العودة إلى الطين

8 0 0
                                    


اشتد على (متولي) الصداع في رأسه وبعد عنائه من الركض عند الأطباء وباءت كل محاولات علاجه بالفشل , ذهب يستنصح من ابن أخيه (رائف) معلم الفلسفة .

قال رائف : يا عماه نصحتك كثيرا ولم تستجب فألم رأسك سيكولوجي وليس فسيولوجي لأنك تقليدي ونمطي وثابت على حالتك منذ سنين .

فقال متولي : يا ابن أخي أشفق علي وكلمني كلاما عربيا فأنا فلاح أمي بسيط لا مكان أذهب إليه كل يوم منذ صغري إلا الحقل .

فقال رائف : وتلك ميزة لم تعد مواظبا عليها في الآونة الأخيرة ,أنصحك بالذهاب للحقل كل يوم ثلاث مرات .

ضحك متولي وقال : وهل هذا قبل الأكل أم بعده ؟ ثم تركه وخرج لا ينفك عن الضحك قاصدا الحقل وبقي هناك قرابة اليومين ثم عاد إلى بيته أكثر ألما في رأسه ,وأكثر حزنا في نفسه .

وبينما كان رائف يتحسس أخبار عمه فإذ به مستلقيا على بطنه معصبا رأسه يملي وصيته على ابنته الصغيرة, وليتفادى ضحكات زوجته الساخرة ينظر إلى الباب فيجد رائف أمامه واقفا , فلم يبالي بأحد واستمر في الإملاء .

فدخل رائف وقال : لما تكتب وصيتك الآن يا عماه ؟

فقالت ابنته : - بحزن - يظن أنه سيموت قريبا .

وقالت زوجته :- ضاحكة - يبدو أنه يفكر في الانتحار ههههههه .

فقال رائف : أوصلت إلى هذا الحد ؟ اسمع يا عمي أنصحك أن تفعل شيئا جديدا تعبر به عن نفسك .

فهب متولي جالسا ونظر إلى زوجته وقال : جميل سأتزوج

فشهقت زوجته ضاحكة وقالت : قديمة ...

قال رائف : لا يا عمي سيزداد صداعك .

قال متولي :- ساخرا - سأشتري حماما وأطلقه .

قالت زوجته :- ضاحكة - قديمة ...

قال متولي : وماذا أفعل ؟ ساخرا – أسجل تيك توك .. أعمل مؤتمر .. أعمل ندوة .. أعمل معرض !!!!!! أنا رجل بسيط ...

فيقطع ابن أخيه كلامه قائلا : اعمل معرض من تماثيل الطين فأنت بارع في ذلك .

تعجبت ابنته وقالت : أي معرض ؟

وتمتمت زوجته : معرض وماذا تبيع فيه ؟؟؟ طين !!!!

فهب متولي واقفا مسترجعا لشيء في خاطره

وقال: حسنا - لكن هل هذا سيشفي رأسي من الصداع ؟

فقال رائف : أظن ذلك يا عماه لكن لابد أن يكون للمعرض اسم وشعار ورسالة وهدف .

فهز متولي رأسه متفقا ومقتنعا بفكرة ابن أخيه وعزم على إحضار الطين من الأرض وسرعان ما بدأ في صناعة التماثيل من الطين حتى بلغ عددهم أكثر من ثلاثين قطعة تمثل حياة الريف وأثناء تصفيفه للتماثيل في فناء بيته تجمع حوله أطفال الحي

وقالوا : كنا نظنها من الحلوى لنأكلها في مولد النبي ( ص ) يا عماه

قال متولي : مذاق الطين ألذ من مذاق الحلوى يا أبنائي – ويدفعهم بعيدا عن العبث بتماثيله .

فمر عليه شيخ المسجد وقال : هذه الأصنام حرام شرعا يا عمي متولي

رد متولي ساخرا : وهل هذا التمثال (هبل) وهل أنا أبو لهب ؟!

وسرعان ما تجمع الناس وإذ بابن أخيه رائف ومعه مذيعة من موقع أخبار قريتنا أتى بها لتلقي الضوء على المعرض وصاحبه وبعد الترحيب والمقدمات

سألت المذيعة : ما اسم هذا المعرض يا عمي متولي

فأجاب : أيام طين

فقالت : وشعاره ؟

فقال : منها وإليها نعود

فقالت : وهدفه ؟

فقال متولي : بصراحة هدفي الأساسي أن يزول الصداع عني

ضحكت المذيعة وقالت : وما رسالته ؟

حينها توجه متولي إلى الكاميرا بعناية وهندم ملابسه

متمتما : عاد الصداع .. زال الصداع

وأمسك بالميكروفون مناديا : ,,,,, أيها الناس لا تزيدوا الطين بِلَّة ,,,,,,

العودة إلى الطينWhere stories live. Discover now