير تصرفها بالغيرة ......لكن متى كان للعقل والقلب صوت واحد "
فنطق وقلبه يتكلم قبله بصوت ملهوف وقد كسا تعبيراته فرحة خجولة تخشى استباق أوانها
(امل ......انا لا افهم ....ماذا يعني هذا؟ ........ولما يفترض بي ان اكون حزين لفقدانها؟....وكيف تريدين مني الزواج بها وهي ترفض الاعتراف باي معرفة تربطنا؟......هكذا اعرضها للشبهات اكثر في الوضع الحالي؟ ....ثم انت قلتها كنت صباحا...... كنت ليس بعد الآن)
ليعاود الإلحاح عليها أكثر وهي تلتزم الصمت التام ولا تبدي ردود فعل على اقواله ...وهو يخشى ان صمت مجددا ان يفقد فرصة مصارحتها للأبد....ليدعوها برجاء عينيه قبل كلماته
(امل تكلمي ......لا تصمتي ليس الأن ارجوك)
بينما هي فقدت قدرتها على النطق تشعر بلسانها يخونها ويعبر بذات مستقلة عن عقلها ومبادئها
(هذا ما بدا لي من ملامحك والتزامك الصمت .... انت لم تتكلم منذ خرجنا ....أتدرك كم كنت قلقة وانا انتظرك ...خشية ان تتطور الأمور بشكل سيء ......بينما اكتفيت أنت بجملة "لم استطع خذلانها أكثر " )
نفى برقة يحاول تهدئتها وهو يتطلع الى انفعالاتها
(لم يكن ما حصل شيء محبب لي لأخبرك بأحداثه فهي تزعجني ثم انا لم أشأ اخبارك حتى لا اقلقك اكثر )
ابتسمت بسخرية من بين دموعها تعيد ضفيرتها السوداء خلف ظهرها بحركة غاضبة
(احقا ......على كل انها حياتك وانت حر فيها )
جاء دوره حينها ليغص بابتسامة ساخرة وقد خاب امل قلبه مجدادا بردها
(لا داعي لتذكريني فانت رفضتي ان تكوني جزءا منها من قبل )
ختم قوله بتنهيدة حسرة مزقت قلبها وهي تراه يلتفت عنها ليعاود تشغيل سيارته مرة اخرى في وجهته نحو المزرعة
وقبل ان تدرك وجدت نفسها تمد يدها تمسك بخاصته على مقود السيارة تسأله بحيرة ممزوجة بلهفة كبيرة
(انتظر عزيز .....ماذا تعني بقولك )
لم يلتفت حينها وملامحه تعبر عن معركة داخلية بين شذ وجدب بين اخبارها او تجاوز الأمر كعادته ليجنب نفسه إحياء الجرح النازف بألم خالد
عندما تطلع اليها وجدها تمسح دموعها بظاهر يديها بينما رموشها تحملان اثر دمع خائن ....وقد بدى وجهها بحمرة خذوذه وانفه وارتجافة شفتيها اجمل لوحة لعيناه قبل قلبه
(انت رفضتي طلبي ليس لتكوني طرفا في حياتي بل حياتي كلها عندما رفضت طلبي الزواج بك )
شهقت بصوت مسموع لتضع يدها على فمها وهي تنظر بعينين توسعتا لأقصاهما من المفاجأة ....تتمتم في كلماتها والإحراج يغلب عليها
(انا ...انا لم اسمع بهذا ابدا)
جاء دوره للتفاجأ
(امل لاتنكري هذا ليس من طبعك)
(لكن انا لم افعل اقسم لك ....فهذه اول مرة اسمع بالأمر منك )
(ماذا عن قولك لعالية انك لايمكن ان توافقي وانت تعتبريني بمثابة اخ فقط ولا يمكن لمشاعرك ان تتبدل ابدا.......تذكري قولك بالحرف" انا اتزوجه هذا مستحيل انه بمثابة اخ لي ")
(متى متى )
(منذ سنة و11 شهر واسيوعين)
دهشتها تزداد
(لكن هذا لم يحصل ابدا .......انا اتذكر جيدا ذاك اليوم بوقتها خالتي لمحت لي برغبة علي في الزواج وانها ستخطب له قريبا وبلغتني تمنياتها بان تراني عروس .....وفي المساء فجأتني عالية وهي تسالني عن رائي في الزواج من اخيها المتلهف للزواج في اسرع وقت ....وانا لم اكن لأقبل بعلي زوجا .....انا احترمه كاخ اكبر .....ولكن...لكن )
هل صرحت عالية باسم الخطيب المتلهف
(انا في الحقيقة لا لا ......لقد توقعت هذا وقتها )
(وانت اجبتها بالقول المأثور .......اتزوج اخاك هذا مستحيل ........ليتك تدركين ماذا فعل قولك هذا بي........)
قبل ان يتدارك بعضا من قولها لم ينتبه له ليسال بامل متجدد
لكن مهلا اتعنين انك رفضتي طلب الزواج لأنك اعتقدته يخص علي وليس انا )
احمرار وجهها ازداد بينما ارتعاشة
امممممممممم
(هذا بعني اني اضعت سنتين من عمري بسبب سوء غبي ......بل اني سمحت لنفسي الانغماس في الخطيئة لمداواة جراحي )
(عزيز توقف لا المكان ولا الزمان مناسبين لهذا الحديث)
رن هاتفه كاسرا الصمت ومشوشا على النظرات المتبادلة
(خالي ......ماذا سيحصل الأن)
(لا اعرف ......)
حينها غصت فرحتها بتصريفات القدر .....فهل لهما امل ؟
لتردد في داخلها فات الأوان
لتنطلق السيارة بهما مجدااااااا والصمت يلفهما بسحره بين فرحة مسلوبة و توجس شديد لما هو قادم
.
.
.

اخطأت واحببتك لكاتبة ليلى مصطفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن