– منتهى الإهمال ودائمًا الشقة مقرفة، مثل وجهك!
– إذا كان ذلك يعجبك.
– احترمي نفسك وأنتِ تتحدثين إليّ يا دلال!
– ولما أضطر لذلك؟
– لأنني الرجل هنا أم أنك نسيتِ؟
– رجل؟! هيهيهيهي قال رجل قال!
– ما قصدك يا مرة أنتِ؟!!
– والله اسأل السرير وهو سيخبرك بقصدي.
قالت هذه العبارة وهي تصفق باب الغرفة في وجهه بكل ما أوتيت من قوة وجرأة وتمرد تاركة إياه في صالة البيت ومتجاهلة ما انهال به عليها من أوقح الشتائم وأقذر البذاءات وأعلى الصيحات!
في ذلك الحين كانت ابنتهما الوحيدة ريم في غرفتها متلحفة غطاءها ترتعد رعبًا وترقبًا لما يوشك أن يحدث في اللحظة القادمة، كانت ابنة السبع سنوات، وكانت بريئة هادئة لا تحب صخب والديها المستمر والمتجدد كل يوم، وتحب بدلًا من ذلك قصصها القصيرة. وكان عشقها لشروق الشمس لا يضاهيه عشق لدرجة أنها اعتادت الاستيقاظ مع أولى قطرات الندى لتترقب بتوق وشوق تجلي سراج الصبح حبًا بالشمس لما تراه في طلوعها كل يوم من المعاني ما لا تخبر بها أحدًا ولا يدركه غيرها.
كانت تملك من الملامح وقسمات الوجه ما يملكه وجه أمها، بشرة ذات لون القمح، وخدان ناعمان منتفخان انتفاخًا طفوليًا لطيفًا، وعينان خضراوان تنطقان بالأسى والجمال والجلد، فكان أبوها يرى بها نسخة ثانية من زوجه، ولذا كان يكن لها من المقت ما ينبغي لأب أن يكن لابنته من حب!
《هل ألقن إياها درسًا؟ لا ستتصل بإخوتها وسيتم تلقيني أنا الدرس! ماذا سأفعل بهذه الحرباء الهائجة؟ كيف أؤدب إياها وأجعلها تضع جزمة في فيها هذا الذي لا ينطق إلا بما يفت فيّ ويحطم ثقتي وكياني العالي الذي يعلوها هذه الحقيرة المتدنية التي لا تدرك قيمتي!》
ثم قام يضرب أرضية البيت جيئة وذهابًا ليروح عن نفسه، وكان صوت ارتطام قدميه يزيد من سرعة خفقان قلب ريم ويوقع بها الرعب والوهن، فباتت تتشبث بكلتا يديها في غطائها بقوة أكبر وتعضه بشدة، فجف حلقها وتلاشى منه اللعاب، وازدادت أنفاسها حرارة لما سمعت وقع خطاه العنيفة تقترب من باب غرفتها...
《 لا، لا، لا تفتح الباب أرجوك! لا أرجوك لا، لا شأن لي بمشاكلكما، يا رب أختفي من الحياة، يا رب أموت، يا رب أموت الآن، الآن وقبل أن يفتح الب...》
– أنت تمثلين أنك نائمة؟ يا لك من خبيثة مثل أمك!
قال ذلك بنبرة غليظة وهو يرفع عنها الغطاء بطريقة مفزعة، فنظرت إليه نظرة مرتعشة وكاد قلبها يتوقف عن النبض...
– أصليتِ العشاء اليوم؟
ولم تستطع أن تجيبه من قسوة الخوف وتأثيره عليها فصاح بها:
– انطقي!
فازدردت ريقها وأجابته بصوت كسير مرتعش:
– لا، نسيت.
– طيب قومي، قومي!
أصدر هذا الأمر بنبرة مخيفة متوعدة وهو يقبض على شعرها ويشده، فقامت مستسلمة وهي تكبت البكاء والصراخ كي لا يزيد مما يرتكبه بها، ولما قامت ألقى برأسها بعنف صوب الباب قائلًا لها:
– تحركي!
ثم نظرت إليه وهي تفتح الباب محاولة استكشاف ما ينوي فعله، فأردف قائلًا فيما يشبه الهجوم:
– أما زلت واقفة عندك؟!! تحركي وتوضئي يا نجسة يا ابنة النجسة!
ثم تقدم نحوها ففتحت الباب بسرعة لتفر منه، بيد أن قدمه المتوجهة صوب مؤخرتها كانت أسرع من خطوتها، فوقعت إلى الأمام على ركبيتها من قوة الركلة، واستندت بيديها على الأرض متحاشية ارتطام وجهها بها، ولم يكن في اتساعها من القوة ما تكفي لكبت البكاء الذي شرعت فيه تلقائيًا وبصوت عالٍ مسموع.
خرجت أمها من غرفتها مهرولة مفزوعة وقد علمت بما حدث لابنتها لما سمعت بكاءها.
– وما ذنبها هي يا مفتري؟
– قلت لك مئة مرة لا تتدخلي بيني وبين ابنتي! ولما أضربها ثانية تزعلي ويعل صوتك وصياحك وردحك!
– طيب أرني هكذا كيف ستضربها ثانية!!
قالت ريم في نفسها:
《 ما ذنبي؟ ما ذنبي أنا أيها المتوحشان؟ تتحديان بعضكما وأكون أنا ضحية هذا التحدي؟ ماذا تريدان مني؟ اغربا عن وجهي! يا ليتني مت قبل هذا، يا رب أمتني، أمتني يا رب وخلصني منهما.》
وقالت لأبيها بصوت باك راج مرتعب:
– أنا آسفة يا بابا، والله سأصلي كل الصلوات من اليوم، بالله عليك لا تضربني!
وليت هذا كان السبب فيتركها وشأنها، ويرحمها مما حل عليها من رعب وموت! لكنه لم يلق لقولها بالًا، فكل ما كان بقلبه هو الغل والرغبة في الانتقام ورؤية الدماء والتلذذ بالتعذيب ليطفئ غليله ولهيبه، وليشعر نفسه بقيمتها ويرفع من قدرها بعد أن نزلت إلى الحضيض منذ قليل! ولهذا أمسك شعرها بيده اليسرى وشده بأقصى ما أوتي من قهر وبأس ليطوي رأسها لاطمًا خدها الأيسر عدة لطمات متتالية وسريعة صرخت على إثرهم صرخة مفجعة، وانفجرت شفتها السفلى بالدم...
فاندفعت الأم نحوها بلا تردد وجذبتها إليها قائلة له:
– أنت لست إنسانًا، أنت حيوان!
– ألم أنهك عن التدخل فيما لا يعنيكِ؟
– أهكذا أصبحت رجلًا؟
– أما زلت تصرين على هذا؟! طيب تعالي يا ريم!
قال ذلك متوجهًا -بعيني الضبع المنقض على أحشاء غزالة- نحو الطفلة المحتمية بظهر أمها، ثم تراجع فجأة وذهب إلى البلكونة... وكانت الأم تحتضن ابنتها وقد سمعتا صوت ارتطام وتكبكب أشياء بالداخل. في تلك اللحظات كانت ريم فيما يشبه حالة مدينة دمرها قصف غشيم وما تزال مترقبة المزيد من الدمار!
ظهر فجأة خارجًا من الغرفة بيده عصا خشبية طويلة وسميكة وصلبة كأنها جزع شجرة عجوز...
– اتركيها وابتعدي عنها وإلا كسرت عظامك أنتِ أيضا!
– لا لن أتركها، وافعل بي ما شئت!
– طيب أنتِ حرة!
وعدل من وضع العصا وتمكن من الإمساك بها، ثم رفعها وهوى بها عليهما. تحركا للوراء بسرعة فلم تصب الضربة أيهما، وازداد غيظه تأججًا وقال:
– لما أقول ابتعدي تبتعدي!
ثم قبض على تلابيب عبائة دلال وجذبها نحوه ليلقي بها إلى الوراء، ورفع العصا ثانية وقبل أن يضرب ريم بها أمسكته زوجه من كتفه وحاولت ردعه بسحبه للخلف، بيد أنه التفت إليها ودفعها بكامل راحة يده الغليظة في وجهها بعنف فتراجعت بضع خطوات وترنحت ثم سقطت أرضًا ليرطتم دماغها بالنيش، ولما عز عليها القيام مجددًا من أثر الاصطدام أخذت في الصراخ والاستنجاد بالجيران!
– اسكتي!
ولكنها لم تستجب له واستمرت في الصراخ.
– اسكتي، وإلا ستجنين على ابنتك!
ولما لم تتوقف توجه صوب ريم التي كانت تموت رعبًا وبكاء وأحكم قبضته على العصا ثم وبكامل عزمه وبطشه ضرب ساقها ضربة عنيفة شديدة العنف والقوة أدت إلى كسر مفجع...
صرخت ريم صراخًا لم تصرخ مثله في حياتها، وظلت تصرخ وتصرخ، حتى تجمع ثلاثة رجال من الجيران حول الباب؛ أحدهم شابٌ طويل عريض المنكبين ذو وجه عريض وجبين أبيض يدعى سامي ورجلان آخران يبدوان في الأربعين من عمرهما، وأخذوا يقرعون الجرس ويضربون على الباب!
– اخز الشيطان يا عم سيد، واهدأ!
– لا شأن لكم، هذا بيتي وأنا حر فيه.
– يا عم نحن نعرف ذلك ولكن افتح ونحلها سويًا.
– قلت هذا بيتي ولو حاول أحدكم الدخول أو كسر الباب سيحدث ما لا تُحمد عواقبه...
فترددوا وفكروا مليًا ثم قال أحدهم:
– أنا رأيي نتراجع، بدلًا من أن تحدث كارثة.
بدا على الآخر أنه يوافقه وقال له:
– على رأيك، والشرطة أكيد ستأتي وحينها يحلون المشكلة بمعرفتهم...
ثم ضغط سيد بيده على ساق ريم ليزيد من ألمها ويعلو صراخها كي يحثهم على تصديق ما أنذر به وما ينوي على فعله. لما سمعوا ذلك الصراخ قال سامي:
– هل سننتظر هكذا إلى أن تأتي الشرطة؟ أين أنتم من النخوة والمروءة!
– أليس هذا أفضل من الفوضى وتفاقم المشكلة؟
– آه يا جبناء!
– أرنا ما بوسعك أن تفعل أنت يا عم الباسل المقدام!!
– نعم سأريكم...
ثم اندفع نحو الباب بكامل قوته وصدمه بكتفه فلم يُكسر، ثم حاول ثانية وثالثة غير مبال بإنذار الرجلين الآخرين ومن تحذيرهم له من عاقبة تهوره...
ولما سمع سيد هذا الاصطدام المتكرر بالباب جن جنونه وشعر أنهم لا يبالون بما توعدهم به فاندفع نحو ريم وأمسك بعنقها قابضًا عليه وخانقًا إياها، وفي ذلك الحين سار الرعب في دماء أمها التي كانت مستلقاة على الأرض وحثها الخوف على النهوض لتنقذ ابنتها التي تحتضر تحت يد أبيها! عضت دلال بغِلٍ يد سيد التي كان يخنقها بها، فترك ريم وأمسك بالعصا وضرب رأس زوجه، بيد أنه لحسن حظها أن الضربة لم تكن بالقوة التي قد تكسر دماغها بل أغشي عليها فحسب.
توجه سيد نحو ريم ثانية وقد سيطر عليه الهلع والجنون، فقبض على عنقها مجددًا، وفي تلك اللحظة كان سامي قد نجح في كسر الباب واتجه بسرعة نحو سيد الذي التفت نحوه فجأة وترك ريم قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فركضت تلك الأخيرة -رغم ما بساقها من ألم فظيع- نحو إحدى الغرف تأوى إليها.
وبدأ العراك بين سامي وسيد واحتدم احتدمًا سريعًا، وكان النصر يميل إلى جانب سامي منذ بداية الالتحام لما لسامي من قوة أكبر وشباب أعز، فتمكن من طرحه أرضًا ولكمه لعدة مرات. كان الرجلان يشاهدان تلك الحرب ولم يجرؤ أحدهما حتى على الدخول وفض النزاع، وفي أثناء ذلك كانت الشرطة قد وصلت. وما إن سمع الرجلان صوت سرينة سيارتها حتى رمقا بعضهما بنظرة أدرك بها كل منهما مراد الآخر، فانصرفا إلى شقتيهما في الحال وأوصدا الأبواب بسرعة.
أسرع الشرطيان بارتقاء الدرج ولما وصلا إلى باب الشقة وجدا سامي معتليًا سيد الذي كان ملقى على الأرض ويخنق إياه!
– قف عندك أنت وهو!
قال أحد الضابطين ذلك منطلقًا نحوهما بسرعة وقبض على ذراع سامي الذي استفاق فجأة وصُدم من بشاعة موقفه وقبل أن ينبس سامي بكلمة خطرت على بال سيد فكرة شيطانية ما لبث أن نطق بها:
– حمدًا لله أنكم أتيتم بسرعة يا باشا، هذا الشاب تهجم علي أنا وزوجتي وابنتي واعتدى علينا وضرب زوجتي ضربة كادت تصرعها، ولا أعرف ما حالتها الآن!
دوت هذه الكلمات في نفس سامي دويًا مفجعًا وشعر أنه يترنح ويتهاوى ثم قال بسرعة:
– كذب، كذب يا باشا والله كذب كان هو الذي يضربهم ويعتدي عليهم وقد تدخلت لإنقاذهم.
– يا باشا هذا ليس معقولًا وإليك ما يثبت أنها شقتي.
وذهب مسرعًا صوب غرفته، ورمق ابنته -التي كانت تجلس مرتعدة بتلك الغرفة- بنظرة مرعبة متوعدة وناذرة إياها بالهلاك إن فتحت ثغرها، فما كان منها إلا أن صمتت باستسلام. خرج ببضع أوراق وعرضهم على الضابط الذي قال لسامي بعد تفحصهم:
– تفضل معنا.
– يا باشا كذب، كل هذا كذب ويوجد شهود إن أردت أن تتأكد.
– أين هم؟
ونظر سامي بالخارج فلم يجد أحدًا.
– كانوا هنا، كانوا هنا منذ قليل.
– تفضل معنا وكفاك مراوغة.
قال الضابط ذلك وهو يقبض عليه بعنف مكبلًا يديه بالأصفاد.
– يا باشا لحظة، لحظة واحدة... أحد هؤلاء الشهود يقطن في الشقة التي تعلونا مباشرة، هلم نسأله يا باشا الله يبارك لك!
– طيب.
..................................
لما فتح جاره الباب قال الضابط:
– سلام عليكم، أكنت حاضرًا ما حدث بالأسفل؟
نظر إليهم بخوف، ولذات الحجة التي منعته من إنقاذ الطفلة ولنفس السبب الذي جعله ينصرف منذ قليل قال للضابط:
– لا أعرف شيئًا عن هذا لقد كنت نائمًا وأيقظني صوت السرينة! ماذا حدث؟!
صُدم سامي صدمة كادت تغشيه وقال بلهفة وخوف وارتباك:
– يا عم لبيب اصنع معروفًا! ألم أكسر عليهم الباب لأنقذهم منه؟
– والله يا باشا أنا لا أعلم عما يتحدث. فكما أخبرتك لقد كنت نائمًا لأن ميعاد عملي مبكر ولا أريد التأخر...
– طيب طيب، نعتذر على الإزعاج، وأنت تفضل معنا بدون كثرة كلام!
شعر سامي بالأسف الشديد والخزي، ما هؤلاء؟ هل أولئك من فصيل البشر؟ هل أضاعوا إنسانيتهم ورضوا بالخضوع والهوان؟ إنهم هكذا دائمًا يتحدثون عن الحرية والشجاعة والبطولة والأخلاق الإنسانية كافة ويتظاهرون بامتلاكها طالما أنه ليس هنالك ما يهدد أمنهم وخمولهم...
وقبل أن يستسلم وهو يهبط مع الضابطين الدرج وثبت إلى باله فكرة تعجب لعدم تنبهه إليها مبكرًا ثم تراجع عنها بعد أن شعر بضياع الأمل قائلًا لنفسه:
《 وما سيجدي ذلك؟ وما عساه أن يقدم؟ ماذا سيجدي سؤالهم للطفلة إذا كان الحمير الكبار الذين لا سلطان لذلك الكائن الحقير عليهم قد خافوا من التورط؟ فما بالك بتلك الصغيرة المقهورة؟》
ثم بلا دراية منه بما بعث الأمل في نفسه قال:
《 ولكن ما يضرني؟ سأحاول، سأحاول حتى الرمق الأخير...》
– يا باشا طيب آخر طلب، لأنني أقسم لك أنني بريء... أريد فقط أن تسأل ابنته، لقد كانت حاضرة المشهد من أوله لآخره!
نظر إليه الضابط متعجبًا:
– أنا لم أرها!
– نعم، في الأغلب كانت متخفية في إحدى الغرف من خوفها، ولذا لم يخطر ببالي أن نسألها.
تفكر الضابط مليًا، وكان على وشك أن يرفض لما ضاق ذرعًا به ولكنه قال:
– ولكن بعدها ستسير بدون أن تنبس بكلمة، تمام؟
– تمام.
وأثناء نزولهم ظل سامي يدعو الله بحرقة ويرجوه أن يكون معه وألا يكله إلى هؤلاء طرفة عين. وكان قلبه متوجسًا تائهًا مرتعدًا، بيد أن بأعماقه كان ينبعث نور اليقين بالإجابة!
.............................
– لو فتحتِ فاك بكلمة واحدة سأذبحك! فاهمة ماذا تعني سأذبحك؟!
