-04-

25 3 2
                                    

و قد تبقيك ذكريات الماضي حبيسًا احمقًا لوهمٍ دافئ
__________________

تجهزت كعادتها للذهاب له رغم توترها و تساؤلاتها اللانهائية عما يفكر هو به، مر اسبوع بالفعل على مخاطرتها تلك.. لكن الأمور تمشي بسلام حتى الآن.
خرجت مسرعة قليلاً من شقتها الصغيرة ذات النافذة المطلة على الشاطئ و هي تغلق سحاب معطف الفرو الأبيض خاصتها بعجلة إثر اشتياقها الهائل له.
مشت بحذر عبر الأزقة الضيقة المشبوهة متفادية بعض الجماعات الغريبة بكل جراءة و قتل البعض الذين حاولوا اللحاق بها.
تنهدت و نفضت معطفها و فستانها من بعض الغبار و اكملت مشيها نحو الحانة براحة بعد انتهاء الجزء الاصعب من الطريق، و اخيرا استقبلها المبنى ذو الابعاد و التصميم المميز لكن.. شيء ما كان يبدو خاطئ..
همست لنفسها باستغراب و عيناها تحدق بلافتة الحانة المقفلة 'الم ياتي بعد؟..'
تفقدت النوافذ بالكاد فقد كان الزجاج مغطى بشيءٍ من الداخل و الابواب موصدة باحكام، قلقت و كادت ان تتصل عليه لولا خوفها من ازعاجه و انها تضخم الموضوع و حسب..
وجدت مكان جيد للجلوس في الخارج و بدأت في انتظار عشيقها، لكن مرت ساعات بالفعل..
بدأت تتسلل تلك الافكار الاكثر سمية من صاحبتها لها مسببة لها الضيق بشكل مفاجئ، هل يعقل انه خدعها و تركها؟
هل يعقل بانه لم يكن سوى وغد قذر لعب بجسدها و نفسها و الان فر هاربًا منها لمعرفته عن هويتها الحقيقية؟
سئمت من الإختناق الغبي و اخرجت هاتفها لتقطع الشك باليقين و تتصل عليه.
'لما لا يرد..؟'
ايمانها بدأ بالتزعزع بشكل سريع و انفاسها تتضرب..
لكن صوت ما من اعماق كيانها اتى لمواساتها بلطف عن كونه ليس ذلك النوع و انها بنفسها تعرف ذلك جيدًا.
في النهاية ليس و كأنها تعرف كل شيء عنه بالفعل..

حاولت عدم الإستسلام..
رغم مرور ثواني على عدم اجابته الا ان عدد الافكار و التساؤلات في رأسها قد وصلت للآلاف، إلا انها بقت متمسكه بيأس بمواسات مشاعرها لاول مرة..
لكن فجاه اخرجها من ظلمه قتالها مع نفسها صوت مألوف.. لكن ليس المنشود..
- "كنتي هنا اذن؟ مكان غريب.."
- "نعم.."
- "اليست الحانات تفتح في الليل و حسب ؟"
- "إلا هذه.."
ألتفت فتى بمظهر فريد اثر لون شعره الابيض و معطفه الاسود السميك للغايه و انفه المحمر قليلاً نحوها و جلس بجانبها.
- "هل تريدين البقاء قليلاً هنا؟"
- "لا.. اعلم.."
- "ايمكنك اخباري على الاقل هل الامر يستحق لتصبح عينك بهذا البهوت؟"
- "لطالما كانت هكذا ايها الاحمق"
- "على الاقل ليس لهذه الدرجة"
"..." -
- "اختي.."
وقفت بصمت و قد اعتلت تلك التعابير الجدية الباردة وجهها رغم زيفها، مطلقة كلمات اكثر زيف حتى.
- "علي عدم تضييع الوقت اذن، ماذا لديك؟"
- "مهمات إستطلاع و قمع شغب"
- "ارسل التفاصيل لهاتفي اثناء طريقنا"
ليذهب الاثنان بين الازقة للخروج للشارع الرئيسي من الجهة الاخرى لركوب تلك السيارة السوداء الفارهة.
اتكئ على جانبه الايسر مطالعا تلك الغيوم المنتشرة و السماء شبيهة اللون بشعرهِ بصمت، لطالما كانت هي هكذا.. تبقي تلك المشاعر المضطربة في جوفها حتى اضحت مستنقعًا غليظ داكن بمجرد رؤيته تعرف بالفعل بأنك ستبقى عالقًا فيها لإستنشاقك يأسها مثقلاً برئتيك و قلبك و أطرافك و إنعاس عيونك لنوم أبدي.
رغم طبيعة تعابيرها الجليدية القارسة إلا أن عينيها احيانًا تفشل بإحتمال المزيد فتسرب بعضًا من اسآها عن طريق لمعة بسيطة فيها لأجزاء صغيرة من الدهر أو بهوت أبهر من المعتاد يصيبها. و كأن يأس العالم بأجمعه مختبئ خلف جلدها و لحمها و عظامها متخذًا روحها رهينة ابدية له.
انه يعرف تقريبا ما يجري لكنه يفضل عدم التدخل كثيرا لعدم اكتشافه له و تدخله في خصوصياتها بالإضافة انه يعلم بأنها لن تنبس بأدنى حرف.. لانهما متشابهان بشدة فهو يعرف ذلك.. لكن..-
"لنقسم المهام"
قاطعت سيل تفكيرهِ الفلسفي بهدوء لعيرها انصاته و يعدل جلسته.
"هل اهتم بامر الإستطلاع؟"
"مبنى الهدف يملك نظام تدفئة ممتاز لذا نعم، عليك ألا تمرض"
"حسنًا اذن.."
ارخت جسدها ببطئ و ارجعت عينيها نحو النافذة و
تتفقد هاتفها الشخصي من حين لأخر بخلسة و كل مرة ترميها في خيبة أمل أكبر من التي سبقتها.
"وصلنا"
نهض كلامها مغادرًا المركبة السوداء التي سارعت بالإختفاء لينفصلا و يتخذ كلاهما طريقه لإكمال مهمته.
شقت طريقها نحو مجمع سكني ضخم مهجور هادئ بشكل خادع لتستمر بالمضي قدمًا أكثر و أكثر لتصل لساحة واسعة بالمنتصف و قد تحطمت أجزاء من السقف فوقه ليدخل الضوء بشكل مثير للإعجاب من خلال التشققات و الفتحات.
"كيف عرفتم اني قادمة؟"
تجمد الجميع في أماكنهم المتفرقة مختبئين ليقوموا بهجوم عنيف عليها إلا واحدًا كان مصابًا بالهلع إثر رؤيته لأجساد زملائه تتحول لتماثيل جليدية نقية شفافة قليلًا تغلفها اقمشة سوداء، لتقددم نحوه ببطئ و تأمره بان يستدير و يرفع يديه للهواء لتفتشه بهدوء و تخرج كل ما بجيوبه.
"لا شيء.. حسنًا يمكنك إرخاء يديك"
"..؟"
"إفعل لي معروف و افرغ جيوب زملائك و اجلبهم لي"
شعر باستحقار شديد إثر أمرها الهادئ له و كأنه أحد خدمها إلا أن تلك الهالة المنبعثة منها لم تعطيه أدنى فرصة.
فتشت الأغراض اللتي وصلت لها و حصلت على مرادها و استدارت مغادرة المكان ببساطة للمنطقة التالية، حينها توقفت لبرهة للتابع المشي نحو زاويه صغيرة و تنهار على الجدار..
__________________

22.08.20

إلى جانب المحيط | Along With The Oceanحيث تعيش القصص. اكتشف الآن