جحر الشيطان
الفصل الحادي عشر« إختطاف»
قد وهن العظم منها وأشتعل الرأس شيبًا، بعدما مرضت بداء السكر حزنًا وكمدًا، بعد تكدر قلبها مباشرةً، راحت تلهو مع حفيدها الأصغر والأحب لقلبها، وللصدق كلهم لديهم محبةٌ خاصة بقلبها، لكن هذا الصغير شيءٌ آخر للغاية .. ربما لأن أسمه على أسم العزيز ؟ أم لعجبها من نفسه ؟ فهو راجح العقل للغاية يبدوا اكبر من سنه، قاموا بتدريبه فنون الدفاع عن النفس وللعحب تعلم دون أدنى محاولة مرةٌ ثانية، في كل مرة يثير دهشتها وحبها وعجبها.
تمتم الصغير يوسف متسائلًا بسؤم :
- يعني مش هتحكيلي اروى فين؟
رفعت ( لمار) حاجبها تُردد في دهش وهي تهزه من مقدمة ملابسه :
-ولا صوتك بيعلى عليَّ ليه؟ دا انا محدش بيقدر يعملها غيرك كله كان اول ما يشوفني يخاف.
نفض ياقة قميصه منها وهو يعتدل في خيلاء مرددًا:
-هو انا اي حد ؟ أنا يوسف الشرقاوي.
وراح يلامس باعتزاز على مؤخرة شعره في كبرياء، لتنخرط لمار في نوبة ضحك جعلتها تسعل، ما هذا؟ الاسم والشبه والطباع هذا غير ممكن، كأن نسخة مصغرة من اخيها امامها.
يا الله من عوضك كم جميل!
غابت بسمتها بغتة وهي تحيد ببصرها نحو إطار صورة معلقة بغرفتها امام فراشها لأخيها الحبيب ورفيقة البسمة السعيدة تزين ثغورهم وأعينهم بدت لامعة سعيدة مشرقة، وأخذت تتأملهما بعينان حزينتان مشتاقتان قتلهما الحنين وأطفأ بهجتهم، أطرقت بذكرى حزينة حيثُ لم يغب أشهر على موت اخيها ولحق به صديقه .. صديق حياته ويبدوا انه رفيق جنته ان شاء الله....
زهد في الحياة دون شطر قلبه فـ زهدت فيه..💐 اللهم إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين 💐
وقف خلف نافذة غرفته .. يُطالعها بذات الشغف ككل يوم وهي ترسم احدى لوحاتها، يحفظ حركاتها عن ظهر قلب، ويحفر في قلبه طريقة رسمها بكفها الرقيق وهي تسير بخفة على اللوحة أمامها، أعتاد أن يصحو باكرًا لأجلها فقط، منذُ بدأت تجلس بالحديقة والأدوات حولها وترسم في جوٍ هادئ لطيف، تشد الشال على كتفيها تصمت ساهمة ساكنة عن الحركة تتامل لوحتها بعينان شاخصتان تتخيل الرسمة في ذهنها قبلًا، قبل ان تترك يداها لتبدع، ربما أتخذت من الفرش والتلوين ملاذًا لتخرج به ما بجعبتها؟
لم يمض طويلًا حين نظرت لساعة معصمها لتقف تلملم أشياءها على عجل وتدلف .. فـ أستدار هو ليستعد ليذهب خلفها كم حاله دون ان تدرك انه يتبعها إلى مقر المركز الخاص لذو الاحتياجات الخاصة... ربما تجد سجيتها بينهم، تجد عالمها وأن ثمة من يفهمها وتفهمه بيسر دون عُسر!
هبط الدرج سريعًا وهو يرتدي جاكته على عجل واوقف سيارة أجرى وتبعها، ولم يغادر حتى اطمئن أنها دخلت للمبنى
قاد مجددًا ليذهب لصديقه الذي سيقابله في الجامعة لم تكن بعيدة عن مقر المركز التي به، وقبل أن يهبط من سيارته التي صفها، اغمض عينيه مستحضرًا صورتها في إنتشاء لتغمره الراحة غمرًا... وكذا السعادة، ضحك فجأة متذكرًا حين كانت صغيرة وتاتي إليه راكضة متذمرة تدب الارض بقدميها تبكي بصمت وهي تخبره ان يخبر من تحادثه بما تريده، كان الوحيد الذي يفهمها.. يفهم إشارتها ولغتها .. هل كان الحب هو من جعله هكذا؟
منذُ ذاك الحين وهو يشعر انه مسئول عنها .. لقد بات مغرمًا بها وحسم الأمر .. أسرت قلبه وصار جزءٌ منه غائبًا لديها فقط..
خرج من السيارة وتوجه لداخل الكلية.. ليطلب منه صديقه المكوث مع الطلبه حتى يعود فورًا لأمر هام ..
وقف أمام الطلاب شباب وفتيات وعرف عن نفسه وحكاهم بإيجاز نبذة عن المادة، قبل ان ينصرف وما لبث ان عاد بصندوق صغير وضعه امامه مسندًا كفيه عليه وهو يردد :
- يقول رسولنا الحبيب، صلوا عليه قبلًا.
صلوا الجميع على الحبيب، فأستطرد معاذ قائلًا :
- أن الصدقة تغفر الذنوب وتطفئ الخطيئة.
تقطر الدهش في اعين الطلاب الذين جحدوه بأستغراب، لا يدركون ما دخل الصدقة في مادتهم، بينما تابع معاذ في تفهم وقد قرأ صفح وجوههم :
- هذا الصندوق احضرته اليوم معي صدفة لم تكن محددة،خطرت لي الفكرة الآن، عله يكون لنا جميعًا نجاه من النار.. علكم تتسألون ما الذي أقوله... معكم حق! هذا لا يخص المادة في شيء لانها اهم ربما بالقدر الكافي..
صمت هنيهة وتابع وهو يجوب بعيناه في وجوههم :
- اتدرون ان للصدق باب للمتصدقين فقط..؟
وأضاف يجب نفسه وقد بدأ يتحرك تجاههم :
- باب ينادى منه فقط المتصدقين، تخيل ان تقف يوم القيامة فتسمع أسمك بغته وتدخل في زمرة المتصدقين الجنة من باب الصدقات
لماذا نتصدق؟! نتصدق حتى يغفر الله لنا .. كي يُشفى مرضانا ونتقرب إلى الله حتى ندخل من بابه متهللون الوجه سعداء القريرة من النجاة من النار، ربما كانت صدقتك التي تستهين بها هي نجاتك من جهنم ولا تدري
فـ الرسول قال ( اتقوا النار ولو بشق تمرة)
حل عقدة كفيه من خلف ظهره وهو يعود واقفًا خلف الصندوق مغمغمًا في امل :
- سيبقَ هذا الصندوق هنا لآخر السنة، كل يومًا سنضع به ما تيسر لنا لتحل علينا البركة وتنفرج همومنا، وسنتبرع به لاحدى المستشفيات.. وسأخبر محمود بهذا..
رفع راسه إليهم سائلًا:
- هل احد عنده سؤال لهذا الأمر ؟
هز الجميع رؤسهم بتأثر وبدأ الجميع يقف ليضع به ما تيسر له واولهم فعل معاذ متمنيًا ان تكن ملك من نصيبه.
لم يلبث طويلًا بعد عودة رفيقة، ولم يطل حديثهم وخرج مسرعًا إلى الشركة التي يعمل بها وكذلك حبيبته .. أنطلق بسرعة حتى وقف أمام بناء شاهق الطول، يحيط به الزجاح، وترجل في رزانة وهو يحث الخطى للداخل .. ساقته قدماه إلى مكتبها.. كانت منهمكة في الكتابة على الحاسوب، حين فوجِئت به أمامها يقول :
- ملك! أنتِ جيتِ؟
نظرت تجاه وجهه محركها اناملها بعلامة « أنت شايف مين قدامك يا بني .. ايوه جيت»
قال معاذ باسمًا بتحرج :
- مش قصدي كنت بطمن عليكِ.
في حياء هزت ملك رأسها وقد تخضب وجهها بحمرة الخجل وهي مطرقة وقد علا وجيب قلبها، فتأملها لدقيقة قبل أن يتنحنح قائلًا بارتباك:
- مروحتيش الكلية انهاردة؟
هزت رأسها نفيًا دون ان تلتفت له، فسئل بأهتمام :
- هتخلصي تدريبك امتى؟
هزت رأسها مجددًا .. فنفخ قائلًا في ضيق :
- ملك اطلبي نقلك من الشركة دي؟
رفعت رأسها إليه في حدة، وعينان تشعان غضبًا ليبرر قائلًا برفق :
- بقولك كدا عشان خايف عليكِ..
ضيقت عينيها تشير إليه وقد بدت الحيرة على ملامحها «من اي؟»
قطب معاذ حاجباه قليلًا مفكرًا فما الذي سيقوله لها عن مدير هذه الشركة وانه يخشى عليها منه، تتهد في ثقل ثُم أرتسمت بسمة مطمئنة على محياه بثت الامان في فؤادها وردد في ثقة :
- تشغليش بالك أنا هنا.
أستدار ليغادر إلى مكتبه فأرتطم بتلك اللزجة، لا يحبذها ولا يحبذ هذا النوع من الفتيات .. كم راودته عن نفسه واستعم تلك الفتاة لعوب بدرجة تخيفة لكنه قادر على صدها في كل مرة ... غض الطرف عنها سريعًا وهو يتراجع للخلف في عنف وما همت بالأسف في دلال حتى أجتازها بخطوات سريعة جعلتها تشخص عيناها في صدمة .. وهي تُردد :
- دا تجاهلني!
رأت ملك كل ما دار امام عيناها لكن لم يرف لها جفن، فهي تثق ثقه عمياء في معاذ لا يشوبها شائبة، وعادت بعيناها للحاسوب كأن شيئا لم يكن...
في تلك اللحظة، رنت صديقة الفتاة التي ارتطمت في معاذ مغمغمة في تشفي :
- دا تجاهلك يا سهيلة ، احسن ابعدي عنه عشان شكله مبيحبش غير ملك.
استدارت لها سهيلة منفعلة وصاحت في غضب هادر :
- بقولك اي شوفي شغلك هيحب وحده خرصه؟ ليه خلصت البنات من الدنيا ؟
بعد إنتصاف النهار، وبينما هو في مكتبة إذ دخل زميلٌ ليه وأخبره بأن المدير أخذ ملك معه للأشراف على المبنى الذي يُعد.. فوقف مصعوقًا كأنه يغلي كـ القدر الذي بداخله ماء يُغلي، وسرعان ما تنبه ليجذب جاكته وهاتفه ويسرع ركضًا للخارج بعد ما طلب من صديقه تولي أمره في غيابه ...
أنطلق بسيارته في سرعة فائقة للمكان المنشود، وصل أمام بناء ما زال يُشيد والعاملين يتابعون عملهم في انتظام، طافت عيناه في المكان بدقة وحذر، فأبصرها تُكاد ترَ من بين الرجلين الذين يقفون واجسادهم تسترها لرفع وقصر قمتها، أبتسم بأرتياح لوهلة لم تبق طويلًا إذ تهجم وجهه واتسعت عيناه في خوف وركض بكل قوته تجاهها، على غفلة كانت يد قوية تدفعها بحدة لتسقط ارضًا....
أنت تقرأ
جحر الشيطان (ما زال للعشق بقية)
Bí ẩn / Giật gânما بين العشق والأنتقام، ستقع هي أسيرة ستطوته في جحرٍ الخروج منه مستحيل فكيف ستعافر لتنجو من براثنه