زمن الملوك والرعاع
البارت الاولتقول الأسطورة إن الإنسان بعدما ظن أنه سيطر على الأرض بالعلم والتكنولوجيا، كانت للطبيعة كلمة أخرى، أشبه بثأر قديم قررت استعادته. الزلازل هزّت أركان الأرض كما لو أن قلب الكوكب ينبض بالغضب، والفيضانات اجتاحت المدن والسهول كأمواج جائعة تبحث عن كل ما يعترض طريقها. ولكن الضربة القاضية جاءت من الإنسان نفسه، من تلك المفاعلات النووية التي بناها طمعًا في القوة. انفجرت المفاعلات واحدًا تلو الآخر، فحولت ما حولها إلى رماد سام، وكأن الأرض تتنفس الموت.
وفي وسط هذا الجحيم، كانت قارة واحدة تقف، متأرجحة بين البقاء والفناء، قارة إفريقيا. نعم، أفريقيا التي نجت بالكاد من قبضة الكارثة، ولكنها لم تسلم تمامًا. عانت من الأوبئة الفتاكة التي اجتاحت جسدها كمرض مزمن، وبات الناجون في قلة عددهم وكأنهم أشباح تتجول على الأرض. بعد أن كان تعداد سكان أفريقيا يتجاوز المليار والمائتي مليون نسمة، لم يتبقَ إلا عشرات الملايين، يكافحون ليبقى الجنس البشري على قيد الحياة، وكأنهم بقايا حلم حضارة كانت في يوم من الأيام.
مرت مئات السنين، وكانت القارة الناجية تعيش في حالة من الهلع والبقاء بالحد الأدنى. لم يكن البقاء على قيد الحياة أمرًا سهلًا، وكان كل يوم أشبه بمعركة جديدة ضد الموت، الذي أصبح ضيفًا دائمًا في كل بيت. لكن شيئًا آخر حدث، شيئًا لم يكن لأي أحد أن يتوقعه. تقلص عدد الرجال بشكل غامض، وكأن الطبيعة قررت أن تجعل منهم نوعًا نادرًا. مقابل هذا النقص الفادح في الذكور، وجدت النساء أنفسهن في مواجهة واقع جديد، حيث أصبح للرجال المتبقين سلطة مطلقة.
السادية، تلك النزعة الوحشية التي كانت تعتبر شذوذًا في العالم القديم، أصبحت هي القاعدة. الرجال الذين بقوا على قيد الحياة تحولوا إلى سادة، يمتلكون النساء كما لو كانوا يمتلكون الأرض والحجر. أصبحت الطبيعة البشرية أكثر قسوة ووحشية، وكأن العالم الجديد لا يسمح إلا للأقوى بالبقاء. الرجال الأقوياء باتوا يمتلكون الحريم، والكثير من النساء كن مجرد أدوات لإشباع تلك النزعة السادية التي تجذرت في نفوسهم. كانت سادية الرجل هي القانون الجديد الذي يحكم العالم، ولم يكن لأحدٍ أن يتحدى هذا النظام دون أن يدفع ثمنًا باهظًا.
وفي هذا العالم المنهار، انقسمت القارة إلى مملكتين عظيمتين: مملكة الشمال، ومملكة الجنوب.
# مملكة الشمال
كان شعار مملكة الشمال هو الذئب الرمادي، رمزًا للقوة، الوفاء، السرعة، والبراعة في الصيد. الذئب يُعرف بنظرته الثاقبة وقدرته على تحمل أقسى الظروف، وهو ما يعكس حال المملكة التي تعيش في شتاء دائم وقاسٍ، حيث لا تغيب الغيوم ولا تتوقف الرياح الجليدية عن العصف. كان الذئب الرمادي يجسد الشتاء، الظلام، والوحدة التي تتغلغل في كل زاوية من أركان هذه المملكة المتجمدة.
أنت تقرأ
زمن الملوك والرعاع
General Fictionفي زمنٍ طويت فيه صفحات التاريخ، حيث لم يبقَ من الحضارات سوى رماد، كان البشر ألدّ أعداء أنفسهم. أنهكتهم الصراعات حتى صارت الأرض ملطخة بذكريات الفناء والخسارة. الطبيعة، الصامتة منذ أمد بعيد، قررت أخيراً أن يكون لها كلمة، فهاجت وارتعدت، وأرسلت غضبها كع...