الفصل السادس
على مائدة الإفطار في الصباح الباكر تساءل معلقا على المنظر الكئيب للكراسي الفارغة من حوله
(أين البقية؟ ألا يشعر احدهم بالجوع آم أنهم تناولوا الفطور قبلي ؟)
أعلنت بصوت باهت وعيناها تشرد الى خارج الشرفة
( أمل لم تغادر غرفتها منذ الأمس وعند استيقاظها منذ ساعة... أخبرتني أنها ترغب في التنزه قليلا ....وعزيز ذهبت إلى غرفته ولم أجده يبدو انه استيقظ باكرا فقد كان فراشه مرتبا ، بينما الصغيرة عالية مازالت نائمة .....وعلي كالعادة يتناول إفطاره مع كريمة)
زفر عبراته بقوة ليصرح
(لما اشعر ان الجميع يلومني ويتجنبونني هذا الصباح )
تنهدت تضم شالها حول كتفيها ...تفكر ان كان قولها سيغر شيئا في قراره ...لكن هذا لم يمنعها التعبير عن رأيها ....فالتفت اليه تواجهه به بحزم تخاطب به ابنائها عند الخطأ
( يا حج أنا لم أشأ معارضتك ولا التقليل من هيبتك امام أولادك وقد صاروا رجال .....وانفعالاتك ليلة امس احجمتني عن التفوه بكلمة ....لكن الا تشعرانك جانبت الصواب بقرارك...... عزيز يدرك سوء فعلته ومدى فداحة الخطأ المرتكب .....لكن اصرارك على خطبتها في هذا الوقت بالذات والاثنان نفيا رسميا وجود علاقة تربطهما ....فانت في هذه الحالة تؤذي الفتاة اكثر عوضا عن مساعدتها وقرارك قد لا يكون في مصلحتها )
أصغى السمع جيدا يعلم سبب انفعالها ويدرك مقصده .....لكن لنية في نفسه لم يشأ مجادلتها ....بينما مسبحته في يده .......يدعي الى الله ان يلهمه فعل الصواب....ويرشد ابنائه الى الخيار السليم
(فات اوان تحديد صواب رائي من عدمه فقد اتصلت بوالد الفتاة واخبرني اننا نستطيع زيارته غدا لأنه سيعود بعد ظهراليوم من رحلته )
وكعادتها حين تعاتبه تناديه باسمه
(يا الهي حج عادل لقد تسرعت .....تسرعت كثيرا......وهل اخبرته بهدف الزيارة؟ )
اطرق السمع لكن بصمت فلم يرد بالنفي او الإيجاب فزاد حنقها منه اكثر
فالتزمت هي الأخرى الصمت فاي قوله قد يفيد بعد كل ما قيل ....
كثيرا ما نتسرع في قراراتنا .......ولا نفكر في عواقبها .....فهل هذا عن جهل ام تجاهل ؟
إلا أن صمته لم يطول ليعلن بيقين اكيد
(تذكري عزيزتي أن الله رزق لكل منا من ضلعه نصيب)
.
.
.
"تحت شجرة الزيتون ..رفيقتها عند الحاجة...
تشرد فيما حولها عاجزة عن التواصل مع سلامها المعتاد
تشعر بالاختناق لأول مرة منذ صغرها في هذا المكان
وان الهواء الذي يحيطها وتتنفسه يخنقها .....يدميها بأشواك حادة تجرح رئتيها ومسامها
منذ خرجت باكرا من غرفتها وهي تهيم في المزرعة لعلها تهدأ ...ترتاح أو يصفا ذهنها قليلا ....وقد كان هذا هدفها منذ استيقظت صباحا لترتدي بدلة رياضية زهرية اللون وحذاء رياضي .....وقد تركت شعرها الطويل مفرودا ولم تجمع إلى غرتها ليبقى حرا طويلا ....يجابه الرياح بعناد ليحيط بسيدته بغلالة سوداء وكأنه يحميها ...هامت في وسط الخضرة تلتقط وتلتقط أزهارا بألوان مختلفة بيضاء وصفراء وشقائق نعمان حمراء تفرض وجودها فرضا وسط اللون الأخضر.....تتمنى ان تستمد منها قوتها في الصمود بشموخ رقيق وسط هذا الزحف ....تتمنى وتتمنى إلا أن هذا ليس حقها ....وليست هي من تكابر او تدعي شعورا و سعادة لا تحسها كان الوضع ليختلف لو كان مازال على ما هو عليه وحوار أمسها مع عزيز لم يحدث....لكنه حدث ومع قرار خالها ..أفضل شيء تفعله هو ان تغادر اجل .....يجب ان تغادر وفي اقرب وقت
دون أن تدرك كانت قبضتها تشتد على حزمة الأزهار في يدها ....ورغم دمعة خائنة سالت على خذها إلا أن ملامحها أظهرت عزما لا يتزحزح ......