بدأ ضوء الشمس يخفت شيئاً فشيئاً فنادت للقمر ليضيء المكان عنها ثم ذهبت تتأهب لنوم قيلولتها الطويلة مودعة السماء بلهيب أحمر طفيف .
وصل ميدو إلى المنزل بوجه هادئ ، طرق الباب ففتح يامي وأشرقت ملامحه برؤية ميدو وقال مبتهجاً :
"ياأهلا بشابنا المغوار هيا تفضل بالدخول ."
دخل ميد المنزل ولكن بدت عليه ملامح الحيرة فالمنزل كان هادئاً خالياً من أي صوت مزعج فسأل متعجباً :
"أين يارا . "
" إنها في المطبخ تعد طعام العشاء . "
"ممم؟ وهل أصبحت تجيد الطبخ ؟"
"نوعاً ما ."
قال يامي بابتسامة تخفي ورائها نوع من الإحباط ثم أردف :
"لقد استلمت أعمال المنزل لوحدها ،أصبحت نشيطة ."
لكن بينما كان يامي يكلم ميدو بانت عليه ملامح الدهشة بوضوح وهو يمحلق بجسد ميدو الجديد المشدود وساقيه اللذان نقشت الأعصاب متانتها عليها حتى أن بعض البقع الغامقة بقيت على قدميه كأثر من تدرييه الليلي القاسي وأيضا بعض الجروح على يديه من أثر التدرب على السكين في الصباح فقال منبهراً :
"ماهذا يا بني لقد أصبحت مختلفاً ، هل كنت تصارع أم ماذا ، مالذي فعلته بنفسك ."
"ربما ليس كذلك بل وجدت عملاً في أحد النوادي فأردت الاستفادة من هذا العمل بالتدريب . "
"أحسنت لم تطل المكوث كثيراً هناك وبنيت عضلات جسمك هكذا وأين يقع ذلك النادي ؟"
"لا أدري لكنه ليس بهذه المدينة إنه ناد قديم لكنه مفعم بالنشاط . "
عندها صرخت يارا وهي في المطبخ :
"إنني أسمع صوتاً مزعجاً من الماضي . "
فرد ميدو النداء وهو يتجه نحوها قائلا :
"ألم تفعلي كل شيء حتى تسمعي هذا الصوت الآن أصبح مزعجا . "
"كان وما زال مزعجاً ."
ثم نظرت إليه وأردفت ساخرة :
"لا تحتاج للترحيب لأني أرى أن غرورك تطور وأصبح تعجرف تحت ملامحك الباردة تلك هيا تعال وساعدني . "
"الضيف لا يعمل في وليمته ."
قال ميدو يرد سخريتها لكن يارا أفحمته بقولها :
"والضيف ضيف حين يعتبره أهل المنزل ضيفاً ، كفاك كلاماً وهيا ."
"لقد نضجتي حقاً بغيابي لابأس سأغير ملابسي وآتي . "
ذهب ميدو لغرفته ، فتح الباب فحرك ذرات الغبار ونثرها في الغرفة يبدو أن لا أحد دخلها منذ ذهابه ، وضع الحقيبة السوداء التي خبأ المخلوق الصغير داخلها وقال له بصوت خفيف :
"لا تحدث أي جلبة ريثما أعود اتفقنا . "
أجابه الصغير وهو يتقلب داخل الحقيبة:
"هل سأبقى طويلاً هكذا لقد اختنقت . "
"حسناً أخرج لكن لا تذهب خارج الغرفة ."
"هذا أفضل . "
ذهب ميدو واجتمع مع العم يامي وابنته يارا على مائدة الطعام بعد ما انتهيا منها وتبادلا أطراف الحديث والسعادة قد غمرت لم الشمل هذا ، سألت يارا باهتمام:
"أين ذهبت يا ميدو غيابك كان غريباً جداً ."
" وجدت مكاناً أعمل فيه وأصبحت أبيت هناك لكني جئت اليوم لأزور أهل هذا المنزل ."
" وكم ستبقى ؟"
"يومان بالكثير وثم سأعود . "
بدا عليها ملامح حزن لكن سرعان ما أخفتها وقالت :
"وفقك الله لكن عد لزيارتنا حين تتسنى لك فرصة مثل هذه ."
"ماهذا هل تشتاقين لي . "
قالت بتردد:
"بالطبع لا لكن كي تساعدني في الطبخ فوالدي مازال متعلقاً بطعامك الذي تطبخه هذا كل مافي الأمر . "
لم تجرؤ على القول بأنه يبدد الوحدة التي تسكنها طول غياب أبيها في عمله.
قال ميدو بعد ما أنهى طبقه من حساء الطماطم.
"هل يوجد المزيد يا يارا . "
أجابت بفخر:
"ماهذا هل أحببت طعامي لهذه الدرجة . "
"ليس باليد حيلة إما أن أكل منه أو أنام جائعاً . "
"حسنا أعرف أنك تراوغ سأذهب لأحضر المزيد . "
ولكن حين دخلت المطبخ دب صراخها المفزوع بصرخة وهي تقول:
"سحلية ضخمة . "
فهب ميدو بسرعة نحوها وهو ينادي:
"ذلك الحيوان الأحمق ."
دخل ميدو مندفعاً نحو المطبخ فوجد المخلوق الصغير وفي فمه قطعة لحم فطلب من يارا الخروج بسرعة كي ينهي أمره ، أطاعت يارا والفزع ما زال متعلقاً بها وخرجت لوالدها تستأمن عنده ، أغلق الباب وقال بنبرة تأنيب :
"ألم أخبرك أن تبقى في الغرفة مالذي دفعك للقدوم . "
ابتلع المخلوق قطعة اللحم وقال :
"لقد حرمتني من البلوط والآن تريد أن تحرمني هنا أيضاً هل تظن أنني أعيش على ضوء الشمس كالنبات . "
"آااه لقد نسيت أنك حيوان لاتفكر ."
صرخ المخلوق :
"لا تقل حيوان ."
"هيا أخرج من النافذة الآن وانتظرني كي أدخل غرفتي فتدخل من نافذتها . "
"لم أفهم ما قصدت لكن كيف سأخرج . "
أمسك ميدو من جناحه بقوة ورماه خاجاً وهو ينادي :
"هكذا . "
صرخ المخلوق الصغير :
"تباً لك أيها الوغد . "
وعاد ليطمأن يامي وابنته وأخبرهم أنه طرده من المنزل دون الإفصاح عن هويته .

أنت تقرأ
لعنة التناقض
Science Fictionلا يمكن جمع الشيء ونقيضه في مكان واحد ... لكن ماذا لو اجتمعا؟؟ النتيجة ستكون مخلوق كونتراست ......