مع بداية شهر أذار أدرك سام أنه أقترب من يوم مهم لم يحسب له حساب.
تذكر انه يفصله عن عيد الأم أيام قليلة، وهو لم يُحضر هدية لأمه ،ولم يفكر بذلك أصلاً، وحتى لم يملك أدنى فكرة عما يمكن أن يحضر لها، بعد طول تفكير وتفحص لأغراض المنزل ومراقبة أفعال أمه وكل شيء تحبه زادت حيرته عما يمكن ان يكون هدية لهذه الأم الرائعة، فهي دائماً ماتهديه أجملل الهدايا التي يتمناها ويحلم بها، فها هو الآن يرتدي أجمل قميص لديه هدايا أمه وحتى القلادة التي في رقبته ،ولم ينسى أحب قلم إلى قلبه الذي كان هدية عيده الماضي.
لم يفلح رأسه الصغير في إيجاد هدية مناسبة، لكنه وجد فكرة جيدة؛ سيستشير من ليه فكرة.
خرج من غرفته مسرعاً لغرفة أخيه فوجدها مغلقة، فتوجه تلقائياً إلى مكتب والده، دق الباب بهدوء ودفع الباب ببطئ ومد رأسه ليسأل والده الذي كان في الداخل يمسك بأحد الكتب الضخمة.
-سام بعفوية: هل يمكنني الدخول؟
- والده بلطف: بالطبع ياقلبي، تعال...
دخل بصمت وأقترب من والده ووقف أمامه ناظراً أليه ببراءة.
فرفعه وضعه أمامه على طاولة المكتب.
- أهلاً ياشريكي.
نظر سام لوالده وسأله:
- هل تستطيع مساعدتي بشيء؟
-آوف! سام يريد مساعدتي؟
تفضل بما يمكنني أن أساعدك؟
- أقترب عيد الأم، وأريد ان أستشيرك عن هدية مميزة تناسب أمي.
يضع والده يده على ذقنه ويبدو عليه التفكير.
- معك حق، هذا يحتاج لمساعدة، حتى أنا لم أحضر لها هدية حتى الأن، لكن بالنسبة إلك سأحكي لك عما أهديته لأمي عندا كنت بمثل عمرك.
- نعم يبدو هذا جيداً.
أقترب منه وأكمل:
- عندما كنت بعمرك، مررت بنفس الموقف وكنت قد صرفت مصروفس ولم أملك الكال ولم يخطر ببالي هدية مميزة ولم يكن حينها متبقياً سوى يومين، فأتتني فكرة جيدة أنقذتني.
- وماخي تلك الفكرة؟
- وقتها أحضرت قطعة خشب رقيقة وحفرت عليها شكل قلب، وحينها كنت أتعلم على الخط جيداً فكان خطيا مميزاً بالنسبة لعمري، فكتبت على تلك الخشبة( أمي نبع حنان لاينضب) بشكل مزخرف قدر المستطاع، وبعدها علمتها بالصمغ وبعد الصمغ رششت عليها بريق وأعددتها كهدية.
فتح الولد الصغير فاهه وتوسعت عيناه معجباً بهذه الفكرة.
- لابد أنها أعجبت جدتي كثيراً.
- نعم، أعجبتها كثيراً وأحبتها وهاهي الأن معلقة هنا للأن .
تذكر سام ذلك فنظر إليها بدهشة.
أقترب والده منه ووضع يديه على كتفي سام:
- أفعل أي شيء وضع فيه الحب وسيعجب من تهديه له، ستفرح أمك بأي شيء تقدمه لها مهما كان.
نزل سام عن طاولة المكتب وقال لوالده:
- سأذهب لأعد هديتي الخاصة قبل أن أتأخر.
وعندما وصل إلى الباب، أستدار وقال لوالده محزراً:
- لاتخبرها.
وضع والده أصبعه على شفتيه وأبتسم.
- أمرك لن أخبرها، وأنا سأفمر بهدية.
مضى سام لغرفته ووضع أمامه ماأستطاع جمعه ( ألوان- كرتون- أقلام ملونة-..)، لم يكن بباله شيء محدد.
حاول صنع هدية كهدية والده لكنه لم يفلح، فأبتعد عن الأغراض وعاد للتفكير.
أثناء ذلك قطع أفكاره دخول أخيه إليه.
- كيف حالك ياسام.
- أهلاً ياأخي، بخير.
وجده ملبوكاً ويضع أمامه الكثير من الأغراض، فدخل إليه.
- ماذا تفعل؟ ماكل هذه الأشياء؟
رد سام بعفوية وخجل:
- أحاول صنع هدية لأمي.
- رائع، وماذا ستصنع؟
- لم إجد فكرة بعد، ماذا ستهديها أنت؟
وضع عمار يده على رأسه وأبستم خجلاً.
- أعددت لها قصيدة وباقة ورد من حديقة منزلنا.
- حقاً! رائع، وهل القصيدة جميلة؟
- لا أعلم، أتمنى أن يعجبها.
- وأنت فكر بهدية قبل أن تتأخر.
يستدير عمار ويذهب لغرفته، وعاد سام لصمته ليكمل تفكيره.
- قصيدة؟ لكني لاأجيد الشعر.
شرد قليلاً، ثم توسعت عينيه وأبتسم لحد الضحك.
- وجدتها...
أمسك ورقة وقلم ةبدأ الكتابة، يكتب أقل من صفحة ثم ينزعها ويرميها، وبقي على ذلك المنوال حوالي التصف ساعة.
حتى وصل إلى كتابة صفحة كاملة، ليعود أخيه للدخول إليه مجدداً.
-ماذا ياسام؟ هل وجدت هدية مناسبة.
- نعم أعتقد أني وجدت شيئاً لا بأس به.
- وماهو؟
-قصة قصير عن أمي وحنانها.
يبتسم عمار أبتسامة لطيفة مشجعاً سام.
- أحسنت، فكرة رائعة، أبدأ بها.
ويخرج من الغرفة.
ويبقى سام بالداخل والفكرة تدور داخل رأسه.
وفجأة زالت علامات المرح والتسلية عن وجهه وأستُبدلت بعلامات الجد والتركيز، عصر أصابعه على قلمه وبدأ يكتب وكأنه ينحت على الورقة، كُتب على الورقة الأولى بخط كبير مزخرف وفي وسط الورقة ( عن حنان أمي).
أنتقل للصفحة الأخرى وبدأ يجر قلمه من سطر لأخر دون أن يهدأ أو يأخذ فاصلاً، ولكن وجهه يدل على أنه يعتصر دماغه بالتفكير، فقطب حاجبيه وزم شفتيه مركزاً على ماأمامه فقط، أنتهى من كتابة مايقارب أربع صفحات، وعدل جلسته وهو يمسك بالأوراق ليعيد التمعن بما كتب، أبتسم أبتسامة خفيفة تدل على رضاه بما أنجز، نهض لطاولته الصغيرة وأكمل تزيين الغلاف وغلف الهدية وجهزها.