꧁ العصر الجديد ꧂

الفصل الحادي عشر: مواهبُ النَّاشئين

إنه أواخر فصل الخريف، إذ بدأتُ أشعر بانخفاضٍ ملحوظ في درجات الحرارة بالفعل. بدأ الناس في ارتداء الثياب الثقيلة شيئًا فشيئًا استعدادًا لفصل الشتاء، إذ لم أعتد على الشعور بهذه الأجواء الباردة في قرية فينا في هذا الوقت من السنة.

لكن، هذا ليس بالأمر المفاجئ. على الرغم من أنَّ العاصمة أقرب نحو الخط الاستوائي مقارنة بالقرية التي نشأتُ فيها. لكن، الطبيعة الجيولوجية للقرية كانت عبارة عن سهول واسعة على مستوى سطح البحر، حيث أنَّها لا تبعد عن شواطئ البحر كثيرًا. إذ تمركُز العاصمة على مستوى مرتفع من مستوى سطح البحر يلعبُ عاملًا مهمًا لهذا الاختلاف. لا أعلم في الحقيقة مدى ارتفاع العاصمة، لكنه كافٍ للشعور بالفرق المناخي هذا.

على أي حال، في هذا الوقت من السنة تمَّت ولادتي كذلك. هذا صحيح، لقد أتممتُ تسعة سنوات من عمري قبلَ حوالَي أسبوع، إذ فاجأني نورمان برسالة أتت من زارا وأوليفر كانوا قد أرسلوها له مسبقًا، وطلبوا منه تسليمها لي بهذا اليوم.

شعرتُ حينها بكمية حنينٍ غمرت قلبي، إذ أيقنتُ أني لازلت حاضرًا في وجدانهم. هل هكذا هم الوالدان دومًا؟ وجودُهما على قيد الحياة نعمة عظيمة بالفعل، لم استطع الشعور بها عندما كنتُ يتيما... كم أتوقُ إلى رؤيتهما مجددًا.

...

صناعة وبيع الدرَّاجات الهوائية توسَّعت بشكل كبير في العاصمة والمدن الصغيرة المجاورة. هذا صحيح، بدأ كثير من الناس بالاعتماد عليها كوسيلة تنقل أساسية في يومهم. حتى أنَّ عدد كبير من الطلبة بدأوا في قيادتها للقدوم إلى الأكاديمية.

الانتشار الواسع لهذه الأداة الجديدة أدَّى إلى انتشار اسم نورمان وتجارته بين مجالس كبار التُّجار في أنحاء العاصمة وما يجورها من المدن والقرى، مما أدى إلى البعض منهم إلى الدخول في هذا المجال لتحصيل حصة من هذا السوق الجديد. إذ بدأوا بتقليد صناعتها من خلال تفكيكها ونسخ القطع التي تتكون منها الدرَّاجة من قِبَل حِرَفيين آخرين.

على الرغم من تحسُّن وضع نورمان التجاري وانتشار صيتِ متجره بشكل واسع، إلَّا أنه لم ينزعج من دخول تُجَّار أُخُر في هذا المجال. حيث أني سألتهُ مسبقًا عند رؤيتي لبعض تلك الدَّراجات معروضة في المتاجر الأُخرى عن ماذا سيفعل بشأن ذلك. فما كان منه إلَّا أنه ضَحِك، ثم قال: "لا ضيرَ في ذلك يا بُنَي.. إذا لم يكُن هناك من يقومُ بمنافستي في هذه التِّجارة، فلن تزدهر وتتوسَّع كما ينبغي. إذ وجودُ المنافسين وعدم شعورِهِ بالأمان هو ما يصقُل التَّاجِر.. بالإضافة إلى ذلك، مهما كانت إمكانياتي في توفير تلك الدَّرَّاجات، إلَّا أني لا يمكنني من توفير مُتطلَّبات السوق بشكلٍ كافٍ على أي حال".

تلك هي فلسفة تجارية مثيرة للاهتمام، حيث أنَّ وجود المنافسين يحفِّزهُ على تقديم ما هو أفضل على الدوام. علَيَّ أن أعترف، تلك فلسفة غريبة علَي نوعا ما. ففي حياتي السابقة، يعتبر الحصول على الحماية الفكرية وبراءة الاختراع من أهم أولويات الشركات عند طرح منتجاتها المبتكرة. ربَّما.. هذا لأن الحياة التي أتيتُ منها كانت المنافسة فائقة الشِّدَّة، والابتكارات الجديدة محدودة نسبيًا. فكان على الشركات حماية نفسها قدر المستطاع، إذ مجال المنافسة صعب للغاية.