جحر الشيطان ح30

95 9 0
                                    

الفصل الثلاثون
( جحر الشيطان )
ما زال للعشق بقية

فتحت منة عينيها على ألم حاد في معدتها فقبضت بيدها فوق الألم وهي تكتم أنينها، ألقت نظرة على آجار النائم بجوارها وآثرت الخروج من الغرفة حتى لا تزعجه، لكن ما إن همت برفع رأسها من فوق الوسادة وإذا بالغروفة تدور بها دوارًا شديدًا، و دوار شديد داهم رأسها فتهاوت رأسها على الوسادة وأطبقت أجفانها وهي تجز على أسنانها حتى لا يصدر صوت تأوهها، انسابت دموعها من حدة الألم الذي لم تتحمله وقد بلغ ذروته، ومغصٌ فظيع كالسكاكين يُقطع في امعاءه، تململ آجار بجوارها حين بلغته نهنهت بكاء، فهب مفزوعًا وأنار الضوء ليغمر الغرفة ويطل على منة وهو يتساءل في جزع  :
_ منة، ما بكِ؟
لم تستطع منة أن ترفع عيناها إليه، فأجابت باكية وهي تكاد تعصر بطنها في كفها  :
_ أموت من الألم يا آجار، لا أتحمل.
نهض آجار من فوق الفراش ودار حوله وجثى على ركبتيه أمام رأسها، وتساءل وهو يمسد على خصلاتها برفق  :
_ هذا لأنك لا تأكلي جيدًا، بات اكلك ضعيف فكيف لا تريدين لبطنك أن لا تؤلمك؟
بدا له إنها لم تسمعه إذ وثبت دافعة إياه من طريقها وهي تهب واقفة وكفها الآخر فوق فمها وركضت إلى دورت المياه فذهب في إثرها وهو يهتف في قلق  ويطرق الباب الذي أُغلق  :
_ منة، لا تصبيني بالقلق يا فتاة؛ ماذا تشعرين؟ تبًا لهذه القرحة التي أصابتها غدًا سنذهب إلى طبيب آخر.
تناهى له صوت أستفراغها وهي تتأوه بصوت مزق قلبه فعاد يطرق الباب، قائلًا  :
_ افتحي الباب يا منة دعيني أكون معك.
لم ينتظر طويلًا فقد فُتح الباب، ونظر إلى وجهها الشاحب الذي غطاه الأصفرار، والهالات السوداء، وجسدها الهذيل، وهي تقبض على معدتها، وتسند على الجدار وتمتمت بصوتٍ خفيض  :
_ إني بخير يا آجار لا تقلق.
أمسك كفها في راحته وطوق ظهرها وهو يسندها إلى حيثُ الفراش، لكنّ في منتصف المسافة توقفت بغتة زائغة العينين ورأت الغرفة تدور  … وتدور، والأرض تميدُ بها، وغشى عيناها ضبابًا حجب الرؤية ثُم لم تسمع إلا صوت آجار المنادي بإسمها في جزع، وصوت ارتطام صم أذنيها.
لم تكن خديجة نائمة في هذه السويعات من الليل حين استمعت إلى وقع أقدام جارية آتية من عند غرفة آجار، فأسرعت لترى ما الذي يحدث وفتحت الباب ليتراءى لها آجار يحمل منة بين ذراعيه فلحقت به عند الدرج وهي تتساءل  :
_ آجار، ما بها منة؟
ألتفت آجار إليها كالتائه، وقال  :
_ لا أدري فجأة أغمى عليها سأخذها إلى المستشفى.
كادت أن تجيبه، لكن اراس أجاب بدل عنها، حين قال من وراءها في عجل  :
_ أنتظر سأذهب معك، ثوان واكون جاهز.
_ وأنا أيضًا.
أومأ لهما آجار وتابع نزوله، ولم يلبث إن حضرا أراس وخديجة التي بدت متوترة وهي تسأل آجار بقلق داخل السيارة التي تنهب الأرض نهبًا  :
_هل الطبيب الذي شخص حالتها وقال إنها قرحة جيد؟ هل عمل إشاعات وما شابه!
هز آجار رأسه وعيناه لم تحيدن عن وجه منة بين ذراعيه، بان القلق على وجه خديجة وهي تضع كفها على معدة منة ثُم ألقت نظرة إلى أراس عبر مرآة السيارة التي أمامه وآثرت الصمت وكبح شكها.
وصلوا إلى المستشفى وظلت خديجة معها اثناء الفحص الذي أسفر عن سرطان في المعدة، سُقط من يد خديجة ولم تدري ماذا تفعل؟!
كيف تخبر آجار بذاك المرض اللعين؟
أنَّى لها بالقدرة أن تبوءُ بذلك خبر سيحطمه؟
كان عسيرٌ عليها إن يأتيها مريضٌ بهذا المريض الخبيث وتخبر اهله وربما كان عاديًا لكن أن يصبح المريض فجأة قريبها.
بكت في صمت وهي تتطلع إلى وجه منة بكسرة، كانت المحاليل تسري في أوردتها في أنتظار أن تفيق لتستكمل عمل الإشاعات لتعرف حجم الورم وإلى أين يمتد وكم ستستئصل من المعدة إذا لم يكن كلها! لكنها ستدعوا الله ألا يكون المرض تمكن منها بذاك السوء.
سبحان الله، كيف الأنسان يكون في كامل صحته وقوته، وفي غمضة حين يغدا طريحُ الفراش، مجرد عظامٌ يكسوها الجلد.
سبحان الله! كيف المرض قادر على سلب الإنسان كل شيء؟!
يا الله من هذه الدنيا حين تنقلب على المرء فجأة وتذره ريشة في مهب الريح، جسدًا خاويًا من الحياة، يحيا على الأدوية!
تطلعت إلى هاتفها الذي لم يكف عن الرنين لحظةٍ واحدة بغير مبالة، كان كل ما يشغل بالها هو كيف ستبوء لآجار بمصاب منة؟
كيف تكون هي من تحطمه؟ وتكسر قلبه؟!
_ طبيبة خديجة، هلا نظرتِ رجاءً؟!
قالت الممرضة من وراءها فـ التفتت لها خديجة في تساؤل، فـ أستتبعت الممرضة تقول  :
_ ألم تعرفي ما الذي حدث؟
في تعجب جم، رددت خديجة  :
_ ما هو؟ هل حدث أسوء مما أنا فيه؟
_ هلا تنظري إلى الهاتف رجاءً!؟
_ وهل هذا وقته؟
_ رجاءًا الأمر جلل، لا ضير إن ألقيتِ نظرة!
في سئم تناولت خديجة الهاتف منها، لترى فيديو لما حدث لملك،
العروسة التي تركها زوجها في ليلة قرآنهم لأنها سارقة؟!
فيديو آخر.
" في ليلة زفاف حفيدة عائلة الشرقاوي حدث حادث أودي بثمانية كبارٌ من السن وطبيب "
الكثير والكثير من الإشاعات والفيديوهات التي أنتشرت على جميع شبكات التواصل الاجتماعي، كاد جسد خديجة يتهاوى من هول الصدمة، دموعها طفقت تهوى دون أن تشعر، وأحست بقدميها لم يحملاها، أسندتها الممرضة، لكن خديجة أبتعدت مغادرة عن الغرفة، و وقفت أمام أراس وآجار الذي كاد يبادر بسؤاله عن زوجته لكن ما ان لاحظ حالتها آثر الصمت، قلبت خديجة بصرها فيهما في توهان، فبادر أراس متسائلًا وهو يمسك ذراعها  :
_ خديجة، ما بكِ أنتِ بخير، ما هذه الحالة؟
في صوتٌ باهت همست خديجة بتصوت متهدج  :
_ من منكما قتل …
لم تستطع أكمال عبارتها، بالأساس أمرٌ لا يصدق، هل خسرت في طرفة عين أجدادها؟! كبار عائلتها، فقدت الحنان جله؟!
من ذا يصدق إنه خلاص الفراق وليس ثَم أمل لترآهم!
قطب آجار عينيه متذكرًا رنين أخيه الذي تجاهله حتى يطمئن على زوجته، فسئل بجزع  :
_ من مات يا خديجة؟
لكن خديجة بدلًا أن تجيب سألت بصوت متحشرج  :
_ من الذي أتهم ملك بكل تلك التهم؟  من دمر أختي يا هذا؟
أنهت عبارتها وهي تقبض على ملابس أراس بتشكك بيَّن في عينيها أصابته بالحزن، هل تعتقد أنه قد يكون سبب في حزنها يومًا؟
إلى الآن لم تعرف كيف يحبها بجنون؟
نزع كفيه عنها وقال وهو يقبض عليهما بين راحتيه  :
_ لماذا تتهميني دائمًا بأي مما يحدث؟ هل لهذه الدرجة تريني بكل هذه البشاعة!
رأى تخبطها، ندمها عما تفوهت، زوغان مقلتيها التي تناشده إن يكذب كل ما علمت به توًا، فجذبها إلى حضنه واستكانت تبكي في صمت وهي تهمس  :
_ كل هذا كذب يا أراس، أليس كذلك؟
حين أعود سأجد أدهم في انتظاري، وسأتجادل مع هالة لأنها نستني، وستعاتبني حبيبة لأني غبت، و …
_ أشش، اهدئي … دعيني أعلم ما الأمر.
همس أراس في أذنها وهو يربط على رأسها برفق.
رفعت خديجة رأسها تنظر في عينيه، وأردفت  :
_ منة!
_  هل هي بخير؟
_لديها ورم في المعدة!
صُعق أراس متسع العينين وهو يتطلع إليها ذاهلًا، عيناه حادت إلى موقع آجار فلم يجده.
كان آجار في هذا الحين يجيب على اتصال إسلام، الذي هتف ما أن فُتحت المكالمة  :
_ أنت سبب هذا الحادث، أليس كذلك؟  ما الذي جنيته الآن! هل انبسطت؟ أتكرهني لهذه الدرجة حتى تريد قتلي؟  كان يجب أن أكون أنا مكان هيثم الآن …
أغلق آجار المكالمة، لم يكن لديه المقاومة أن يوضح لأي أحد، او يبرأ نفسه لأيًا كان.
💫سبحان الله 💫
ولج آجار إلى منزل ماهر وهو ينادي عليه هائجًا، فخرج الآخر من غرفة نومه، وقال  :
_ ها أنا ذا، ما الذي آتى بك في هذا الوقت المبكر؟
توجه صوب الدرج لكنّ آجار سبقه وهو يرتقي السلم في خطوات سريعة ، و وقف قبالته يجأر بصوته  :
_ ما الذي فعلته من وراءي؟ كيف سولت لك نفسك على محاولة قتل أخي …
قاطعه ماهر وقد زوى ما بين عينيه متعجبًا  :
_ أخيك؟ تقصد جان؟ وهل أفعلها؟ تظنني حقًا حتى قد افكر في هذا ؟
دفعه آجار بحدة من صدره، وقال في أمتعاض  :
_ اتفاقنا كان فقط لمار لما أذيت كل من أذيت منهم.
رفع ماهر كفيه يستوقفه، وهو يقول  :
_رويدك يا آجار، وهل أفعل؟ كانت خطتي لقتل لمار لكن ما العمل إذا فشلت الخطة وحدث ما حدث للآخرين!؟
ومال هامسًا في أذنه  :
_ وهيثم قد لقى مصرعه.
تبسم آجار بسمة شرسة، وغمغم  :
_ أوه، قُل هذا يا رجل!
ثم أردف  :
_ كنت أفضل أن أسوموه سوء العذاب، أن أقتله بنفس الطريقة التي قتل فيها أبي؟!
وضع ماهر كفه على منكبة، متمتمًا في دهاء  :
_هون عليك، لا ضير فقد تعذب ايضًا، وتعذبت لمار.
وغمز له فقهقه آجار في نشوة ظفر،  مستريحًا أن ماهر قد قتل هيثم ولقى حتفه.
هم آجار بالتحدث قاطعه رنين هاتفه باسم أراس فأشار لماهر بإشارة من يده، ورد عليه فأسرع اراس متسائلًا  :
_ أين ذهبت يا بُني؟ تعال في الحال، أريدك في شيء هام!
_ هل منة بخير؟ فاقت!؟
_تعال يا آجار لأخبرك قبل أن تفيق!
أنقبض قلب آجار ما أن نطق أراس دون سبب، احتدم في نفسه الضيق ومار في قلبه القلق.

جحر الشيطان (ما زال للعشق بقية) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن