أصابهُ التّوتر عند سؤالٍ كهذا، فهو لا يريدُ التّحدث عنْ ذلك الجوّ الخَانق من ذلك المشهد المُوجع وَالّذي سبب في اختلال نبضاتهِ، هُو يكرهُ أن يَذكر سوءَةَ أحدٍ أيضًا، إضافة إلى أنّ الأمر يُرجع لهُ صوت إغلاقِ البَاب من ذلك اليَوم الكَئِيب.
وُقوعه في شِباك الأنظارِ هذا لم يدُم طويلاً، فسرعان ما سلبها منهُ الصّغير إسلام بحديثهِ البَرِيء:
«طعم السّمك غَريب! أيضًا هو خالٍ من الملح»ردّ عليهِ ضياء بانفعال بينمَا يُسرع لسحب الطّبق من بين يديهِ:
«لا تأكل السمّكَ وتشرب اللّبنَ! فقد تُصاب بعسرِ هضمٍ»وَبّخه أواب بشدَّة:
«أيّها الشّقي كيف تتناول طعامَ غيركَ دون استئذانٍ حتّى؟ والآن قد تسبب بضرر لنفسك بأكلكَ السّمك، لمْ ينقصنا إلاَّ حماقاتك»سكنَ إسلام عن أيّ فعل عدَا ذرف الدمع الّذي مَلأَ محجريهِ، وَأخذ يُهوّل من المصيبة الّتي اقترفهَا.
لم تكن القسوة في توبيخِ أواب إلاّ تفريغًا عَمّا ألمّ بهِ من شُتاتِ التَّفكير، ولم يكن اهتمامًا حقيقيًا بأمر إسلام في تلك اللَّحظة، تدخل ضياء وربّت على كتف الصّغير وهو يُعاتب أوّاب:
«تذّكر أنه محضُ طفلٍ، وأنا من أَخطأ هُنا بتركِي للوجبةَ، لذا لا داعِي حقًا لكلِّ تلك الشّدَة، كما أنّني متأكدٌ من كونه لن يفعلها ثانيةً بإذن الله»
اختتم مواجهًا إسلام بابتسامةِ ودٍّ:
«أليسَ كذلكَ؟»ردّ عليه الآخر بانهيارِ السّدود، ممّا أدّى إلى ارتباكِ أوّاب وإلى نهُوض والدتهِ من السّرير والمسارعةِ إلى حملِ الصغير البكّاء ثمّ الرجوعُ والجلوس مع التربِيت عليهِ لتخفف عنهُ، خاطبت ابنها البِكر تستفهمُ منهُ:
«لقد بالغتَ يا أوّاب، وخصوصًا أنّك لا توبخه في العادة هكذا، أتسرقُ دَوري اليوم؟ ماذا دهاكَ؟»لاَنَ أوَّابَ لحالِ شَقيقه وامتدت أناملهُ باتّجاهِ رأسِ الآخر جوارهُ، في تلك اللحظاتِ القليلة الماضية كان يُنفِّسُ عن الداخل الّذي اكتظَّ بالقهر والعجز، نظراتهُ الخاطئة لِوجودُ مثالٍ للمثاليةِ يسبقه بمسافاتٍ طويلة رغم تعكّر ظروفهِ هِي منْ أطفأت النور عنْ جوانبهِ الحسنة، فَأضاع مفاتيح إحسان الظَّن بنفسهِ.
«لا إله إلاّ الله، لقد فقدتُ أعصابي! عليّ ألاّ أسترسل مع تلك الخواطر الآن؛ فهي ستفسد عليّ الوقت معهُ صديقي وأخي، كذلك قد تسبب في إساءَتِي للآخرين»وسَّد شَعر شقيقه الكاتم بكاءهُ على جسد والدتهِ وملامحه تنضح بالأسف لمَا فعل:
«إسلام أنا أعتذر حقًا، سامح انفعالِي ذاك، هيّا ارفع رأسكَ»
أنت تقرأ
النّبضة الأَخِيرَة
Contoبينَ جُدرانِ عَالمٍ يَغمره البَياضُ والألمْ اُحْتجِز طائرٌ كسيرُ الجَناح ينتمِي إلَى غيومِ السَّماء. وبفضلٍ من الله لَمْ يُغطِّ رمادُ الكآبةِ قلبهُ، بلْ كان يُضيء لنفسهِ ويشعلُ فتيلَ من حولهِ، حتَّى في أسوءِ تأرجحٍ لِحالتِهِ المرضية كانَ يسعى لإِبصا...