حل الصباح ثقيلاً جداً ، الرياح قوية تهز كل ما ترتطم به أوقظت جميع أهل القرية .
استيقظ دوري على صفير الرياح وهي تهوي على نافذة غرفته ، نظر إلى السماء فوجد أن الرياح تلف وتدور وتتجمع خلف الغيوم وكأن أحداً ما يسحبها من هناك ، أجفل دوري مما رأت عيناه وذهب مسرعاً ليرى ما يحدث ، أخذ بندقيته وخرج قاصداً الحقل ظناً منه أن سراباً من الطيور جاء يهاجم حقله وينهش في حبات القطن ، لكن ما إن خرج حتى وجد أن زئير الرياح كان قوياً وغريباً و قد أخرج الجميع من بيوتهم وأعينهم معلقة في السماء ، الرياح تشتد وتتجمع في نقطة واحدة مشكلة دوامة حول نفسها تلاه صوت رعد قد أجفل كل من سمعه ثم انشقت السماء وتمزقت محدثة فجوة سوداء قاتمة ذي نقطة بيضاء في المنتصف فدخلت الرياح داخلها بلهفة في مشهد يعجز الخيال بأفكاره أن يفسر ما يحدث ، ثم خرج منها مخلوق غريب قد أرعب كل المخلوقات التي رأته والتي لم تره بمنظره المخيف ذو جسد بشري القوام لكن ضخم البنية تغطيه طاقة حمراء قاتمة ، ويكسوه شيء شببيه بالدرع أحمر قاتم اللون ذي حواف صفراء هل هو درع يرتديه أم هو قطعة من جسده لا ندري ، يتوسط صدره رمز غريب لعلامة برق تلفها ورقة شجر يتداخلان ببعضهما ، ورأسه رأس بشري يشع لهباً لا ترى من ملامحه شيء سوى عينيه التي طغا عليها البياض ، واستقر شعاعين خلف ظهره يشبهان الأجنحة ، وما إن خطت قدميه على الارض حتى تشكلت هالة حمراء مخيفه حوله تتصاعد فيها نقط بيضاء تنتشر ثم تمتص داخل جسده .
اتسعت أعين الجميع وهم ينظرون لهذا الشيء معقدين اللسان ، فارهي الأفواه ، نظر المخلوق يميناً ثم يساراً حتى استقر بصره على بيت دوري ، صرخ دوري وقلبه يرجف يلوح ببندقيته في فزع ورهبة :"من أنت يا هذا وماذا تريد من قريتنا . "
لم يحرك الوحش ساكنا عندها رأى أحد رجال القرية شجيرة قطن قد غطتها الهالة الحمراء ومان إن دخلت حتى جفت تماماً وأصبحت غباراً يتلاشى في الهواء كورقة يابسة فنادى الرجل غاضباً :
"أيها الناس انتبهوا إنه يدمر أرزاقكم إنه يفسد حقول القطن ."
جن جنون الجميع وذهب كل واحد منهم إلى بيته وعاد بقطعة سلاح من منجل وعيدان حتى المسدسات والبنادق ، استيقظ رينو بهلع على أصوات الناس وهي تزمجر هنا وهناك ، ران على قلبه بعض الخوف فذهب الى غرفة والديه ليحتمي ، فتح باب الغرفة رويداً لكنه يجد أباه فركض إلى أمه وبدأ يهزها بقلق شديد لتستيقظ قائلاً :
"استيقظي يا أمي هيا بسرعة ."
نظرت لمدا إليه وهي تحك عينيها التي لم تفق بعد وقالت :
"مابك يا بني صوتك قد سد أذني . "
إن أبي ليس هنا وأصوات الناس تعلو في الخارج اسمعي .
"أجفلت لمدا من الكلمات التي اخترقت أذنها ونهضت بفزع وهي تصيح :
"دوري !! "
ثم اتجهت نحو النافذة لترى مالذي يجري ماذا هناك ، فأصابتها الدهشة و الجمود من المشهد الذي رسم أمام عينيها ، نساء ، أطفال، كلهم مجتمعين في مكان واحد أمام شيء غريب وكلهم مختبئين خلف رجالهم يحتمون بظهورهم عندها عاد رينو إلى أمه بعد ما بحث في أرجاء البيت فقال :
"لم أجد أبي في البيت يا أمي يبدو أنه قد خرج ."
ثم صمت برهة وبعدها أردف :
"أمي؟ مالذي تنظرين إليه ."
فتقدم هو الآخر إلى النافذة وعندما رأى الوحش أيضاً أجفل وقال بفزع :
"يا إلهي ماهذا الشيء والأعجب أني أشعر بأنه ينظر إلينا يجب أن نخرج نحن أيضاً هيا يا أمي بسرعة ."
غطت رأسها بوشاح فضي وأمسكت يد ابنها وانطلقا إلى الخارج لعلهم يجدان أحداً يشرح لهم هذه الطلاسم التي غزت أدمغتهم ، لاح نظر دوري إلى بيته فرأى لمدا ورينو يهرولان نحوه فرفع يده للأعلى كإشارة على مكانه فاستطاع رينو معرفة تلك اليد فقال لأمه وهو يلهث:
"إنها يد أبي يا أمي إنه هناك هيا لنسرع . "
وماإن وصلا حتى صرخ دوري بوجههم:
"أيها الحمقى مالذي حرك ساقيكم إلى هنا ألاترون هذا الشيء القبيح هناك ."
قال رينو وهو ينظر بتمعن للمخلوق :
"ولكن يا أبي كيف سنبقى ساكنين وهذا الشي ينظر إلينا من أين أتى أصلاً الى هنا. "
"وكيف لي أن أعرف يا بني فأنا مثلك أظن أنني في حلم ثقيل . "
أشار بإصبعه إلى السماء ثم أردف :
"كل ما رأيته هو شق في السماء خرج منه هذا الشيء انظر .....ماذا؟ ماذا حل بالسماء . "
بدأ يتلفت يميناً ويساراً ثم قال :
"لقد اختفى أقسم أنني رأيت شقاً أسوداً في السماء . "
"مممم إن هذا صعب التصديق يا أبي ولكن الذي أمامنا خير دليل على أن المشهد عجب في عجب ."
صرخ أحدهم بنبرة تهديد :
"هيا أخرج وإلا قتلناك الآن أيها الوحش تريد تخريب أرزاقنا بعد جفت عروق جبيننا ونحن نزرعها هيا أخرج. "
أدار الوحش رأسه ونظر إليهم في صمت مخيف ثم استدار وراح يمشي باتجاه بيت دوري .
تأجج بعض الرجال بغضب يحركهم الغضب وربطو جأشهم وهاجموا المخلوق بأسلحتهم البسيطة وصوت صراخم لاح صداه في الأجواء ولكن لجهلهم كانت تلك الغلطة التي سلبت حياتهم ، فما إن دخلو هالة الوحش حتى امتصت طاقة اجسداهم شيئاً فشيئاً وخرجت منها نقاط بيضاء يتغذى عليها الوحش ثم تيبست أجسادهم واغمق لونها إلى بني قاتم ولم يتبقى منهم شيء سوى ملامحهم التي استنجدو بها لكن دون فائدة فأصبحوا كجذع شجرة جاف مرمي على الارض لم يكونوا أفضل من شجيرة القطن تلك ، نظر الوحش إليهم نظرة استصغار ثم حرك قدمه وهش تلك الاجساد المتخشبة لتفتت ويتلاشى غبارها في الأجواء ثم عاد يكمل سيره أمام مرأى الجميع التي تجمدت قلوبهم وتخشبت افواههم وتوسعت اعينهم من هول ما حدث . سكن المكان صمت ثقيل تلاه هلع وفزع وصراخ ، هرول الجميع وهربوا بأسرع ما تستطيع أرجلهم الركض حتى تلامس كعب قدمهم ظهورهم من شدة الركض خائفين . رجال تزلزل الأرض من هبد أرجلهم ، نساء دموعها تتناثر هنا وهناك ،أطفال منهم من هرب ومنهم من تركو في الخلف ، والصراخ قد عبق المكان حتى أيقظ الاشجار فبدأت تهتز هي الأخرى .

أنت تقرأ
لعنة التناقض
Bilim Kurguلا يمكن جمع الشيء ونقيضه في مكان واحد ... لكن ماذا لو اجتمعا؟؟ النتيجة ستكون مخلوق كونتراست ......