الفصل الثالث عشر

60 1 0
                                    

الفصل الثالث عشر

في المستشفى الحكومي الصغير في مركز البلدة اجتمعت العائلة جميعها خارج غرفة المستعجلات الوحيدة المتوفرة لاستقبال الحالات الطارئة بانتظار خروج الطبيبة المعاينة
والتي لحسن الحظ صدف وجودها يومها
تطلع البقية إلى علي الذي كان يذرع ممر المستشفى الضيق بتوتر جيئة وذهابا يتوقف لثواني أمام الباب لعله يستشعر أي صوت أو حركة تنبؤه عن استيقاظ زوجته التي التزمت فقدان الوعي حتى بعد وصولهم منذ ساعة

"بينما هو غارق بوجوم في ذكرياته ....يتذكر حالة فقدان السيطرة التي انتابته وهو يحمل زوجته بين ذراعيه يجري في أروقة المستشفى يبحث عن الطبيبة وقد رفض أي تدخل من موظفين الذي عرضوا النقالة لحملها إلى غرفة المعاينة ..... يصرخ ويشتم في كل من يعترض سبيل طريقه .....بينما عزيز وأمل يشيران بإيماءة معتذرة للجميع لتفهم وضع الزوج المفجوع
......لولا قدوم الطبيبة السريع ما كان ليعلم ما سيحصل له ......ماذا أن تأخر أو فات أوان إنقاذها ....ماذا إن فقد زوجته .....طفله .....سيفقد قلبه وحلم الحياة ...فهل من هدف لأن يحيا الجسد جثة بلا روحيه..... بدونهما لا معنى لحياته ......"

تقدم عزيز الذي يراقب تبدل ملامح أخيه وتعاقب الألم على وجهه ....انه يتفهم وجعه ....يتذكر ما أصابه عند خسارة حمل كريمة الأول ....
تقدم ليشد على كتف علي بمؤازرة أخوية يخرجه من دوامة أفكاره وذكرياته
ليطالعه علي بعينين مغشيتين ....حسرة وألم ....لامعتان .....ببوادر دمع ...أبيِِِِِِِ ِ على الخروج بكبرياء رجولي .....
صرح عزيز بمواساة
(تجلد اخي .....قل لن يصيبنا الا ماكتبه الله لنا)
تنهد بصوت مسموع ....تنهيدة من الأعماق .....يجلي خنقة داخلية .....ليدمم بخفوت
)ونعم بالله.....الحمد لله )
في نفس اللحظة انفتح الباب المقابل يعلن خروج الطبيبة الرزين مغلقة خلفها باب الغرفة بهدوء
تطلعت بنظرات تقييميه إلى أفراد العائلة المتجمهرين حولها بنظرات القلق البادية على وجوههم بدرجات متفاوتة
قبل ان توجه استفسارها الى الرجل الذي كان يحمل المريضة ويصرخ بهستيرية لحظة وصولها
(هل انت زوج المريضة؟ )
هز علي برأسه بقلق ..مبادرا الى سؤالها بلهفة
(كيف حالها حضرة الدكتورة ؟)
رسمت الطبيبة ابتسامة متأنية ..تجيل بنظراتها على البقية تحاول بعث الطمأنينة المرجوة ......قبل ان تعيد تركيزها الى الزوج الملهوف ...لتصرح بنبراتها الهادئة
(انها بخير ...حاليا ....عدت الأزمة على خير.. لقد عانت من نوبة ارتفاع كبير على مستوى ضغط الدم ....... وهي حالة قد تصيب النساء الحوامل.... بعد الأسبوع العشرين من الحمل وتستمر حتى الولادة رغم عدم وجود عارض قبلي عن ارتفاع الضغط أو حتى سبب وراثي وغالبا في حالة ارتفاع الضغط يتم توليد الجنين المكتمل ولكن ونظرا لكون حملها مازال في شهره السادس....كل ما يمكن للطب فعله هو مراقبة وضعها والالتزام بالأدوية)
علق علي بتشوش
(ارتفاع الضغط ولكنها غابت عن الوحي واصيبت بحالة تشنج متكرر)
هزت الطبيبة بموافقة للتاكيد
(هذا طبيعي بالنسبة لحالتها مع ارتفاع الضغط الى درجات عالية.....ولكن)
مع لكن ....انتفضت القلوب قبل الحناجر ليصدح صوتان بالتساؤل في نفس الوقت .....علي ووالدة كريمة
(مابها زوجتي؟)
(ماذا حدث لإبنتي؟)
(من الواضح ان السيدة عانت من ضغط نفسي شديد .....كان العامل المسبب لحالتها..)
تقهقرت الأم بخيبة امل ..من نفسها قبل الكل ....وهي تردد بصوت عالي
(ضغط نفسي مؤكد......ابنتي المسكينة)
نهرتها حماة ابنتها بخفوت ....وقد ارتبط قولها بالنسبة للجميع باتهام سابق .....لاتدرك ابعاد قول الأم ولا نغزات عذاب ضمير متأخر......فهل يستمر الضمير في صحوته ؟....... أم أنها لحظة استيقاظ آنية لسبات متأصل ؟
(يكفي أم كريمة هذا ليس وقته)
استرسلت الطبيبة ..تقوم بواجب النصيحة الختامية
(نصيحة تجنبوا تعريضها لأي مواقف سلبية سيكون لها تأثير سلبي على صحة الأم والجنين ....
هي ترتاح حاليا وقد تنام لساعة بتأثير الأدوية... فمن الأفضل عدم إزعاجها بالزيارة .....بالشفاء إن شاء الله)
(دكتورة ....لحظة)
(نعم)
تساؤل بصوت هادئ يناقض براكين القلق التي كانت ترزح بثقلها عليه
(هل تستدعي حالتها الحاجة إلى نقلها المدينة)
(حاليا لا....يكفي تجنب الحركة والإزعاج ....وابتعادها عن الانفعالات ....أي خبر سيء أو توتر سيرفع ضغطها مجددا......ما تحتاجه فعلا ...... هو الراحة التامة مع الالتزام بالوصفة الطبية ...... .....)
والتفتت مكملة طريقها
لتترك وراءها صمت عم على البقية .....قبل ان تقاطعه الممرضة التي كانت ترافق الطبيبة تطلب من الجميع مغادرة المستشفى ....نظرا لأن وقت الزيارة لم يحن بعد......لكن علي أصر وبشدة على البقاء بجانب زوجته مهما كلف الأمر ......وأمل التي شهدت لحظات الألم في السيارة لم تستطع المغادرة الا بعد الاطمئنان شخصيا على كريمة ....وبالطبع ما كان عزيز ليقبل بالمغادرة دونها .......فاضطرت الممرضة مع عناد الثلاثة بإصرارهم على البقاء إلى دفع البقية الى المغادرة وعدم إحراجها مع باقي عوائل المرضى
ليغادر البقية على مضض ......يتمنون لعلي بالشفاء لزوجته .......
لتنطلق رحلة العودة بصمت واجم .....بين قلب راجف وأخر واجف ونظرات متسائلة من البقية عما دفع إلى سقوط كريمة من الأساس ....وارتفاع ضغطها بهذا الشكل .....لتتبادل أم كريمة وإسراء النظرات وكل منهما تحمل الذنب للأخرى ......ذنب اشتركت فيه الاثنتين سوية ......فهل تكفي نظرة الذنب بعد الخطأ ...ام إن في الأمور جديد ؟؟؟
.
.
.
""جلس علي على الكرسي الطويل في ممر المستشفى يراقب الباب الموصد بينه وبين حبيبته .....مجرد مسكة يد لمقبض الباب ويفتح الحاجز الذي وقف حائلا بينه وبينها منذ ساعة ........ساعة معاناة رهيبة ......قلبه مقبوض منذ لحظة سقوطها وكل ثانية مرت عليه بعدها كانت دهر عذاب ......عذاب ......رجفة باردة اكتسحت جسده لتصدك ركبتاه .....مد يديه على ركبتيه يخفف ارتعاشهما المفضوح .....لا يعلم حتى كيف تحمل الوقوف كل هذا الوقت .....والآن هاهو عاجز وبضعف ....عن التحرك خطوة اليها .....وذكرى ....لا ليس ذكرى كيف تكون ذكرى وهو مازال يشعر بها بين ذراعيه تتشنج بالم ....بانين .....تذبحه بضعف ....كنصل صدئ ....يمزقه ببطء وبشدة ....وهو يفطن الا ان ظنها وشكها في خيانته سبب وعكتها.....من النظرة الجزعة في عينيها .....بسؤال غير منطوق .....استشعره بالم ....انا تشكين في كريمة .....أنا ....أنا"!!!!!! ؟؟؟؟؟؟""
قبضته اشتدت فوق ركبته ودون إدراك كان يهز يده اليمنى بقوة يضرب على الكرسي بجانبه ..مرة واثنتين ....
لينتفض عزيز الواقف بجانبه من دوامه أفكار سرقته لوهلة ....يهيم مع فرح مغتال منذ زمن قريب ..لا يصدق روعة حبيبته ...ولا روعة منطًقًها...
انتفض يسابق الخطوات وأمل الصامتة بألم لأبن خالها وزوجته الطيبة ....تدعوا لها بالشفاء
انتفض الاثنان لينخفض عزيز مقرفصا عند رجلي اخيه يوقف قبضته عن الاستمرار في ضرباتها المتكررة ...يخفف انفعالاته بصوت هادئ
(توقف علي.....بالله عليك أخي أنت تؤذي نفسك هكذا)
زمجر باستهزاء من نفسه قبل أخيه ....مكملا حديثه بصوت جريح
( أوذي نفسي ....لقد تأذت قبلي وبسببي عزيز.........بسببي أنا حتى ولو من دون قصد ......لكني أبقى السبب)
نهره عزيز بقسوة حانية ...لكنها ضرورية عله يوقف جنون اخيه
(سبب ماذا خي ....انا لا افهمك .....كيف تكون سبب مرضها وارتفاع ضغطها وانت تراعيها بكل هذا الاهتمام)
(الم تسمع ما قالته والدتها)
(أنا لم اسمع سوى ترهات تافهة ....لا يقبلها عاقل يدرك عمق ما يربطك بزوجتك ....وكريمة تعلم ذلك جيدا)
(أنت لا تفهم عزيز لم تر ملامحها عندما نظرت إلي .....عيناها)
ليمسك رأسه بين يديه مخفضا نظره لأسفل قدميه بألم .....يهمس بخفوت
(يا الهي)
عندما سمع نداء خافت من قلب الغرفة ...ليقطع الحوار الدائر ....ليقفز علي من مكانه يقبض مسكة الباب يفتحها ....قبل أن يتراجع في نفس للحظة ....ليلتفت الى امل المراقبة بادراك متأني لما حولها وأخرها الحوار بين الأخوين .....يدعوها برجاء خجل
(ادخلي إليها أمل)
هزة متفهمة من أمل قبل أن تنظر لعزيز الذي أومأ برأسه مؤيدا ....ربما يكون من الأفضل تأجيل اللقاء بين الزوجين إلى أن تهدأ النفوس ....وتصفى الخواطر
.
.
.
على بعد أميال...... وأميال
في الطابق الثالث من عمارة قديمة بتجديد عصري في حي قديم وسط المدينة جدد ليتلاءم مع الزحف العمراني من حوله ....ويتناسب مع موقعه في قلب المدينة النابض .......إلا ان خطوط البناء الجديدة لم تخفي آثار الزمن القديم من على جدرانه ومعالمه الهندسية

اخطأت واحببتك لكاتبة ليلى مصطفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن