الفصل العاشر
جلست في المكتبة تنظر للكتاب تحاول قراءة الكلمات المتراقصة امامها لكن الدموع كانت تشوش عليها الرؤية .. اتكأت على المنضدة بمرفقها وغطت فمها بيدها تمنع خروج شهقاتها المتقطعه .. كيف يفكر بها بتلك الطريقة ... ماذا يظنها أهي قليلة الأدب ام مستهترة تجري وراء الشباب وتفسح لهم المجال ليسمعوها الكلام المعسول ؟!!
كانت وسناء تنظر لها بحيره .. تتذكر كلمات فارس ترى لماذا كلمها بتلك الطريقة المتملكة .. افياء لم تتطرق ابدا لنوع العلاقة التي تربطهما وعندما تسألها تخبرها انهما مجرد زميلين .. لكن لا ما فعله لايدل على زماله انه يحبها ويغار عليها ... يالك من ماكره يا افياء كل هذه المشاعر الجياشة ولا تخبريني شيئاً ؟!
همست وسناء قرب أذنها بفضول
- ماالذي يجري افياء ؟!
لم تنطق افياء بحرف لتكمل وسناء وهي مقطبه
- لا تظنيني بلهاء ولم انتبه لما بينكما لقد اخبرتك مسبقا فارس يكن لك مشاعر الحب وانت لم تصدقي وما حدث اليوم اكبر دليل على صحة كلامي !
ايضا لم تحصل على اجابه تأفأفت وسناء بحده
- الأمر واضح عزيزتي انه يغار عليكِ أمن المعقول انك لم تشعري بذلك !! يالك من حمقاء والله سوف اصاب بذبحة صدرية بسببك وسترين
شهقت افياء بخفوت لتتمتم وسناء بنفاذ صبر
- كفي عن البكاء يامجنونة .. المفترض انك الأن تطيرين من السعادة !
بقيت وسناء تثرثر بهمس الى ان يأست من ان تبادلها افياء الكلام زفرت بضيق ثم فتحت الكتاب وبدأت بالقراءة .. بعد مضي عدة دقائق شعرت بجلوس احدهم في المقعد المقابل لها لكنها لم ترفع راسها لكزتها وسناء عدة مرات وقرصت فخذها الا انها لم ترد عليها بقيت مطرقه الرأس .. احست وسناء من نظرات فارس المصوبه نحو رأس افياء المطرق انه يود مصالحتها لذلك أثرت الأنسحاب ببطئ لتترك المجال لهما ...
مطرقه الرأس تغطي فمها بيدها تدعي القراءة بينما يعرف جيدا انها احست بوجودة ... همس برقه
- اسف
بقيت على صمتها بينما قلبها يخفق بشده ليس من الخجل بل من القهر وخيبة الامل اكمل بتعب
-اسف ايتها الحبيبة صدقيني لم اقصد انا فقط ..
سكت لبرهة ثم سحب نفسا عميقا مثقلا بالهموم ليكمل بنعومة وهو ينحني تجاهها اكثر
- انا فقط امر بظروف صعبة جدا ارجوكِ اعذريني افياء
رفعت له وجهاً طفولياً بوجنتين حمراويتين وعينان دامعتان جعلت قلبه يخفق بشده لهذه الطفلة الصغيرة التي احتلت مشاعره وعقله وسيطرت بعفويتها على رجولته ...
- انت تمر بظروف صعبه ثم تاتي وتفرغ غضبك على رأسي وامام وسناء !
ثم قلبت شفتيها ببكاء
- ماذنبي انا ان جاء زميل لي يطلب مني المساعدة ؟! أأطرده ؟!
همس بخشونه وعينيه الحمراء تكاد تلتهم وجهها الرقيق التهاما
- حتى وان اراد المساعدة لا تقدميها انتِ دعي احدى صديقاتك تتكفل بذلك !
ابتسمت تقول بسخرية ودموعها لم تهدأ عن النزول
- أهذا امر ؟!
انفرجت اساريره قليلا وظهرت على وجهه ابتسامة واسعة وعيناه الضاحكتان تجولان حول وجهها الرائع
- اعتبريه فرمان صادر من جمهورية فارس العليا.
اختفت ابتسامتها لتعبس ثانية وهي تتمتم
- لكنك ..احرجتني جدا ..كلامك كان يبدو كأتهام توجهه لي !
اطرقت رأسها تواصل بكائها الخافت وهي تضع يدها على وجنتها
قال بهمس نادم
- افياء !
الا انها لم تجيبه ليعاود الهمس بصوت اعلى قليلا
- افياااء
غمغم شاب يجلس في ركن بعيد نسبيا عنهما
-هشششششششششششش هدوء من فضلك
ابله وسمج تمتمها بصوت منخفض ثم تصنع الأبتسام وهو يهز رأسه ببرود
انحنى بجذعه للأمام مستندا على ساعديه قائلا بحب
- افياء صدقيني انا لم اقصد ما قلت سامحيني ارجوك ِ
ولما لم يجد جوابا على مناجاته واسفه قال بمحاوله اخيرة ليستدر عطفها وقد نجح
- الم تفهمي الى الان اني اغار
رفعت رأسها تنظر له بتسائل ليكمل بهمس حار
- اجل اغار جدا ... انا احبك افياء .. احبك حبا لم اتصور اني قد اشعر به يوما .. اتعرفين ما تعنيه لي ؟! انت القمر في سماء ظلمتي .. انت انت .. قلبي وروحي ... لا... بل انت حياتي كلها .. هل فهمتي الان ماذا تعنين بالنسبة لي ؟!!
وقبل ان تتكلم تابع وختمها
- فليأخذني الموت ان كنت اكذب عليكِ !
هتفت بسرعة وقلبها يهدر بقوة بينما لانت ملامحها الجميلة وظهر بريق الخجل بعسل عينيها
- بعيد الشر عنك
قال بأبتسامة رجوليه ليتبعها غمزة زادته وسامة
- اذن هل ذهب الخصام وولى دون رجعه ؟!
مسحت دموعها بظاهر كفها وهي تومأ ايجابا قبل ان تحني رأسها تكمل القراءة .. تنهد براحه وارجع ظهره الى الوراء وظل يراقبها بعينان عاشقتان .. بينما داخله صراعان كيف يتزوجها وكيف يرضى عائلته ؟ !! دوامات الحيره تعصف به لتلفه وتبتلعه دون رحمة ... يتمنى ان يكون كل ما يعيشه الان هو مجرد حلم سيصحو منه ليجد جميع المشاكل قد حلت ؟!
ماذا سيفعل كيف السبيل لتغير وجهه نظر والديه السطحية ... كيف يقنعهم ان افياء هي جل ما يتمناه ويرده في الدنيا ... ربما ليست الأجمل لكنها بالنسبة له هي كذلك .. ليس في شكلها فقط بل بروحها ايضا .. رباه لقد مال قلبه اليها دون اراده منه وتخطيط .. اغمض عينيه ثم فتحهما ليحدق بوجهها المرمري المشوب بتلك الحمرة التي افقدته صوابه ليزيد من برائتها ذلك الحجاب الابيض الذي تلفه بكل عفوية دون تصنع او دون اتباع الموضة بارتداء الحجاب كما تفعلها اغلب فتيات هذه الأيام ... وهذا ما عشقه بها بساطتها وعفويتها ..
برق لهيب الأصرار والتحدي بعينيه السوداء وهو يفكر بشراسة بينما يقبض على اصابعه بقوة
" لن اتركها حتى لو طردتني من المنزل يا ابي "
.................................
.............................................
كان يجلس في مكتب يدرس بعض الأوراق بينما عقله شارد بها يتذكرها بتفاصيلها الصغيرة ... منذ ان جاءت مع هناء ودلفت الى المكتب لفتت انتباهه .. كانت خجولة جدا ... خجولة لدرجة انها لم تنظر لوجهه الا بنظرة خاطفة عندما تكلم معها وسألها عن مؤهلاتها وتحصيلها العلمي .. لم يكن لها خبره في المحاماه كانت متخرجة من الجامعة للتو ... هو يعرف انه ارادها ان تعمل عنده دون سبب يذكر ولا دخل لهناء بتوظيفها لو اراد لأعتذر بأدب او رشحها لأحد معارفه او اصدقاءه لتعمل لديهم .. خجلها وتورد وجهها الخمري ما ان تراه اعجبه وغذى غروره الذكري اذن هو يؤثر عليها وهذا يعني بأنها تميل اليه .. اليس كذلك ؟ّ
بدأ بمراقبتها من بعيد .. كان يشعر بألانزعاج عندما يتكلم معها احد او حين يلمحها تقف مع زميلاً لها في العمل !! لماذا هذا الانزعاج ولماذا هذا الشعور بالتملك الذي يشعره تجاهها وكأنها تخصه .. تهمه .. اهتمامه بها وان لم يظهره امامها كان يغضبه لماذا هي ؟! ماذا وجد بها ؟! انها حتى وان كانت جميلة الا ان هناك العشرات من الموظفات اللاتي يعملن لديه هن اكثر منها جمالا .. لكنها تختلف .. تختلف بشكل غامض ... كون فكره عنها ولاول مرة يشعر بالغباء .. نعم الغباء في تخمينه فلطالما كانت تخميناته تصيب الا فيما يخص ابتهال لقد صدم بها بالفعل .. حسنا هو لاينكر بأن ما سمعه كان مجرد عدة كلمات مقتضبه الا انها كانت كافيه لتزرع الشك برأسه
اخرجه من شروده صوت الهاتف ليجيب بلامبالاة
- نعم ...
صمت قليلا ليستمع له ثم قال وهو يرجع بظهره الى الوراء
- اهلا امير كيف حالك !
قطب وضيق عينيه ثم هب واقفا وهو يهتف بلهفة
- أأنت متأكد ؟!
استمع للطرف الاخر بانتباه لتظهر على شفتيه ابتسامة شرسة
- حسنا اعطني العنوان بسرعة
اغلق الهاتف بعد ان دون العنوان في دفتر الملاحظات ثم قال بتوعد وهو يمعن النظر بما دونه
- لقد حانت ساعتك يا عامر !!
...........................
........................................
عاود مفاتحه والده بشأن خطبته الا انه كان مصراً على الرفض حتى انه حاول ان يؤثر على والدته علها تقنعه بالموافقه غير ان ما قالته والدته صدمه بشده
- اسفه يا ولدي انا لا استطيع معارضة والدك خاصه وانا موقنه بصحة رائيه ..
هتف بانفعال
- لكن يا امي اخيها بريئ ... بريئ ... لما لا تفهمون .. ام ربما
سكت فجأة ليهتف
- ام ربما لأنها فقيرة الحال ولا تناسب وضعكم الأجتماعي الراقي !!!
قالت وهي ترمق ولدها بشفقة فقد كان شاحب الوجه ... لحيته استطالت قليلا وشعره مشعث من اثر تمرير اصابعه به .. اين فارس الأنيق المهتم بهندامه مالذي اصابه بل مالذي وجده بتلك الفتاة لتقلب كيانه بهذا الشكل !!
- صدقني يا فارس فقرها لا يعيبها وانا لم اكن لأمانع ارتباطك بها لكن ...
اجابها بحده قبل ان يستدير ويخرج من الصالة
- كفى امي لا تبرري شكرا لك لأنك فعلا اثبت كم انك ام مثاليه تبحث عن سعادة وراحة ولدها الوحيد
......................................
.................................................. ...
كانت افياء تفترش الأرض في غرفة الجلوس وقد انتشر حولها الاقلام الملونه تلون شخصية كارتونية كانت قد رسمتها في وقت سابق .. رفعت راسها وفردت جذعها ثم نظرت باتجاه النافذة تختلس النظرات لاخيها الذي كان يصلح دراجته النارية في باحة المنزل تركت الورقة على الارض ثم ذهبت لتجلس قرب والدتها على الأريكة .. همست بتعجب
- امي اليوم محمد متغير جدا !!
نظرت امينة الى حيث اشارت بينما يداها مشغولتان بخياطة قميص محمد ثم انحنت قرب رأس افياء لتبادلها الهمس بأمل
- اجل لاحظت ذلك ..ارجو ان ينسى ويعود لنا كالسابق
قطعت الخيط باسنانها ثم قالت بعد ان تنهدت بحزن
- اه يا افياء ليته يوافق على ان اخطب له رنا ربما موضوع الخطبة والزواج يلهيه ويعيد له رشده الذي كما يبدو انه على وشك فقدانه
هتفت افياء بحماس وابتسامة سعادة شقت طريقها لشفتيها
- ياليت يا امي انا احب رنا جدا رغم اني لم التقي بها الا عدة مرات الا اني متأكدة جدا من انها الفتاة الملائمة له .. فرنا فتاة طيبة القلب وحسنة المعشر .
قالت والدتها بتفكير
- حسنا سأفاتحة لاحقا بالامر
احتضنت افياء كتف والدتها ثم انحنت لتطبع على وجنتها قبلة قوية قائلة بحماس
- لما الانتظار امي خير البر عاجله اذهبي الان وكلميه
اجابت والدتها وهي تعاود التركيزعلى ولدها المنشغل بدراجته
- اتعتقدين هذا ؟!
اكدت وهي تهز رأسها بقوة
- اجل اجل بكل تأكيد يا نبع الجنان
اومأت والدتها ثم اعطت القميص لها قائلة
- اذهبي لكيه ريثما اكلم اخاك
التقطت القميص واحتضنته هاتفه بسعادة
- من عيوني امي فقط اذهبي بسرعة
قالت والدتها محذرة
- انتبهي عند الكي لاتحرقيه كما فعلتي في المرة السابقة
اومأت بأبتسامة شقية
- حاضر امي لاتقلقي سافتح عيوني جيد هكذا
ثم وسعت عيونها بشكل مضحك .. ابتسمت والدتها بطيبة وهي تربت على خد افياء المورد قبل ان تتجه الى الباحة بخطوات بطيئة
ما ان ذهبت والدتها حتى اختفت ابتسامتها بينما عقلها شرد بفارس فذاك الاخر وضعه لا يعجبها حتى بعد ان تصالحها فهو لايزال دائم التجهم والعصبيه ليس معها بل مع اصدقائه اصبح لا يلتزم حتى بمواعيد المحاضرات !! ترى مالذي اصابه ؟! لقد سالته لاكثر من مرة عما يشغله الا انه لم يخبرها بشيء يخترع لها حجج واهية تنهدت بضيق وهي تهمس بسرها
" ارجو ان لا يكون ما اصاب محمد هو سبب تغيره وغضبه " .
........................
..........................................
بوجه متجهم وعينان جامدتان كان يقوم بتصليح دراجته النارية ..يداه تتحركان بآلية بينما الخيالات السوداء تحوم حوله بمخالبها الطويلة .. تقترب وتبتعد عنه ومع كل اقتراب وابتعاد كانت تنتزع شيئا من داخله .. لايعرف ماهو ... ربما انتزعت الأمان او الأطمئنان او ربما انتزعت منه جزءا من كرامته وسلبت الكثير من كبرياءه ؟!
منذ عدة ايام والآف الهواجس والأفكار تدور برأسه .. الى ان قرر ان يبدأ من جديد سيعود الى عمله ... الجلوس لن يجدي نفعا .. لن يتصرف كالنساء ويندب حظة العاثر ... ان بقي هكذا على حالة الأستسلام سيموت ببطئ شديد .. ستنسحب روحة وتستنزف قواه وتلك الاصوات التي تتعالى داخل راسه تطالبه بالقصاص تصرخ بقوة وكانها تشحنة بالطاقه " القصاص يا محمد .. القصاص .. العين بالعين والسن بالسن ... هذا امر الله وهو سيطبقة "
لقد فكر جيدا وقد وجد الحل الذي سيريحة ويعيد له كرامته المهدورة وربما يعيد احلامه الموؤدة التي لم ولن تعود ابدا ... ابتسامة شرسة ظهرت على وجهه .... ابتسامة لاتمت لشخصية محمد بصله كانت حاقدة ومتوعدة ومظلمة ... وكان شيطانا قد تلبسه فجأة !!
صوت والدته اخرجه من افكاره المتخبطة
- محمد يا ولدي
اجابها بنبرة باردة وهو يركز على عجلة الدراجة
- نعم امي
تقدمت وانحنت قليلا لتربت على كتفه قائلة بحنان
- اترك ما بيدك وتعال لنجلس قليلا اريد التحدث معك
غمغم موافقا وهو يلتقط قطعه من القماش الملوث ببقع من الدهان ليمسح بها يديه قبل ان يتجه حيث تجلس والدته على بساط احمر اللون كانت قد افترشته ارضاً عند قدومها
تنهد وجلس وهو يثني ركبتيه بينما اراح ذراعيه عليهما .. نظر امامه بصمت ينتظر سماع ما تريد قوله .. ابتسمت امينة بحب ثم قالت بحنان امومي متدفق كأنه نهرا لا ينضب
- حسنا يا محمد اريد ان اطلب منك طلبا واستحلفك بالله ان لا تعارضني
التفت محمد ناحيتها قائلا بهدوء بارد
- لن اعدك الا بعد ان اعرف ماهو طلبك
اجابت وهي تربت على ذراعه
- اريد ان اخطب ...
لم يدعها تكمل جملتها ليهب واقفا وهويهتف بعنف اجفلت له
- قلت مئة مرة لا اريد لاااااااا اريد
هتفت بدورها وهي تسند يدها على الارض لتقف بصعوبة ثم راحت تعدل بيد مرتجفة وشاحها الاسود الذي تلفه حول راسها
- لماذا لاتريد يا ولدي ؟ ثم ما بها رنا انت تعر..
قاطعها مرة اخرى والنيران تستعر داخله .. انحى قليلا ناحيتها وهو يلوح بسبابته محذرا
- اقسم يا امي ان اعدتي على مسامعي هذا الكلام انا لن اترك المنزل فقط بل سأغادر البلاد كلها لترتاحي مني
تركها واتجه للباب الخارجي ليخرج ويصفقة بقوة وصوت الباب الحديدي الصدئ يحدث دويا مزعجا
ضربت امينه صدرها برفق وهي تمتم بعينان دامعتان
- مالذي جرى لك يا ولدي ؟!!!! اللهم اني لا اسالك رد القضاء لكني اسالك اللطف فيهانتهى الفصل
أنت تقرأ
احلام موؤدة لكاتبة رقية سعيد القيسى
Romanceبين التهور والعقل خطوة واحدة خطأ بسيط يحول حياة الانسان ويتحكم بمصيره بلحظة خاطفة يصبح الملاك شيطان فيتلبسه وحش الانتقام وتعصف بقلبه رياح الظلمات وعندما ينتهى كل شئ لايبقى غير بقايا