قال ذلك لريم بعد أن سمع الجرس وعرف أن الشرطيين قد عادا.
– نحن متأسفان ولكنه يدعي بأن ابنتك كانت شاهدة على ما حدث ونريد أن نسألها...
تردد سيد قليلًا ثم قال بارتباك:
– والله يا باشا هي متعبة الآن مما حدث ومستلقاة على سريرها لا تستطيع حراكًا.
نظر إليه الضابط مشككًا في أمره وسار في الشقة باحثًا عنها وقال بهدوء وفيما يشبه المكر:
– أين هي سندخل إليها بأنفسنا...
وقبل أن يتفوه سيد بكلمة أخرى، لمحها الضابط من باب الغرفة الموارب فدخل إليها وسألها:
– ماذا حدث؟
نظرت إلى أبيها الذي دخل وراء الضابط مباشرة وبسرعة. ولما لم تنبس من الخوف سألها سيد بنفس النظرة:
– ألم يتهجم علينا هذا الرجل ويكسر علينا الباب؟
– قولي الحقيقة بالله عليكِ ألم أتدخل لإنقاذك؟
– اسكت منك له، لم أسأل أحدكما، فلا تتكلما بدون إذن!
ثم نظر إليها وسألها:
– هل هجم عليكم بالفعل؟
فتوترت توترًا شديدًا وكان الرعب يسري في عروقها كالبرق وسكتت قليلًا ناظرة إلى أبيها الذي يفتك قلبها بنظراته الثاقبة المخيفة، فما كان منها إلا أن أومأت برأسها!
– حرام يا باشا والله حرام، هو يخيفها ويرعبها ويهددها!
– تفضل معنا بدون كثرة كلام وإلا ستضطرنا لاستخدام العنف.
فسكت وشعر بندم وخزي جسيمين، وتساءل هل كان عليه حقًا أن يتركهم وشأنهم كما أنذره الرجلان؟! وعلى كل فقد استسلم ونظر إلى ريم نظرة أليمة وكانت الدموع تتلألأ في عينيه كأنه يلومها ولكن ليس بحدة. وغادر الغرفة تاركًا في نفس ريم ما حركته هذه النظرة بداخلها فقالت في نفسها:
《 إلى متى ستظلين هكذا؟ إلى متى ستظلين على هذا القدر من الجبن؟ هل تظنين أنه هكذا لن يضربك ثانية؟ بلى، سيضربك والله سيضربك. هذا المتوحش يجب وقفه عند حده بأي شكل وبأية طريقة كانت! سأخبرهم بالحقيقة الآن وليحدث ما يحدث... ولكن ماذا لو ذبحني؟ لا لن يذبحني سيقبضون عليه في الحال ويدافعون عني وعن أمي... ولكن من الممكن أن يذبحني بسرعة قبل أن يمسكوا به، إنه شرير جدًا سريع الانفعال ويفعل ما يريد دون أن يردعه أحد! ولكن ما ذنب هذا المسكين؟ إنه بطل، بطل دافع عني وأنقذ حياتي، أيكون ذلك جزاءه؟ ثم لقد رأيت الدموع في عينيه، لقد كان يبكي! يا له من مسكين! لا لن أتركهم يأخذونه ولا يهمني ماذا سيفعل بي أبي المهم أن أنقذ صاحب القلب الطيب والشجاع هذا.》
ترددت ريم قليلًا وأوجست في نفسها خيفة من قرارها هذا. ثم وبعد أن رأتهم قد انتهوا من الردهة وقبل أن يُغلق باب الشقة سرت نوبة جرأة غير عادية في جسدها وقامت منتفضة من سريرها وركضت نحوهم مكابدة ومعاندة ومتحملة قسوة ألم الكسر في ساقها وما إن اقتربت منهم حتى صاحت بروح ثائرة متمردة غير مكترثة لعاقبة ما تقدم عليه:
– انتظر! انتظر لحظة يا عمو البوليس! لقد كان هذا الرجل يدافع عني بالفعل ولم يكذب عليك، بل أبي هو من كذب وهو من اعتدى علي وعلى أمي وضربها بالعصا لما حاولت أن تدافع عني؛ ثم حاول خنقي بعدها، وكدت أموت لولا أن هذا البطل أنقذني من يده. وأنا والله لم أستطع قول هذا كله لأنه أرعبني وتوعدني بالوعيد وقال لي لو نطقتِ بأي كلمة سأذبحك!
إنه شرير...
شرير وقاسٍ...
شرير وقاسٍ ومجرم يا عمو البوليس!
(تمت)