الحلقة 29

456 30 27
                                        

ربى مستلقية على أريكة قطنية قرب النافذة، وجهها شاحب قليلاً ولكن عيناها فيهما نور الضحكة. البطانية تغطي نصف جسدها، إلى جوارها الجدة، وبنات العم، ثم يدخل صقر لاحقًا.]

ربى (بصوت خافت لكنه مرح):
أين أنتم جميعًا؟!
هل كنتم تظنون أن المرض سيكسرني؟
بل أنا من يكسر الملل حتى في سرير المرض!

الجدة (ترفع حاجبيها بتصنع الغضب):
وها قد بدأتِ في الثرثرة كعادتكِ،
أما آن لكِ أن ترتاحي؟!

ربى (تبتسم وتتوسّد ذراعها):
وكيف أرتاح وقد اشتقتُ لصوتكِ وأنتِ توبخينني؟
اشتقتُ حتى لغمزتكِ التي تسبق العراك!

الجدة (تتنهد):
يا بنتي، والله لو لم أكن أحبكِ لما صبرتُ على لسانكِ الطويل!

ربى (تضحك بخفة):
أعلم يا جدتي، وإن كنتِ ترفضين الاعتراف،
فأنا مصدر البهجة في هذا البيت، أليس كذلك؟!

ريام (من بنات العم):
بل مصدر الإزعاج أيضًا،
لم يمر يوم منذ مرضكِ إلا وقلقنا عليكِ،
والآن ها أنتِ تمازحيننا وكأنكِ خرجتِ من سباق، لا من مستشفى!

ربى (بفخر مصطنع):
الحياة لا تنتظر،
وإذا لم أضحك، فمن يضحك؟ أنتم؟ أنتم تبكون حتى في حفلات الزفاف!

[ضحكة جماعية تعمّ المكان، وفجأة يدخل صقر وهو يحمل كوب قهوة ويجلس على طرف الأريكة المقابلة.]

صقر (يرفع حاجبه):
يا سبحان الله، لم تسلم منكِ حتى الأسرة البيضاء!
ظننا المرض سيجعلكِ هادئة، فإذا بكِ تقلبين البيت رأسًا على عقب!

ربى (تبتسم له بخبث):
صقر…
ما جدوى المرض إذا لم يُستخدم لطلب الدلال؟
ثم من قال إنك ستسلم مني؟
أنت بالذات، لديّ معك حساب طويل من السخرية المؤجلة.

صقر (يضحك):
إذن سأطلب من الطبيب أن يعيدكِ إلى غرفة العناية!
ربما يخمد طاقتكِ قليلاً!

الجدة (تهز رأسها):
أقول لكما، هذه البنت شيطانة،
لو خُيّرنا بين مرضها وصمتها، لاخترنا ضجيجها حتى وهي تتألم.

ربى (تهمس للجدة):
يا جدتي…
ما دام صوتكِ حولي، فحتى الألم يتراجع.

ريام (تتأثر وتبتسم):
ربى…
أنتِ وإن أتعبتنا بخوفكِ علينا،
إلا أنكِ نورتِ قلوبنا برجعتكِ.

ربى (بنبرة عاطفية):
أنا لا شيء من دونكم…
وكل ضحكة فيكم… دواء.

صقر (يرفع كوب القهوة ويقول ممازحًا):
إذن، نخب الشفاء يا سادة،
ولنحمد الله على أن ربى عادت…
بلسانها الطويل، وقلبها الكبير!

الجميع (يضحك بفرح):
هههههههههههه!

ربى (وهي تغلق عينيها بهدوء):
ابقوا قربي دائمًا…
فالضحكة التي لا تشاركوني بها، لا أريدها.

وراء الضوء الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن