قصة قصيرة شيطانة بالإجبار (كاملة)

4 0 0
                                    

«شيطانة بالإجبار»
"الأبطال يموتون، الموت سرمدي، لكن الحب يعيش إلى الأبد"
جملة تُرددها دائمًا داخل عقلها منذ أن قرأتها على جدران المعبد، كيف بعد أن يموت الأبطال يبقى الحب؟
دارت في مخيلتها الكثير والكثير من التسأولات، وبحثت كثيرًا عن الأجابة، لكن ما وجدت شيئًا، لكنها ما تركت الأمر.
جائتها الإجابة من مجهولًا همس بجانب أذنيها: -
_ الحب يعيش إلى الأبد، عندما تعشق فهذا كافي أن يجعلك خالدًا؛ فالحب يسكن الأرواح قبل القلوب، عندما ترحل الروح يذهب معاها ويبحث عن محبوبه فيلتقيا في مكان حيث الحياة الأبدية، ليس الحب حب الدنيا، إنما هو من يجعل لك حياة بعد الممات.
_ نظرت أنچين بجوارها لكنها لم تجد أحد، فلم تندهش كثيرًا فذلك الصوت الذي يهمس دائمًا لها بكل ما تريد معرفته، إعتادت عليه فهو مُلازم لها مُنذ طفولتها والآن أتمت الثلاثون من عمرها، فلا داعي للقلق.
كانت تجلس على منحدر في أطراف المدينة، كان الوقت مُتأخر للغاية فالليلة مظلمة قد غاب قمرها وأُطفئت أنوارها كليل الأعمى، لكن أنچين كانت تجلس ولا تخشى شيئًا حتى برودت الجو، فالريح قوية مُزمجرة والسماء ملبدة بالغيوم وهي مازالت جالسة لا تبالي بأي شيء، وكأنه كالحجارة التي تملأ المنحدر أو أشد صلابة منها.
تنهدت بوجعٍ وكأنها تحمل متاعب كونٍ بأكمله داخل قلبها، إتكأت على أحد الصخور مغمضة عينيها، مستسلمة للريح تلفح وجهها وكأنها تريد منها أن تعاقبها.. تعاقبها لكن على ماذا؟
تكلمت بصوتٍ يكاد يُسمع قائلة: -
_ لا أعلم من أنت، لكني أعلم أنك تسمعني الآن، فأحبتت أن أقول لك شيئًا ردًا مني على ما هزيت به للتو، كذبت حينما قُلت أن الحب يعيش إلى الأبد..
الحب مِنحة إلهية وكل شيء دونهُ عالم مُظلم، فعندما نُحب نجد أنفسنا نضحك دون سبب، تتحول قلوبنا إلى ساحة فرح، نتعلم كيف نحيا؟ نعيش على أمل بقائهُ إلى الأبد، لكن وبأنانية منهم ينتزعوا الحب من فؤادنا ويأخذوا معه الحياة، تقف قلوبنا عن النبض، تتركنا أرواحنا هائمين في الحياة بلا هدف، حينها نتيقن أنه لا فائدة من الحب غير الألم.
وهنا صرخت أنچين ودوت صرختها في الجبال فزع كل من سمع هذه الصرخة، فساكنة الجبل وشيطانته غاضبة، ويا ويل الجميع من غضبها سواء كان إنسيًا أو شيطان، هذه الليلة قد غاب صباحها، ومن يريد أن ينجو بحياته لحين بزوغ الشمس ليكتم أنفاسه ولا يخرج من مخدعه لحين إنتهاء هذه العاصفة.
ظلت أنچين تصرخ وعينها أصبحت كالجمر الملتهب قائلة: -
_ لم يكن فراقهم بهين، لكنه كان أمرًا مقضيًا لقد تأذينا منهم كثيرًا فكفى إلى هذا الحد، قد تحملنا آذاهم لنا بالقدر الذي لا قدر له، فما آذاينهم بقدر حبة رملٍ، لكنهم تفننوا في وجعنا، فكفى لهذا الحد، فكان فراقهم لذة.. نعم كان لذة لا يعلمها سوى أنا.. أنا من ذوقت مرارة قربهم والآن أتلذذ بفراقهم وعذابهم.
أطاحت بالصخرة التي كانت تتكأ عليها، فسقطت لأسفل مُحدثة ضجة دوى صدها في الوادي، ابتسمت بمرارة وألم وهي تنظر لأسفل، الآن جميعكم مثل هذا الصخرة دومية في يدي حينما أءخذ حاجتي منها ألقي بها إلى الهاوية، هكذا تعلمت منهم، كانوا يعتقدوا أنهم هم فقط من يملكوا مهارة الخداع ونسوا أننا كنا لهم تلاميذًا نسير على نهجهم، والآن صرت كالتلميذ الذي تفوق على مُعلمه.
لقد سَلبوا أرواحنا عنوة نُزعت من أجسادنا رغمًا عنا، لم نكن نريد أن نفارق ولكنهم أرغمونا على ذلك، عرفوا كيف يجعلوننا نتألم، تفننوا في إيذائنا بكل الأشكال، لم يرفقوا بنا كانوا كالحرباء يتلونون، أخذوا يتوددوا لنا وبعدما أعطينهم الثقة، طعنونا بخنجر تلم في ظهورنا، أذقونا مرارة الخذلان، لم يبالوا بوجعنا كل ما كان يشغل خاطرهم هو فقط النَيل منا، كانت كملاك برئ، أما الآن شيطانة لعينة، تطيح بكل من يقترب منها.
فقد كانت أنچين من فتيات المعبد اللتي كان يتمتعن بالحكمة والقوة والذكاء والأمانة كانت حاملة لصولاجان التسامح والحب وقد اختارها الكاهن الأعظم  كامو لهذه المهة العظيمة وحمل الصولاجان، لكن كان هناك من يحقد عليها والغريب في الأمر أنهم معلميها، كانوا جميعًا على أوتار الكذب عازفون، إتخذوا من الكذب حياة ومن النفاق طريقًا يسيرون عليه لنيل مطالبهم، لم يبالوا قط بالأخرين، حقًا لمَ سيهتموا بشأن أُناس قدموا فروض الولاء والطاعة استسلموا لأكاذيب هؤلاء الحمقة، قد كانوا كالسم يسري في الجسد، وهم يمتلكون تريق الحياة، لم يعبئوا بنا ولا بما نريد.
جلست مكانها وهي تتذكر كل ما فعلوها بها وببرءاتها، كم كانت جميلة، نقية، لا تُؤذِي، ولا تُؤذَى، لكنهم دنسوا برءاتها بعباءتهم السوداء وقلوبهم البغيضة الحاقدة، حاكوا المؤامرات ونشبوا الحروب لأخذ الصولاجان والسيطرة على جميع المملكة وبناء أخرى لا يوجد بها كهنة غيرهم، كانوا ليردوا أن يتخلصوا منها كما فعلوا بالكاهن الأعظم كامو وألقوا به من على ذاك المنحدر التي تقف عليه، كانت لتلقي مصيره، لولا القدر...
ظلت تبكي لأنها لم تنل شيئًا وكل شيء نال منها، لم يكن بيديها ما تفعله، لم تكن لتتحمل كل هذا الأوجاع بمفردها موت الكاهن الأعظم أمام عينيها وحرق عائلتها وهم أحياء وسلب برءاتها وتشتيت من في البلدة كل هذا من أجل الجاه والسلطة، كان بكثير عليها كانت الحياة قاسية.. قاسية على فتاة مثلها، تحولت من فتاة تتفتح الأزهار لضحكتها إلى امرأة أصبح يكسو الوجع وجهها، ذُبلت ملامحها لم تعد كما كانت قد أرقها الثبات الزائف؛ لتدعها الحياة وشأنها لعلها تنعم ولو بقليلٍ من الراحة بعيدًا عن كل تلك المطامع، كانت لترحل من هنا، لكن كيف يدعونها قبل أن يجعلوها مثلهم بل أسوأ منهم، حطموا جميع أحلامها زرعوا في قلبها كرهًا لو فاض سيكفي العالم بأكمله. 
سمعت ذلك الهمس مرة أخر قائلًا لها: -
_ فلتهدأ شيطانة الجبال، الجميع الآن يكاد يموتوا خوفًا رغم أنكِ ساكنة الجبل، لكنك غضبك يدوي في الأنحاء، فالصغار يلزمون فراشهم بخوف، والكبار مرعبون أكثر منهم، والطيور والحيوانات تكاد تموت زعرًا، خاشين أن يكونوا هم ضحيتك هذه الليلة.
_ ضحكت أنچين بانتصار وهي تعرف حق المعرفة أن ما يقوله هذا الهمس بصحيح، فالجميع يخشى أن يكون ضحية شيطانة الجبل هذه الليلة.
سيكون هناك ضحايا.. الكثير والكثير منهم، لكن ليس من ساكني الوادي، بل من ساكني المعابد والقلاع المحصنة، الذين جعلوا منها شيطانة بعد أن كانت كاهنة التسامح والحب، من سلبوا منها صدقها وحبها، وألقوا عليها بتعاويذ السحر والجان ليجعلوا منها وحشًا يهابه الجميع، لتسقط من نظرهم وتصبح وحشًا ليس إلا وحشًا، لكنهم ما كان ليعلموا أن السحر سينقلب على الساحر وأنها ستصبح من أقوى شياطين الجبال، وستتخذ منه مقبرة لهؤلاء الذين ظنوا أنهم نجوا بما فعلوه وتخلصوا منها، فكم هم أغبياء!
هذه المرة لم تعد المحاولات تجدي نفعًا فلا أحدًا يستطيع ردعها عما نوت عليه، قد توهموا أنهم انتصروا بما فعلوه بها، لكن الليلة حُسم الأمر، وتُوج الانتقام مالك على القلب، ورُحب بالظلام إمبراطور هذه الليلة.
قالت أنچين بصوت لو سمعه بشر لمات رعبًا: -
_لقد ظُلمت بشكلٍ لا يستطيع فيه أحدًا مواساتي، فلن يستطيع أحدًا ردعي فالآن وفي هذه الليلة أتممت الثلاثين وحان الوقت لأخذ انتقامي، لم يكن الأمر عليَّ بهين طوال تلك السنوات، قد دُرمت و دُمر عالمي بأكمله وانتظرت اليوم كثيرًا فأنا الآن بكامل قوتي والجحيم مُسخر لدي فهم من جعلوا مني شيطانة بالإجبار، ليجنوا الآن ثمار ما زرعوا، قد نُقد العهد مُنذ زمن والآن فُتحت أبواب جهنم على مصراعيه، من يظن أن البشر مختلفون، وأنه يوجد بينهم ملائكة فهذه مجرد أقنعة، لا يوجد ملائكة في عالم البشر، لكن الشياطين مرحبة بها عندهم وهم من أحضروها بأيديهم، سأكون واحدة منهم، ومن كان يومًا سببًا في إيذائي، سيدخل جحيمي، فلن يبزغ الصباح عليهم، ولا ليلًا سيهمس مرة أُخر، فالليلة هي أول ليالي الانتقام، وسيهابها الضياء من هول ما سيحدث بها.
وقفت على حافت المنحدر بشموخ طرقت بيديها على أحد الصخور بعد دقائق ظهر في الآفاق تنين ضخم، من ينظر إليه يسقط من هول ما يراه، نزل التنين ناظرًا إلى أنچين وكأنه يقول لها شيئًا، فحدثته قائلة: -
_نعم يا «أيسون» هذه هي الليلة.
إعتلته، قائلة: -
_ الليلة ستكون حفلة شواء جماعية، المدينة مُظلمة لكن بعد قليل ستنير بذلك اللهب الذي سيخرج من أجساد أولئك وهم يحترقون، فهذه الليلة قُص جناحها، وضل صباحها.

تمت بحمدالله
مستنية رأيكم

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 04, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

شيطانة بالإجبارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن