part 10

7 0 0
                                    

       أثْناءَ هذِهِ اللَّحظَةِ تَدْخُلُ أُمّهُنَّ منَ البابِ صارِخَةً "أيْنَ هيَ؟؟" ،إنَّها غاضِبةً كوَحشٍ كاسِرٍ يُريدُ أنْ يَنْقَضَّ على فَريسَتَهُ،إنَّهُ قَلْبَ الأُمِّ المُتأَلِّمِ على حياةِ ابْنَتِها،والمَوجوعِ بسَبَبِ الطَّريقِ الوَعِرِ الّذي سلَكَتْهُ،فهذا الطَّريقُ مِنَ الصَّعْبِ أنْ تَخْرُجَ منْهُ دونَ أنْ تتَأذّى.فتَنْقَضُّ على ابْنَتِها صارِخَةً بوَجْهِها مُمْسِكَةً شَعْرَها،تَضْرِبُها هُنا وهُناك،تُؤلِمُها كما يتألَّمُ قَلْبُها،فتَقْتَرِبْنَ الفتياتُ يُحاوِلْنَ إبْعادَها كيْ لا تقْتُلَها بغَضَبِها،لَكِنَّها مُتَجَذِّرَةً بلَحْمِ يدَيْها المُمْسِكَةِ بهِما فيُبْعِدْنَها بقُوَّةٍ،حيْثُ تَنْزِفُ يدَيّ دلال،ثُمَّ تقولُ أُمُّها بِحَسْرَةٍ:"يا لَيْتَ هذا البَطْنَ لَمْ يَحْمِلْكِ ويَلِدْكِ أبداً،والحَمْدُ للّهِ أنَّ والِدَكِ رحَلَ قَبْلَ أنْ يَرى فَعْلَةَ ابْنَتِهِ هذِهِ لَكانَ تبرّى مِنْكِ".

       فتَلْتَفِتُ للذَّهابِ،ولَكِنَّ دلال تَقْتَرِبُ مِنْ قدَمَيّ والِدَتِها وتُمْسِكَهُما قائِلَةً:أرْجوكِ لا تذْهَبي،أرْجوكِ لا تَتْرُكيني كما فَعَلَ والِدي،أرْجوكِ لا،أنا أعِدُكِ،إنّي أعِدُكِ بأنّي سأتوَقَّف،لَنْ أتناوَلَ مِنْهُ بَعْدَ الآن،ولَكِنْ أرْجوكِ،أرجوكِ لا تتْرُكيني وحيدة،أُمّي أرجوكِ(مَعَ الُكاءِ والدَّمْعِ الحارِقِ).

      فيَحتَرِقُ قَلْبَ أُمِّها مَعَ دَمْعِها،إنَّهُ قَلْبُ الأُمِّ الّذي لا يَعرِفُ سِوَى المُسامَحَةِ،الّذي لا يعْرِفُ سِوَى مَنْحَ الحُبِّ رُغْمَ الغَضَبِ المُتآكِل،فتَنْحَني إلَيْها وتَحضُنُها معَ بُكائِها الّذي يعْلو ويَكْسِرُ جُدْرانَ المنْزِلِ.

           في مُنْتَصَفِ اللّيْلِ،وبيْنَما دلالُ غيْرُ قادِرَةً على النَّومِ،ذهَبَتْ إلى عِنْدِ والِدَتِها اقْتَرَبَتْ منْها وبصَوْتٍ خافِتٍ قالَتْ:"أمّي!" فأفْتَحَتْ عَيْناها،ثُمَّ تابَعَتْ كلامَها "هلْ يُمْكِنُني أنْ أنامَ لجانِبِكِ"،فتَنَحَّتْ أُمّها قَليلاً مُبْتَسِمَةً ابْتِسامَتَها الخفيفة،فتنامُ بجَنْبِها وتَحْضُنُ والِدَتِها ثُمَّ تسألُ دلال والِدَتِها:"لماذا الحياةُ ظالِمةٌ هكذا؟"،فتُجيبُها: "إنَّ الحياةَ تَرسِلُ للإنسانِ اختِباراتٍ عِدّة،تَخْتَبِرُ قُدْرَةَ تحَمُّلِهِ على المصاعِبِ،بحيْثُ تَختَبِرُهُ بأغلى ما يمْلِك،وها هو دوْرُنا الآنَ للإخْتِبارِ فكُلُّ ما علَيْنا أنْ نَعرِفَ كيْفِيّةَ اجْتِيازِهِ وإلّا فنَرْسُب.فالحياةُ ليْسَتْ كالمَدْرَسةِ الّتي تُعَلِّمُ الدِّرْسَ للطّالِبِ ثُمَّ تَخْتَبِرُهُ،بلِ الحياةَ تخْتَبِرُكِ أوَّلاً ثُمَّ تُعَلِّمُكِ الدَّرس.

أندِمْتِ أمْ بَعْدْ؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن