الفصل 12

26 0 0
                                    

" الحفلة المشؤومة : اجتياح براءة جسد 2"

ظلت سميحة متمددة على الفراش بلا حراك و يدها تعانق تلك الوسادة الفضيىة بينما وجهها ظل يغوص في أعماقها ، تسكر جسدها برائحة المعشوق الذي حرمت منه ، لتتحرك شفتيها بخفة و كأنها تدغدغ الوسادة و هي تفضفض لها بمكنونات قلبها وهي تقول بصوت لم يخلو من بعض الشهقات الناعمة .
" ليتني حظيت بفرصة النوم بين أحظانك ، أو حتى ملامسة أطراف أصابع يديك لو تعرف بأن رائحتك فقط تكفيني يا أحمد ، نظرة عيونك تخطف أنفاسي و لا تعيدها لي فأظل أتخبط في بحر مشاعر لا حدود لها ، لقد حرمتني من شئ سوف أظل أريده و أتعطش له طيلة حياتي , و الله لم أطر بأحلامي و أحلق بها عاليا لقد أحببتك و تمنيتك فقط لم أرد أكثر من هذا ، لم أطلب الكثير يا الله "
نزلت عبراتها تشق خدها بنعومة لتتشربها الوسادة التي بثت لها مشاعرها ، ثم تنفست أخيرا وهي تشعر بالراحة، لتعيد الوسادة إلى مكانها .
لتنهض بعدها بخفة من على الفراش و هي تمسح عينيها من أثر الدموع ، متجهة نحو الحمام و هذه المرة فتحت الباب متجاهلة النظر نحو تلك المرآة التي ربما تعكس ضعفها ،و لكنها أصلا لن تهتم مادام هذا الضعف بينها و بين نفسها . لتتجه نحو حوض الإستحمام
وهي تقول بصوت عادت فيه روح القوة و المقاومة
" لا بكاء بعد اليوم يا سميحة جففي دموعك ، فقدت أمك حبيبتك و فقدت نبض قلبك مع فقدان أحمد ، إنتهى الأمر من مات و دفن تحت التراب لن يعود ولو بكيت ليل نهار . آن لك التعود على هذا الأمر ، رحل الماضي و من معه و الحياة لن تتوقف على حزنك أنت "
ثم بدأت تخلع ثيابها وهي تشعر بأن تلك المياه التي أخذت تجري في وسط الحوض سوف تطهر قلبها و جسدها و تكمد جراحها الملتهبة و تطفئ تلك النيران التي إشتعلت و نشبت بداخلها و لن يطفئها سوى تخلصها من ريم فهي ما يربطها بالماضي الخاص بنفس وهذا ما تريد محوه ، أما رضوان فأمره سهل و سوف تعرف كيف تتعامل معه و لن يرفع رأسه أمامها مرة أخرى و بالأخير سوف يرضخ .
" ااااه يا نفس لم فعلت هذا متى الفكاك منك ؟
، لما لم تأخذي ريم معك أنا أراك كل يوم و كل ليلة أسمع صوتك يرن داخل أذني أراك بريم و أنا وأنا أريدك أن تموتي إلى الأبد لم أعرف بأنه مع موتك سوف يتزايد هذا الألم بداخلي أنت مرض مزمن و لقد أقسمت بأني سوف أتعايش و أتقلم معه رغم ألمه الذي ينخر جسدي و قلبي و يستنزف روحي بلا رحمة "
جلست داخل حوض الإستحمام بينما أخذت تلك المياه تتسابق لتغمر كامل جسدها ، لتتنهد براحة وهي تتكأ برأسها على الحوض من خلفها ، ثم أغمضت عينيها و قد شعرت بأن آلامها و أحزانها قد إختلطت مع المياه مودعة جسدها ، ظلت تتنفس برتابة و إرتياح و قد أوقفت ذلك المحرك الذي لا يكف عن إزعاجها بذكريات لا تريدها و لكنها تأبى تركها تظل تعذبها و تؤرقها بلا رحمة ، ذكريات صارت في غنى عنها , و لكن لعقلها و الماضي خطط أخرى لا تنصاع لخططها .
لتنزل فجأة بكامل جسدها تحت المياه حتى إختفى وجهها و غمر تحت الماء كاتمة نفسها ، في حين أخذت تلك الفقاعات بالتسابق نحو الأعلى.
ظلت هكذا لعدة ثواني ولكن ما أن فتحت عينيها حتى رأت آخر شئ تمنت رؤيته في هذه اللحظة ، وجه نفس ولكن ليس ذلك الوجه الجميل البشوش بل كانت مشوهة و عيونها قد فقدت تلك النظرات البريئة الطفولية ، لتحل محلها نظرات حقد و كره و لكن إختلطت ببعض الترجي و اليأس ، لتفتح سميحة عينيها هذه المرة ، تريد الخروج من تحت المياه و لكنها لم تستطع و كأن هناك شئ يشدها بقوة و يضغط على بطنها لتفتح فمها و تأخذ المياه مجراها إلى داخل جسدها ، ووجه نفس ظل يقترب منها ليلامس سطح المياه .
مع إقتراب وجه نفس ، بدأت سميحة تتخبط تحت الماء ، تضرب بيدها حواف الحوض في محاولة للتمسك به كي يساعدها على الخروج من تحت المياه و لكن دون جدوى .
لتفتح عينيها فجأة و هي غير قادرة على التنفس ، ظلت تنظر حولها برعب كالمجنونة و هي تتسائل هل ما عاشته الأن مجرد كابوس ، هل ما رأته حقيقة أم وهم صوره لها ذلك الضمير الذي يعاتبها كل ليلة . كانت تنادي و تردد بخوف و توتر و هي تستدير يمنة ويسرة .
" نفس ، نفس هل أنت هنا ، نفس إن كنت هنا فتكلمي "
لتمسح بيدها على كامل وجهها و هي تكمل
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، كل هذا مجرد هلاوس ووساويس لا شئ حقيقي لا شئ نعم أنت تحت التراب ، من مات لا يعود أستغفر الله العظيم ، أستغف. الله العظيم "
عادت لهدوؤها بعد أن تأكدت بأن كل هذا كان مجرد كابوس و هلاوس في لحظة غفوة منها
لتنهض بسرعة ، ولكن ما جذبها لحظة خروجها من الماء هو روب الحمام البني المعلق و بجانبه كان هناك واحد أخر باللون الوردي الفاتح ، شعرت بمشاعر غريبة ، تنميل بسيط في يدها للمسه وصوت داخلي يشجعها على ذلك لتتجه نحوه ثم رفعت يديها لتلتمس ذلك القماش، لتتراجع بعدها بتردد و هي تشعر بأنها تقوم بفعل شئ خاطئ و لكن بالنهاية بعد عدة لحظات من التردد إمتدت يدها لتأخذه و هي تشعر بالبرد يجتاح كامل جسدها لتقول في نفسها .
" لقد حرمت من أحظانك ، فلا تحرمني من هذا الشئ أرجوك ، لا تفعل هذا "
لتلف نفسها داخله ، شاعرة بدفئ غير طبيعي يتخللها ، فتجتاح جسدها و عقلها مشاعر غريبة مختلفة و متناقضة، إحساس غريب بالدفئ و في نفس الوقت البرود ، الضعف و القوة ،الألم و التلذذ به ، لم تستطع تفسيرها فقط دقات قلب إرتفعت بطريقة جنونية و أنف أخذ يشتم تلك الريح التي عشقتها و عقل توقف أو شل عن التفكير تماما و كأنها قد خدرت و كأنها حقا بين يديه و هو من يحاوطها تغوص في أعماق صدره ، مشاعر تجعلك تعجز عن تفسيرها لتستمتع فقط بحلاوتها ، تمنت لو تظل هكذا في دوامة مشاعر حلوة لا تستطيع تفسيرها أو حتى فهمها فقط مشاعر تجعل قلبها يطير سعادة لم تذقها أبدا ، ليت الوقت يتوقف في هذه اللحظة ليت ساعة الزمن تتوقف عن الدوران أو التقدم للأمام مخلفة الماضي خلفها .

حب بلا عنوانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن