هروب سريع

12 2 0
                                    

كان رينو يلاحق أباه وهو يجري أمامه خوفاً من أن يتوه بين الناس لوحده فقد أضاع أمه بين الزحام فقال وهو يلهث من التعب:

"يا إلهي لاتذهب يا أبي أرجوك فأمي قد تاهت بين الناس وميدو قد.......... ميدو ! ياللمصيبة لقد ظل نائما في البيت . "

ثم راح يصرخ منادياً أباه راجياً بأن يسمعه :

"أبيييي...أبي إن ميدو مازال في البيت أبي هل   تسمعني "

لكن عبثاً فصوته لم يستطع المرور بين صيحات الناس المتلاحمة مع بعضها فبدأ يفكر ويكلم نفسه بخوف :

"مالذي سأفعله الآن هل  أتركه وأنجو بنفسي أم أعود ربما إن جريت بسرعة استطيع أن آخذه قبل أن يصل إليه الوحش الشرير ماذا أفعل ماذا أفعل تباً لهذا الموقف الذي وضعت نفسي فيه ."

ثم وقف واستدار يدفع الناس عائداً إلى قريته وهو يقول :
"لم تسول لي نفسي الهرب لوحدي انتظر يا أخي الصغير أنا قادم."

وبعد جري مهلك وصل رينو أخيراً إلى القرية مقطوع الأنفاس ، استبق النظر فوجد الوحش يمشي ببطء وروية وقد اقترب من بيتهم كثيراً  فأقنع نفسه أنه يستطيع فعلها  فهم راكضاً وأخذ بندقية كانت مرمية على الأرض مع أنه لا يستطيع الإطلاق منها لكنه فضل حملها على أن يواجه الوحش عاري اليدين واتجه نحو الوحش بقلب من حديد وجرأة صلبة ودون ان يرف له جفن .
وصل الوحش إلى بيت دوري توقف برهة يمحلق في البيت أو هكذا بدا لنا ذلك فهو من غير ملامح، أغلق هالته الغريبة وذهبت تنغمس داخله ثم رفع يده عالياً وضرب الباب فتحطم  وتهشمت مقدمة البيت وماإن هم بالدخول حتى التسع بدوي صراخ قادم نحوه وما إن التفت حتى تزحلق رينو وانحنى ودخل من بين قدميه ثم استدار وصوب البندقية على جبهة الوحش وأطلق فارتفعت البندقية ووقعت مع رينو على الأرض من عزم الطلقة وارتد  رأس الوحش إلى الخلف ووقف ثابتاً ثم نهض رينو  وركض مسرعاً إلى غرفة أخيه  ولكن الطلقة لم تؤثر في جسده الغريب ، فأعدل رأسه وعاد يسير متجهاً لغرفة ميدو .
وصل رينو  للغرفة يتلهف بشدة ، فتح الباب بقوة فرأى ميدو مازال يغط في نوم عميق فاطمأن قلبه لكن خطوات الوحش أرجفته من جديد ثم أتى الوحش وضرب  الباب فتحطم ثم دخل فصاح رينو:

"لن ادعك تقترب من أخي أيها الشرير ."

وبدأ يرمي كل ما تحط يده عليه من كراسي وألبسة حتى أحجار 《ميدو》 الملقاة على الأرض رماها لكن عبثاً  الشيء الوحيد الذي حدث هو أنه أثار غضب الوحش .
رمى رينو مزهرية بيضاء فارغة فأمسكها الوحش ونظر إليه وقذفها على الصغير الذي استدار هارباً من الفزع فأصابت ظهره فهشمته فجهز البندقية بسرعة وصوب اتجاه رأسه وأطلق فأصابت هذه المرة عينه وغاصت داخلها وانفجرت. صرخ الوحش صرخة مدوية وهو يضع يده على عينه عندها رمى رينو البندقية وذهب إلى ميدو مسرعاً وحمله بيديه و رماه من النافذة ثم خرج هو الآخر.
استيقظ ميدو أخيراً ووجد نفسه ممداً على الأرض ، نظر يميناً ثم يساراً فوجد رينو وقد كست سترته الدماء أجفل عندما رآه هكذا وقال بنبرة دهشة وانبهار :

"رينو؟"

أمسك رينو بيد أخيه وقال :

"لاوقت للهلع الآن هيا بسرعة ."

"اااانتظر إلى أين . "
قال ميدو بارتباك .

"إلى غابة الصنوبر . "

"الغابة المخيفة "

"مهما كانت مخيفة ستبقى أأمن  منه هيا بسرعة ."

"حسناً حسناً."

وراح يركضان قاصدين الغابة ، وفي الطريق لاح نظر ميدو على ظهر أخيه المبقع ولون الدماء يغمق شيئاً فشيئاً فقال  والحزن والخوف قد طغى على قلبه من قطع الزجاج التي غرست في ظهره المسكين  : 

"أخي قدماي بدأت تؤلمانني دعنا نتوقف قليلاً ..... أخي ألن تخبرني بمايحدث أو ماذا حدث لك ..... أخي ألا تشعر بالألم إنك تنزف ."

أدار رينو رأسه وقال :

"أحمد الله أن ظهري فقط من تأذى كان يمكن أن أفقد حياتي كلها  أعلم أن ظهري ملىء بالجروح ولكن لا أدري لماذا لا أشعر بألم حاد، لقد هاجم وحش غريب قريتنا ويبدو أنه قادم إليك فهلا أخبرتني عن ماذا حدث ."

انصدم ميدو مما سمع وقال بصوت يشوبه الرجفة:

"وحش!!  اااااا أنا لم أفعل شيئاً ثم كيف عرفت أنه يريدني ربما كان يريد شيئاً آخر . "

"لا فلقد وجدت في طريق عودتي أطفالاً تركو في الطريق من أهاليهم عندما هربنا  فلو كان الوحش يلاحق الأطفال لكان الأطفال الذين في الطريق أسهل إليه وأقرب لكنه لم يأتي و فضل القدوم لبيتنا قاصداً غرفتك بالتحديد إذا كنت تخفي شيئاً أخبرني به فلربما ينقذنا من هذا الموقف الحرج . "

"لا أعرف عما تتحدث عنه لكني لم أفعل أي شيء غير عادي ياإلهي من هذا الوحش هذا يعني أن الجميع قد غادروا القرية أليس كذلك. "

"أكثرنا قد هرب إنه يقتل كل من يقترب منه إنه خطير ومرعب ألم تفعل شيئاً له البارحة عند عودتك؟ "

كان يظن رينو أن أخاه يخبئ شيئاً ومن عظم ما فعل يخاف أن يبوح به فظل يكرر السؤال بغية سحب الكلام منه فمن غير البديهي أن يأتي إليه الوحش بالتحديد حينها قطع ميدو هذا الظن حينما اجاب بنبرة إنزعاج :

"ألازلت لا تصدقني وماذا يمكن أن أفعل برأيك هل  سرقت طعامه أم حدفت أطفاله بالحجارة أنا لم أره أصلا وجل معلوماتي  عنه هو ما تخبرني به الآن فقط كيف أثبت لك أني بريء ها. "

ارتاح رينو قليلاً ربما كان ظنه خاطئاً ربما الوحش يريد شيئاً آخر فقال :

"هذا مطمئن سامحني يا أخي لكن كنت أريد أن أتاكد فحسب لا أعرف هويته  هل هو بشر أم حيوان أو ربما ليس كلاهما لكن دعنا ندخل الآن إلى الغابة فحتى هو سيجد صعوبة في إيجادنا  في هذه الغابة الكثيفة  ثم نرى ما سيحدث ."

"حسناً كما تريد ."
وصل الطفلين إلى الغابة ووقفا عند حدودها وألقيا نظرة عميقة إليها ، كانت غابة ضخمة تحيطها أشجار الصنوبر الكبيرة والقاسية ولكن المثير هو ما يختبئ في جوفها  فبداخلها أشجار ونباتات من شتى الأنواع الضارة والنافعة   ويسكنها العديد من الحيوانات المفترسة الشرسة وبعض من الحيوانات النادرة الأخرى ولكن الأشد رهبة ودهشة هو ضخامة الغابة وسمكهافهي كالمتاهة الخضراء لاتدري مدخلها من مخرجها  وكأن الطبيعة بنت قلعة حصينة تحمي فيها أبنائها من بطش البشر لذا لا يدخل الغابة أحد إلا ندرة من المغامرين والصيادين المحترفين لأنك لو سقطت فيها فلن ينجيك أحد ، ربط الصغيرين جأشهما ودخلا والخوف يتبلس قدميهما ."

لعنة التناقضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن