المساء، في صالة منزل أشهم، الإضاءة خافتة، وربى تجلس على طرف الأريكة، ترتشف الشاي، بينما يجلس أشهم في الجهة المقابلة، نظراته مركزة على بقعة في الأرض، كأنه يغوص في ذكريات بعيدة.
ربى (بفضول):
أشهم... ما سألتك قبل، بس دايمًا كنت أبي أعرف... إيش بالضبط شغلك؟ مو بس عنوانه، التفاصيل. كيف يومك؟ وش تسوي فعليًا؟أشهم (يتنهد، يرفع نظره إليها):
كنت أعرف إنك بتسألين هالسؤال يوم من الأيام.ربى (تبتسم بخفة):
الحين يومه جاء.أشهم (ينظر في الكوب بين يديه):
أنا أشتغل في وحدة التحقيق الخاصة، نتعامل مع مجرمين، بس مو المجرمين العاديين... أقصد مو اللي تلاقينهم في الشوارع بس... أنا أحقق مع النوع اللي يضحك وهو يعترف، اللي يحكي عن جرائمه كأنها مغامرات. الناس اللي حياتهم قامت على إيذاء غيرهم.ربى (تصمت لثواني):
وهذا... ما يأثر عليك؟ أعني، نفسيتك... ما تتعب؟أشهم (بصوت منخفض):
كنت أظن إني ما أتأثر. كنت أقنع نفسي إن كل شيء تحت السيطرة. إن البشاعة اللي أسمعها تبقى في ملفات، ما توصل لقلبي. بس ما كان صح.ربى:
إيش كنت تسوي؟ لما تطلع من المكتب؟أشهم (يضحك بمرارة):
أرجع البيت... أقفل على نفسي. ما أتكلم مع أحد. أحيانًا ما أرد على أمي إذا اتصلت. كنت أعيش على أوامر... آكل، أنام، أشتغل... ما كنت إنسان، كنت أداة.ربى (تنظر إليه بشفقة واهتمام):
وأهلك؟ كيف كنت معهم؟أشهم (ينظر إلى الأرض):
كنت صارم... جدًا. كانوا يقولون عني "الجامد". ما كنت أعبر، ولا أبتسم، ولا أشارك. أخوي الصغير كان يخاف مني. أمي تبكي إذا زعلت، وأبوي... حاول يقرب مني، بس أنا بنيت بيني وبينهم حواجز من حديد. كأني كنت أعاقبهم على شيء ما سووه.ربى:
كنت غاضب؟أشهم (بهمس):
كنت ضايع. كنت أعيش في عالم ظلام، وكل يوم أكتشف أن في ناس أسوأ من اليوم اللي قبله. ما كان فيني طاقة أكون إنسان طبيعي... ولا حتى أخ.ربى (تقترب منه قليلاً، بصوت ناعم):
وش تغيّر؟ يعني... ليه تغيرت؟ أو خليني أقول... ليه تسمحلي أكون قريبة؟أشهم (ينظر إليها أخيرًا، بنظرة صريحة لأول مرة):
لأنك ما خفتِ مني. ولا حكمتِ عليّ. أنتي جيتي في وقت أنا كنت فيه مكسور، وأنا ما قلت لك، بس حسيتي. كل اللي حوالي كانوا يشوفون القشرة اللي بَنيتها، بس إنتي... شفتيني.ربى (بهدوء):
يمكن لأنك خلّيتني أشوفك.أشهم (ينظر إليها مطولًا، ثم يتنهد):
أول مرة أرجع البيت وأحس إن المكان مو بس جدران. صار فيه روح... أنتي. وأنا... أحاول أتعلم أكون أقل صرامة، أتكلم، حتى لو ما أعرف كيف. بس أتعلم.
