الفصل الثالث

180 12 0
                                    

الفصل الثالث
............................
فتحت فمها لعدة مرات تحاول إيجاد مبرر لدخولها في هذا الوقت لكنها لم تستطع أن تنطق بشيء شل تفكيرها .. كما أن نظراته المتفحصة الغامضة اشعرتها بالضئالة والخجل الشديدة ..... زحف الاحمرار إلى وجنتيها الشحابتين بينما يداها تعبث بطرفي معطفها
هتف بحدة أجفلتها :
" أنا أنتظر توضيحاً يا آنسة !!! "
قالت بتعلثم ولهاث بينما ضربات قلبها تخفق بعنف :
" أنا ....أنا ... أنا ... "
أجابها بنفاذ صبر بينما فتحتي أنفه تزفر الهواء بحدة :
" أنتِ ماذا ؟!!"
ابتلعت ريقها ودارت بعينيها في المكان كأنها تبحث عن مخرج لتلوذ بالفرار لكن للأسف لايوجد فهي محاصرة بإحكام وكأنها فارة وقعت في المصيدة ... عادت تنظر له وقد أظلم وجهه وهو ينتظر جوابها ... قالت بنبرة مذنبة :
" أنا ... حسناً ... لقد ... دخلت... قطتي ..هنا وأرد...ت ...إيجادها "
ارتخت ملامحه و رفع حاجبيه بدهشة وعدم تصديق بدى لها بهيئته وشعره الطويل الذي لامس كتفيه العريضان كقرصان من قراصنة العصور الوسطى جاء ليغزو البلدة ويخطفها كسبية حرب .. غزا الاحمرار وجهها وهي تتخيله يحملها على كتفه بيد ويحمل السيف بيده الأخرى يقاتل الجميع ثم يأخذها معه ليقبلها بقوة إلى أن يخطف أنفاسها ويجعلها تركع تحت قدميه كالجارية تطلب وصاله ... أفاقت من جنونها على صوته حين قال لها بنبرة هازئة وهو يكتف ذراعيه العضليان ويتكئ على إطار الباب :
" قطتك !! اممممم هل تعلمين أيتها الشابة الفازة التي كسرتيها كم يبلغ قيمتها ؟!"
نظرت له ببراءة وهي تجيب بعفوية :
" يمكنني أن أدفع لك .."
ثم تذكرت أنها لا تزال تبحث عن عمل وميزانيتها المالية لاتسمح لها بالتبذير لتكمل بتعلثم :
" أقصد أدفع ... ثمنها... على ...شكل د...فعات !"
هز رأسه باستخفاف ليعتدل بوقفته ثم تقدم منها ببطء شديد كأنه فهد يصطاد فريسته وقف أمامها ولأول مرة تنتبه لضئالة حجمها بالرغم من اكتناز قوامها مقارنةً بضخامة جسده المتكون من كتلة من العضلات المتناسقة ... وضع يديه على خصره وأجابها بصرامة :
" قيمتها المعنوية أغلى بكثير من قيمتها المادية "
سكت قليلاً ثم كتف ذراعيه ليكمل بخبث :
" إنها ملك لأمي رحمها الله وقد ورثتها من والدتها والتي هي بدورها ورثتها عن والدتها وهكذا يمتد سلسالها إلى جدة جدة جدة جدتي .. وهي تعتبر أثرية ورمز مهم للعائلة ؟!"
تمتمت بخفوت وهي تلوي فمها :
" إذا كانت بهذه القيمة فلم لا تضعها بخزانة مؤمنة ؟!"
قال بتساؤل :
" نعم ؟؟؟ ماذا قلتِ ؟!"
قالت بسرعة وبصوتٍ أعلى :
" كنت أقول أنا مستعدة لأي تعويض تريده .."
أجابها بمكر :
" هل أنت متأكدة من أنك تستطيعين التعويض مهما كان الثمن ؟!! "
هتفت ببسرعة :
" أجل سيدي متأكدة "
لايعلم من أين جائته الفكرة إذ قال لها باندفاع وتحدي :
" إذن عليكِ أن تعملي هنا لمدة شهر كامل من الصباح إلى المساء .."
قطبت بتوجس :
" ماهو نوع العمل الذي تطلبه سيدي ؟!"
هز كتفيه بلا مبالاة :
" لم أقرر بعد "
قالت بخفوت :
" وإن رفضت ؟؟"
قلب شفتيه بخفة قائلاً :
" أتصل بالشرطة وأتهمك بالسرقة والإزعاج !!"
نظرت له بحيرة وهي تشعر بأنها حوصرت بين المطرقة والسندان .. إنه مختل ومجنون قد يفعلها ويبلغ الشرطة .... جدتها المسكينة قد تنتكس حالتها إن علمت بتهورها وأعمالها الصبيانية .. تباً أين كان عقلها عندما خططت لهذا كله ؟!ليتها استمعت لتحذيرات جيسي ... ازدردت ريقها قائلة بقهر :
" حسناً سيدي وأنا موافقة "
ما إن سمح لها بالمغادرة حتى ظهرت ابتسامة منتصرة على شفتيه لقد صدقت الكذبة التي اخترعها بأمر الفازة الكرستالية .. تبدو مسلية وبريئة جداً .. ربما ستكون الأيام القادمة مسلية وممتعة قطب بسرعة وهو يهمس بجمود ماهذا الهراء الذي أفكر به أي تسلية سأشعر بها مع تلك البلهاء !!!
اتجه لغرفته وهو يتوعدها بسره بأشد أنواع العقاب لكي تحرم التسلل إلى بيوت الأخرين وإقحام أنفها بما لا يعنيها !!
خرجت من منزله وهي على يقين بانها وعدته بشيء سيكون صعباً عليها .. لكنها ستحاول قدر استطاعتها أن تحافظ على تماسكها وكبريائها . رباه لقد كادت أن تركع على ركبتيها وتقبل يده وتتوسله بأن يسامحها ما إن صرخ بوجهها بصوته الخشن .. كيف ستحتمله لمدة شهر ؟!!
هذا الرجل ليس سهلاً أبداً...
....................................
لندن
..........
زفر جون بضيق وهو يعاود الاتصال للمرة الثالثة و روسيندرو يتعمد إغلاق المكالمة بوجهه لقد ضاق ذرعاً من انطوائه وابتعاده الغير مبرر ... أحياناً يشعر به يتصرف كالأطفال ... حتى وإن أصيب بالجروح هذا لا يعني أن يحكم على نفسه بأن يعيش بمنفى .. وحيداً دون أصدقائه دون أناس يحيطون به لقد عرض عليه أن يشاركه في مشروعه الذي افتتحه ما إن ترك عمله في الجيش وبسبب روسيندرو ..فبعد أن تقاعد روسيندرو تعمد هو الأخر إلى ترك منصبه لأجل أن يكون مع صديقه إلا أنه تفاجأ من تغيره وحدته بالإضافة لقسوة كلامه إلا أنه لم يلقي بالاً فهو يعلم أن مصابه ليس هيناً عليه ... حاول ولأكثر من مرة أن يثنيه ويؤثر على قراره غير أنه كان عنيداً كالبغال لا يتزعزع أبداً .. اضطر لموافقته عله يشعر بالندم ويعود بعد بضعة أسابيع إلا أن إقامته امتدت إلى أشهر والأشهر إلى سنوات ومن الظاهر ألا أمل لعودته إلى الوطن أبداً ....
" ألم يجيب على المكالمة مرةً أخرى ؟!!"
كان ذلك هو صوت لوسيانا وهي تدلف إلى الداخل أصبحت تعرف طباعه فهي تعتبر الضلع المكمل لمثلث صداقتهم على الرغم من انسحاب جميع أصدقائه ما إن طردهم روسيندرو كأنهم كانوا ينتظرون منه ذلك إلا أن جون ولوسيانا بقيا على اتصال مستمر معه وإن كان رغماً عنه .... ومن معالم وجه جون عرفت أنه يتصل بروسيندرو وهو كالعادة يتجاهل الرد على اتصاله !!
غمغم بضيق :
" أجل كالمعتاد "
قالت بانزعاج واضح :
" أنا لا أفهم إلى متى سيبقى يتصرف بهذا الشكل ؟!!"
لم يجيبها بقي يعبث بهاتفه المحمول لتستطرق بهدوء :
" هل ستسافر له ؟!"
أومأ موافقاً :
" أجل سأعاود الاتصال به لاحقاً لأخبره بزيارتي "
أجابت متسائلةً :
" لِمَ لا تفاجئه بالزيارة ؟"
أجابها وهو يتنهد بعمق :
" أنت تعرفينه هو لا يقبل أبداً أن نزوره دون موعد مسبق "
تمتمت بحشرجة وصوت يحمل بطياته حنيناً وشوقاً :
" أجل لازلت أذكر تلك الخصله التي اكتسبها بعد الحادث "
رفعت نظراتها الزرقاء قائلةً برجاء :
" إن قررت السفر أرجو أن تخبرني لأسافر معك لقد اشتقت إليه كثيراً "
راقبها جون بإمعان وبرود قبل أن يجيبها باقتضاب :
" كما تشائين "
أومأت بابتسامة صغيرة قبل أن تقف قائلةً :
" حسناً سأعود إلى المكتب هناك الكثير من العمل بانتظاري .."
تطلع بإثرها بوجوم بينما عينيه عكست حزناً دفيناً هي لم تنتبه له ولن تنتبه أبداً !!
.................................................. ...
" هل أنت غبيه لارا !! "
قالتها جيسي بغضب وذهول لتكمل بقوة :
" كيف ذهبتِ لمنزله يا إلهي أكاد لا أصدق مدى تهورك وعنادك "
قالت لارا بخفوت وهي تنظر لجيسي نظرات مذنبة :
" ليس هذا فحسب ...."
نظرت لها جيسي وهي تكاد تشد شعرها من هدوء صديقتها :
" ماذا هناك أيضاً هاتِ ماعندك دفعة واحدة !!"
ابتسمت لارا ببراءة وهي تقول :
" سأعمل لديه لمدة شهر "
اتسعت عينا جيسي حتى كادت أن تخرج من محجرها :
- مااااااااااذا !!! ماذا قلتِ ؟؟؟ لم أسمع جيداً "
هتفت لارا بصوت أعلى :
" سأعمل عنده "
قالت جيسي وهي تتجه إلى الأريكة تجلس بإعياء :
" يا إلهي وتكررها على مسامعي أيضاً ... تعملين لديه !!!! لا هذا كثير سأصاب بذبحة صدرية وبسببك "
قالت لارا بضجر وهي تتجه وتجلس جانبها :
" لمااااذا !!!"
أجابت جيسي بذهول :
" وتسألين لماذا ؟؟؟ ألم تستمعي إلى الشائعات التي يطلقها الناس حوله هل أقصها لك من جديد ؟!"
أجابتها لارا بهدوء مثير للإعجاب :
" ها أنت قلتيها بنفسك شائعات ... هي مجرد شائعات جيسي لا شيء يدعو للقلق !!"
أجابتها بتوتر :
" إفترضي أن الشائعات كانت صادقة .. مالعمل حينها ؟!"
أجابتها لارا بخفوت :
" كلا جيسي هذا الرجل بريء مما يدَّعون ..هناك شي ما يؤلمه أستطيع أن أشعر بألمه ووحدته "
هزت جيسي رأسها بيأس :
" إذن أنت مصرة على العمل لديه ؟!!"
أجابت لارا بثقة :
" بالتأكيد ..لقد أخبرتك سبب عملي هناك أنسيتي ؟!"
تأفأفت بضجر :
" حسناً لارا إفعلي ما تريدين وأنا لن أتدخل لكن تأكدي من أني سأكون قلقلة عليك طوال الوقت عزيزتي "
طمأنتها بابتسامة ودودة رغم الخوف الذي يسيطر عليها من فكرة تواجدهما في مكان واحد ومنعزل :
" لا تقلقي صدقيني لايوجد مايثير الخوف أنت تتصرفين تماماً كجدتي من حيث قلقها الدائم "
أجابت جيسي بتنهيدة عميقة :
" أنت بمثابة شقيقتي لارا ... صدقيني رغم المدة القصيرة التي تعارفنا بها إلا أنني أشعر كأنني أعرفك منذ فترة طويلة "
أجابت لارا مؤكدة :
" وأنا أيضاً جيسي أشعر كأنني أعرفك منذ فترة طويلة "
قالت جيسي فجأة وكأنها تذكرت شيئاً مهماً :
" وجدتك !!!!! أنسيتي أمرها ؟! كيف ستخبريها وهل ستوافق على عملك لديه بهذه السهولة ؟!!"
قالت بهدوء :
" لم أنسَ أمرها بكل تأكيد ... جدتي لا تعرف شيئاً حول الشائعات التي تطلق عليه فهي لاتخرج من المنزل كما تعلمين لذلك سيكون إقناعها أمراً سهلاً "
قالت جيسي بتهكم :
" لقد أعددتِ كل شيء مسبقاً "
أجابتها لارا بمرح :
" كل شيء سيتم حسب المخطط "
تمتمت جيسي بعدم رضا :
" أرجو ذلك "
.......................................
بقدمين متثاقلتين دلفت إلى غرفة المعيشة جلست قرب جدتها التي كانت تجلس على الأريكة بجانب الموقد منهمكة بحياكة كنزة زهرية اللون ..قالت بابتسامة مترددة :
" جدتي أريد أن أخبرك أمراً "
أجابت جدتها وهي تركز على الحياكة :
" تكلمي حبيبتي أسمعك "
صمتت قليلاً وهي تفرك يدها بتوتر عندما انتبهت جدتها لصمت لارا توقفت عن الحياكة ثم رفعت رأسها ونظرت إليها بتساؤل :
" ماذا هناك لارا تكلمي؟!!!"
أجابت بتعلثم :
" في الحقيقة جدتي هناك ...هناك ..."
حثتها بهدوء :
" أجل ماذا هناك ؟"
قالت بابتسامة بريئة
" لقد وجدت عملاً"
تهللت أسارير جدتها وهي تضع الصوف على الطاولة وتلتفت لها بانتباه فهي كانت تدعو بسرها .. بأن توفق لارا بإيجاد عمل فمدخراتهم كانت ستنفذ منذ وقت طويل لولا تلك الخضراوات التي تزرعها خلف المنزل في الحديقة الصغيرة والتي تساعدها لارا بزراعتها والاعتناء بها !!
هتفت بسعادة جلية :
" حسناً هذا خبر مفرح حبيبتي .. إذاً لماذا أنت قلقة ومترددة ؟!!"
حكت شعرها بخجل :
" حسناً لم يتم تثبيتي بعد"
قطبت جدتها :
" لا أفهم "
أجابت بتردد :
" صاحب المزرعة قال أنه سيقوم باختباري لمدة شهر فإن وفقت سيجعلني أعمل لديه باستمرار وبأجر عالٍ "
قالت كلمتها وهي تشعر بالتأنيب لأنها مضطرة للكذب على جدتها الحبيبة ..قالت جدتها بتعجب :
" ستعملين بمزرعة ؟!"
أومأت بحذر :
" أجل .."
قالت جدتها وهي تراقب وجه لارا المرتبك :
" وماذا تفهمين أنت بعمل المزارع ؟! المزرعة تحتاج لقوة الرجال لا لأنثى ضعيفة ورقيقة مثلك !!"
هتفت لارا باستنكار :
" لست ضعيفة جدتي ثم أن العمل لن يكون قاسياً وصعباً كما تفكرين بل بالعكس تماماً مجرد مراجعة حسابات فقط "
كذبت للمرة الثانية سامحيني جدتي همستها بمرارة .. تنهدت جدتها بقنوط وهي تلاحظ حماسها لتقول باستسلام :
" حسناً عزيزتي إفعلي ما تريدين وأرجو أن توفقي في العمل لكن إن وجدتي صعوبة اتركيه فوراً "
هتفت بسعادة :
" بالتاكيد جدتي الحبيبة"
................................................
ما إن خطت إلى داخل منزله .. وتبين لها شكله في وضح النهار حتى انقبض قلبها ... كل شيء فيه كئيب وحزين ...جدرانه ستائره السجاد كل شيء كأنه يبكي بألم مع صاحبه ... كان المنزل يبدو أكبر من الداخل صالة واسعة.... صوره المعلقة كلها عبارة عن خطوط لا تعرف لها شكلاً محدداً ....... كأنها مجرد خربشات طفل...هناك غرف عديدة في الطابق السفلي وكذلك العلوي ... كانت هناك غرفة تقع بآخر الرواق في الطابق الأول لازالت تذكر كيف أمرها بحدة محذراً إياها من الوصول هناك :
" تلك الغرفة هي غرفتي ..إياك أن تقربيها أبداً مهما كانت الظروف لا أحب ان يعبث بأشيائي أي أحد .."
وكأنه قال هذا الكلام ليزيد فضولها همست بعبوس :
" تباً لك روسيندرو لماذا أنت غامض بهذا الشكل ؟!ومالذي يميزك ليجعلني أنجذب لك كما تنجذب الفراشات للضوء ؟! "
.........................................
نهايه الفصل الثالث
 

رواية رياح الذكريات لكاتبة رقية سعيد القيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن