الحلقة 17

535 32 70
                                        

كانت الليلة الأخيرة قبل عودتهما إلى العراق. الثلوج تملأ المدينة، والهواء بارد حد الاحمرار. أصرّ أشهم أن يأخذ ربى إلى مكان خاص للتزلج، بعيد عن ضوضاء المدينة. الطريق أبيض كليًا، والسماء مظلمة تتخللها أضواء باهتة من المصابيح الطويلة المحيطة بمسار التزلج.

ربى (وهي تضحك بمرح، تلبس المعطف وتعدّ نفسها):
ما توقعتك تحب التزلج يا وحش.

أشهم (يبتسم، يعدّل قفازاته):
ما أحب... بس أبي أشوفك فيه. سمعتي كثير عن مهارتك.

ربى (بحماس):
من أيامي مع بابا. كان كل شتاء ياخذني مكان مختلف... ونتزلج.

أشهم (بنبرة هادئة):
كان لازم أعرف هالشي من قبل.

ربى (تغمز له):
لأنك دايمًا تراقبني... مو تسألني.

بدأوا التزلج. ربى انطلقت بخفة كأنها تعرف الجليد منذ الولادة. حركتها انسيابية، تضحك كلما التفتت. أشهم كان يراقبها بذهول.

أشهم (بينه وبين نفسه):
ما شاء الله... كأنها تطير.

فجأة، وبينما كانت ربى تلتف، فقد أحد المتزلجين توازنه وسقط بعنف، ثم تزحلق مسرعًا نحو ربى، ارتطم بها وسقطت بقوة، وصرخة خفيفة خرجت منها وهي تقع على ركبتها.

أشهم (يركض نحوها وقد تغير وجهه تمامًا):
ربى!!! ربى!
(ينزل على ركبته بجانبها)

ربى (وجهها متألم):
رجلي... رجلي توجعني كثير...

أشهم (بصوت مرتعش):
وين؟ وين توجعك؟؟

ربى (تمسك بركبتها):
هنا... ما أقدر أحركها.

أشهم (ينظر للرجل الذي اصطدم بها بغضب):
إنت أعمى؟!! شنو هذا؟؟ ما تشوف؟؟
(ثم يلتفت إليها بلين)
هيا... ما نطول، أروح آخذك للبيت.

جلس على الأرض عند قدميها، وقد وضع وسادة صغيرة تحت ركبتها المتورمة. كان قلبه يشتعل، ليس غضبًا فقط... بل قلقًا وخوفًا. ربى كانت هادئة، تحاول أن لا تُظهر ألمها.

أشهم (وهو يضع كمادات الثلج):
كان المفروض ما أجيبك لهذا المكان.

ربى (تنظر له، بنبرة دافئة رغم الألم):
ليش؟ علشاني وقعت؟ أنا كنت مستمتعة جدًا قبل الحادث.

أشهم (بصوت عميق):
أنا اللي غلطت... كل مرة أحاول أخفف عنك، يصير شي.

ربى:
ما أحد يقدر يتحكم في الحوادث... بس تعرف؟
أنا حبيت إنك كنت أول من ركض لي، أول من خاف.

أشهم (ينظر إليها):
وهل كنتِ تتوقعين إني أتركك؟

ربى (تبتسم بخفة):
ما كنت أعرف... لأنك دوم تحاول تكون قاسي، بعيد، صارم...
بس اليوم... كنت شيء ثاني.

أشهم (ينظر للأرض):
يمكن لأني بدأت أشوفك مو بس زوجتي اللي لازم أتحكم بحياتها...
بدأت أشوفك... إنسانة تعبت، وانجرحت، وتستحق تحيا مثل ما هي تبغى.

وراء الضوء الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن