-06-

19 3 1
                                    

وكيف يكون شعور شخص اتخذ الموت امنيته المطلقة و قد تحققت؟
____________

مرت ثلاث أيام و طيفها لازال يحوم حول النوافذ المهجورة. غمرها رعب نسيان صوته ببطئ..
علقت بروتين اشبه بحلقه زمنية تعاد كل يوم، و صوت حبات الرمل السوداء الساقطة اشبه بصوت قطرات السم و هو يقطر على قلبها، لا علامات، لا رسالة، لا أدنى اثر حتى و كأنه تبخر من العالم و هي الوحيده التي تحمل ذكراه.
لم ترحمها الثواني البطيئة بل و انهكتها في الإنتظار بعنف، و هاهي تحوم للمرة السابعة تترقب النوافذ بعجلة، كومة الثلج ذاتها استقبلتها كما هو معتاد مغطية على آثاره أكثر..
- "بقت ساعة"
- "اعلم.."
- "لا يبدو اني سأحصل على مرادي.. بل سأحصل على صفقة اكثر مخاطرة؟"
حركت الكرسي لتجلس امامها على طاولة الشاي بصمت و الأمل الذي إستجمعته عاد ممزقًا كما هي العادة.
- "اهناك دليل؟"
- "دليل؟.."
- "دليل على أنه كما ترينه.."
- "ل-لا.."
- "إذن؟ أنتي تعرفين أني افعل هذا لمصلحتك"
- "لكني اشعر.."
- "تشعرين.. لهذه الدرجه تثقين بشعورك و حدسك؟"
- "نعم.."
- "اذن إبقي و انتظري"
- "؟.."
- "لا تلوميني على ما قد سيحدث"
- "هاه؟.."
- "هذه الغبية.. اقصد اني امنحك فرصة اخرى"
- "ل-لما؟"
- "لا تسألي عن السبب و اذهبي بسرعة قبل تغير رأيي"
تبادلت كلاهما النظرات لكن بعناوين مختلفة، سواء كانت هذه هي نزوة او شفقهة منها فعليها إستغلالها..
حتى و ان كان الإنتظار الى امد الدهر فهي ستنتظر..

امست خطاها تتخذ مجرى فوضوي و قد اعلن شموخ القمر في السماء عن ذروة الليل، حيث اغلقت الجفون كما هي ستائر الشقق المتراكمة فوق بعضها البعض، كانت هي لا تزال امام الباب واقفة بصمت عميق كما اصبح عمق مستنقع مشاعرها، كل ما بقي لديها هو حدسها و الثقة به، اخرجت هاتفها لتنظر لتقلب الأرقام في الساعة مصرحة عن بداية يوم اخر.
يوم، يومان، ثلاث، اربع، اسبوع، اسبوعان، ثلاث اسابيع، و الآن شهر.
و قد اتم القمر دورته الكاملة، حان الوقت لتخرج هي بروحها الشبه متهالكة للحانة لكن.. عليها ان تقاوم..
مع مرور الوقت خلال دورة القمر امست تشعر بالبرد.
و لأول مرة منذ ولادتها كانت تتغطى تحت الملائات بشدة محاولة تخفيف تجمد اطرافها، هل كان الشتاء بهذه البرودة من قبل؟
تقدمت بترنح واضح من جوف الأزقة المظلمة ليستقبلها ضوء ما.
لحظة.. ضوء؟
كانت الحانة مفتوحة؟..
و كأنما استحضر الشتاء في قلبها فقد عصفت عاصفة التساؤلات بمشاعرها بدون ادنى رحمة و هي تقترب اكثر و اكثر..
امسكت مقبض الباب مقبلة على دفعه لكن حينها شعرت بالزمن يتباطئ..
هل تدخل؟
هل ستراه بالداخل؟
هل سينكر معرفته بها و يعاملها كالغريبة؟
هل سيسخر من مشاعرها؟
هل كان يكذب بحبه لها؟
بقيت لعدة دقائق متجمدة على نفس الوضعية لكن.. يدها تحركت بلا وعي منها دافعةً للباب..
وقفت امامه بصمت.. بل الدموع المتجمعة على اطراف جفونها كانت تصرخ بجنون بكل شيء..
الحانة كانت فارغة بشكل متعمد واضح.. هل تعمد ذلك لأجلها؟ لأجل اذلالها؟ لأجل احتضانها؟ لأجل ماذا بالتحديد؟
صحت من افكارها و قد ادركت انها تغوص في أحضانه بالفعل.. اذن كان الخيار الثالث؟.. لما؟..
لكن من يهتم للسبب الآن.. من يهتم لأي شيء؟ انها متعبة للغاية و اسلمت امرها لمجرى سيل مشاعرها لتبدأ دموعها بإكتشاف سييلها نزولًا من وجنتيها مبللة قميصه.
ذراعيه اضحت اشبه بقفص ضيق على جسدها معطيًا إجابة مرضية عن اكثر اسألتها صخبًا و أطرافها المتجمدة تغمر بالدفئ الآن.
حملها بعد ثوان لداخل المخزن حيث تلك الاريكة المألو ليضعها في حضنه و يكمل احتضانها بكل قوته و كأنه يخشى طيرانها منه.
هي الأخرى بادلته الإحتضان بأقصى ما تستطيع ذراعيها النحيلتين و اصابعها الصغيرة التشبث بقميصه الأسود المعتاد..
كادت أن تنفجر عليه بكل شيء لولا صوته المترجف وهو يعتذر لها.. لكنها لازلت ستعاقبه..
- "لا بأس.. افرغي كل شيء.. انا أستحق ذلك.."
'نعم انت تستحق ذلك' لم تستطع قولها بسبب شهقاتها و دموعها التي تملئ وجهها بالكامل لتبدأ بضرب صدره بشكل يائس عاجز و فاقد للطاقة.. كان ذلك الشهر جحيمًا عسيرًا عليها بلا شك..
هو يعرف هذا جيدًا جدًا لذا رغم إرتجاف صوته بسبب دموعه لم يتوقف عن الإعتذار و احتضانها كما لو كانت ستكون آخر مره. مرت الثواني بدون ان يدركا أنها اضحت ساعتين بالفعل، و هاهو الفيضان ينتهي ليحين وقت الأجوبة المنتظرة على أحر من الجمر.
رفعت رأسها لتنظر لوجهه.. لا هو اخطأ، عليها ان تكون صارمة ولا تسمح لنفسها بأن تتعاطف مع بقايا الدموع و الشهقات المكتومة.
- "اي-"
- "العمل.. اعرف أنك من المافيا و نفس الشيء لي، سأشرح الامر ببساطة : انه نظام عملي كجاسوس حيث اعمل لشهر بشكل مكثف ثم احصل الشهر التالي على إجازة و لعلمك اغمى علي بالفعل مرات كثيرة و لم أكل أو أنم جيدًا.."
- "لن أتعاطف معك"
- "نعم.. لا تفعلي عزيزتي.."
- "و كجاسوس كان عليك الإختفاء بهذا الشكل؟ حتى انا نفسي شكيت ان كنت موجود حقًا.."
- "آسف للغاية.."
صوته كان و تعابيره كانتا تفيض بالندم و الحزن و كذلك الإشتياق..
- "لشهر كامل كنت انتظرك امام باب الحانة.."
- "ا-"
- "لشهر كامل كان علي محاربة نفسي بنفسي لأبقي ثقتي بك.."
- "اس-"
- "إن كنت انا أي فتاة اخرى لكنت تخليت عنك و كرهتك بكل ما املكه في حياتي اللعينة هذه.."
- "نعم و انا آسف.."
- "ستبقى هكذا دائمًا؟.."
- "و هنا المشكلة الأخرى اتعرفين من أي مافيا انا؟"
- "؟.."
- "المطار.."
- "..ا-المطار؟؟"
- "و نعم بشكل اخر نحن -اعداء-"
- "..إذن؟"
- "يوجد حل وحيد.."
ارخت رأسها للأسفل رغم أنها متألمة بشدة لكن..
كان عليها قولها لأجله و لأجلها في النهاية من المفترض أنهما اعداء..
- "اذن علينا الإنفص-"
- "آه نعم اخبر العجوز اللعين الأصلع اني استقيل"
- "؟؟؟؟؟"
رفعت رأسها بصدمة شديدة، متى اخرج هاتفه و اتصل؟
رمى الهاتف على الجدار بعنف ليتكسر لأجزاء مختلفة الأحجام.
- "آه نعم عزيزتي ماذا كنتي ستقولي؟"
- "ماذ-"
- "صحيح قبل ذلك علينا مسح دموعك.. هل اخرجتي كل شيء الأن؟ ايوجد أي شي متبقي؟ هل علي إبكائك لأتاكد أنك افرغتي كل شيء؟"
"...." -
- "هيا ابكي عزيزتي عليك ألا تبقي اي شيء بداخل قلبك  في الداخل هذا ليس جيد لك.."
- "من يقول لحبيبته ابكي هكذا بعد غيابه عنها بشهر؟؟"
- "..آ-آسف اردت ألا تكبحي اي شيء بحجة أن صوتك و شكلك يبدو قبيح عندما تبكين.."
- "..انا عاجزة عن الكلام"
- "انتظري قليلًا.."
وضعها على الأريكة بحرص شديد ليعود و معه بعض المناديل الناعمة و يضعها عند انفها.
- "هيا انفخي"
- "..و كأنني سأفعل هذا امامك؟؟"
- "إفعلي و حسب؟؟"
- "لا؟ هذا محرج؟"
امسكت المنديل من يده بعنف و نهضت لأبعد نقطة في المخزن لتمسح انفها و تتخلص من المنديل تمامًا.
- "انفك محمر.."
- "ليس من شأنك!"
- "أول مرة ارى فيها قطة انفها محمر.. لا- أول مره ارى فيها قطة تبكي هكذا، هل تبكي القطط بالأصل؟"
- "الزرافة الملعون هذا.."
- "زرافة؟؟ الا تشعرين ان هذا قاسي قليلا؟ ماذا عن مشاعري؟"
- "مشاعرك هاه... مشاعرك اللعينه هذه سنرى كيف تشعر و انا أقطع هذه السيقان الغبية!"
- "ساقاي سيتم قطعها من قطة قصيرة.."
- "اقسم بأني.."
لم يستطع الإحتمال اكثر و انفجر في الضحك بشكل هستيري وهو يمسك مكان قلبه و بطنه و يتابع الضحك. لكن شيء لم يدركه.. هو نظراتها له المتفاجئة من ضحكاته، هي فعلًا خافت نسيان صوته و ضحكاته بشدة.. اقتربت نحوه و احتضنته بهدوء و هي تبتسم ليحتضنها بقوه شديدة..
- "اشتقت ل-"
قوطع بشكل غادر بسبب لكمة مبرحة على معدته..
- "اظننت انك ستنجو؟"
- "ا-انا متعب للغاية اشعر باني سأنهار في اي لحظة.."
- "انا ايضًا؟؟؟"
- "اذن لننهار معًا.."
- "..احمق"
- "انهار ام بحار.."
- "جنيت على نفسك.."
- "اقسم أني امزح اقسم لك!!"
و في النهاية استلقيا معًا على الأريكة محتضنين بعضهما البعض و فاقدين للطاقة، و اخيرًا نوم هنيئ..

'شعرين.. اهو الحظ ام أن شعورك اصاب هذه المرة؟'
نظرت بحدة لتلك الهالة الخفيفة المخفية و هي تفكر، هل هذا شعور ايضًا؟
'لا اعتقد..'

_______________

22.08.26

لا بس بالاخير قلت خليني اغير من جو الكآبه ذا و اطلع حقيقه سوشكي.
هذا مجرد فلاش باك لبدايه علاقتهم.

إلى جانب المحيط | Along With The Oceanحيث تعيش القصص. اكتشف الآن