الحلقة 19

481 29 52
                                        

بعد لحظة صمت طويلة بينهما، حيث لا يُسمع سوى همسات النسيم، كانت ربى تحدّق في الفراغ بعينين نصف مغمضتين. بدا النعاس يثقل جفنيها شيئًا فشيئًا، حتى التفتت إليه فجأة، وقالت بصوت خافت، متهدج بنعاسٍ بريء:

ربى (بهمس ناعم):
"أشهم… سأنام على ركبتك، فقط للحظة."

ولم تنتظر ردًا. فقط انحنت برأسها، وأسندته برفق على ساقه، كأنها طفلة تبحث عن الأمان في حضن أبيها.

أشهم (متفاجئ، متجمد في مكانه):
لم ينبس بكلمة. فقط حدّق في رأسها المستند إليه… شعرها الذهبي منسدلٌ فوقه كضوء شمسٍ انكسر على الأرض.

كانت دقات قلبه تتسارع. شيء غريب يشبه الألم، يشبه الحنان، يشبه الخوف… لكن الأغرب أنه لم يشأ أن يتحرك. لم يشأ أن يوقظها، ولا أن ينزع هذه اللحظة من ذاكرته.

مرّت دقائق ثقيلة. تنفّسها المنتظم يملأ المكان هدوءًا. كل صوت خارجي اختفى، ولم يبقَ سوى هيبة هذا الموقف، وهدير داخلي في صدر أشهم لا يستطيع وصفه.

أشهم (بصوت داخلي):
"كيف استطاعت أن تحرّك هذا الجزء من قلبي... دون إذن، دون مقاومة؟"
"هل بدأتُ أتغيّر؟ أم أنها فقط تذكّرني بأنني إنسان؟"

نظر إليها مرة أخيرة… ثم مدّ يديه بحذرٍ شديد، وحملها بين ذراعيه. كانت خفيفة كنسمة… لكنها أثقل من الدنيا في قلبه.

مشى بخطى هادئة نحو الغرفة… فتح الباب برفق، مدّدها فوق السرير، غطّاها جيدًا، وانحنى قليلًا ليتأكد أنها لا تزال نائمة بسلام.

وقف لثوانٍ وهو يحدّق في ملامحها. ثم همس بصوت بالكاد يسمع:

أشهم:
"أنتِ… قلب لم أخطط له."

أغلق الباب خلفه، ومشى إلى غرفته بصمت. لأول مرة منذ سنوات، لم يشعر برغبة في مراجعة الكاميرات، أو إصدار أوامر، أو التفكير بقوانين… فقط جلس على طرف سريره، وأغمض عينيه.

رنّ المنبه بحدة، وتسلّلت أشعّة الشمس عبر الستائر الخفيفة، تتسلل إلى وجه ربى المغمض.

ربى (تتأفف، بصوت ناعس):
"أوووووف… لا أريد… فقط خمس دقائق، أرجوك…"

مدّت يدها وأطفأت المنبه، واستدارت إلى الجهة الأخرى، محاولةً سرقة لحظات إضافية من النوم.

مرت دقائق… ثم انفتح الباب بهدوء، ودخل أشهم بخطى بطيئة، ملامحه جادّة، لكنه لا يخفي تلك اللمعة في عينيه.

أشهم (بصوت عميق):
"ربى… مضى وقت الفطور. لا أحب التأخير."

لم تجبه. اكتفت بإصدار صوت خافت وهي تدفن وجهها في الوسادة أكثر.

أشهم (يقترب منها، بصرامة أخف):
"ربى، لا تجعليني أرفع صوتي."

ربى (بصوت مخنوق، وهي تدفن رأسها أكثر):
"الوحش رجع… أين ذهب أشهم اللطيف؟ الذي طبخ لي، وذهب بي إلى التزلج، وأخذني إلى المكتبة؟ لماذا عاد هذا الذي يأمرني أن أستيقظ كأني في ثكنة؟"

وراء الضوء الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن