120

196 6 0
                                    

اليوم الثاني صبح رابع أيام العيد ..
حسناء في آخر محاولاتها مع قلب جابر : عيالي يابن ضيف الله تراني في وجهك ماطلبتك شيء من قبل ولا طيحت وجهي قدامك غير اليوم
بقسوة جذب كتفها : اصص يومهم حوالينش كنتي تبخلين بالعطف كانو في جهة وانتي والهم اللي مايفارقش في جهه !
لترد هي : وهو عشان الغم اللي سكن جوفي تركتهم فرحت يوم لقيت لهم مكان لهم فيه ضحكة وقلب وحب ، حضني ماينفع يبقى لأحد حضني فيه عدوى اخاف يتشربونها ولهالسبب هجرتهم
لم يقتنع جرها من ثوبها لعتبة بابهم وهتف بهمس قاتل : يوم تحسين ان هالحضن صالح لناس تعيش فيه وعيونش تلمع بشيء ثاني غير الحزن والغم تعالي دوريهم !
صرخت فيه بآخر صوت يمكن يهزه يمكن يوعيه يمكن يجذبه للبقعة اللي تحوي غمها المضمور واللي خرجت علاماته على وجهها فقط صرخت :لا تجور علي لا تجور يابن ضيف الله يكفي ضيم الدنيا
رماها وهو مغمض عيونه عمداً ، وهو يقاوم قدر الإمكان يقاوم الرضوخ صرخ لعتيق الصامت ولصفية الباكية : ابعدوها من هنا ابعدوها تكفون
نفضت يد صفيه لترفع يدها حاولت تتسلح بقوة بعيدة كل البعد عنها : عيالي لا يزور قلبهم ضيم ولايبكوني ، قولو لهم أمكم تخلّت ، أمكم هربت لمكان بعيد تدور مكان تضحك فيه ، يمكن زعلهم مني وعتبهم يخفف لوعة الفراق ، يمكن من أسباب الزعل مايبكوني
خرجت وقد جمعت أطراف عبائتها ، خرجت بيد خاوية وبقلب متشرب مآسي جديدة وقصتها مع الفراق لن تنتهي، وقصتها مع القسوة تتمدد مع كل شهقة تتنفسها ، خرجت من هذا البيت بلا متاع خرجت وقلبها وراها وجوارحها قابعة بنفس المكان اللي تمرد ونفاها ، خرجت لتبقى مشاعرها حبيسة لتلك الجدران، روحها أبت تهرب روحها بقيت لتشارك أطفال قلبها حزن الغيبة المهم تلمحهم حتى ولو كانت هامدة صامتة بلا حراك، تركت روحها هناك من أجل جود وماجد ، تركت ثيابها المتشربة برائحتها يمكن تكون سلوى لقلب أحد طفليها ، تركت ربطتها الحرير لأن جود تنام وهي ملتفه على أصابعها، تركت كل الأشياء العائدة إليها وهربت بجسدها فقط ...
مشت درب طويل ساكنة مستسلمة وقفت السيارة بأطراف قرية جبل الهزم قالت بصوت بارد خالي من الحياة وصلنا بنزل وانتو الله يستر عليكم ..

إستيقظ ماجد وهو يتحسس رأسه ،، دفا يدين أمه ضاع ! حتى لو شحّت الأيام الماضية وصدّت كان يقتحم لحافها ويتوسد يدها يسرق له دقائق من دفاها ويعود للحافه ، لكن اليوم الرائحة غابت إستيقظ على لفحة برد قوية ركض ببجامته في الحوش الفسيح وهو ينادي " أمي " الصمت كان رد النداء لصوته العالي ، صمت الأشجار والجدران والوجوه اللي تراقب ضياعه ، ركض لبيت أمه الصغير لركنها المفضل ، المكان خالي منها ركض للمطبخ كان مظلم والشباك اللي توقف خلفه تراقب أشجار الحوش من خلاله مغلق ومهجور ، حتى أثرها اختفى خرج وهو يصرخ في الوجوه الصامتة وين أمي ؟
أمي وينها !
ليجد الصمت ، ركض بدون حذاء ركض هباء ، أمه رحلت بدون لا توادعهم ، قبل تلثم كفوفه وقبل يلثم شعرها ، ركض وهو يتبع أثر سيارة جدهم ضيف الله ، ركض وهو متطمن أن أمه فيها ،
ركض مسافة بعيدة خلف سيارة ضيف الله اللي وأخيراً انتبه
وقف جده وهو مفزوع من ركضات ماجد وصوته الصاخب اللي وصله وهو يقود سيارته وقف ونزل ليستقبل ماجد الباكي : جدي ضيف الله أمي أمي وينها ؟ وعيت ولقيت الدنيا خالية منها ، جدي ماجاوبوني من الصبح اسألهم وينها مافيهم من جاوبني ، طالبك ياجد وينها !
شد مقدمة ثوبه وهو يبكي بحسرة : ماني صغير لا تسايسني أدري انها حية وتتنفس ، أدري انها في مكان بعيد من هنا بس وينها وليه راحت؟
ضمه ضيف الله ضمه لصدره وهو عاجز يجاوب دموعه ، وهو عاجز يداوي لهفته ، وهو عاجز يجمعه بسره ، ضمه ضمه صامته مسح دمعه بشماغه همس له : لاتجزع يابوي لا تبكي عيونك عساني قبل عينك ..
ماجد وهو يشهق : وش اللي بعد أمي ؟ قول ياجدي وش بعدها ؟ كل البيبان مقفلة كل الأماكن موحشة وش يبقينا هنا ؟ مالنا مكان مافيه صوت لأمي ولا لنا حضن مافيه ريحة تشيل ريحتها ، جدي كيف تنام عيوني ؟ ليه ماحسبت حساب كل اسئلتنا وراحت !
طفرت دمعة حارة من عين ضيف الله لهذا الصبي اللي انكسر من رحيل وجه أمه .
تعال يابوي نشبّر كل الأماكن وندورها تعال نتبع أثرها خطاويها ، قريبة يمكن وتختبر غلاها ، يمكن ترجع بكرة ، لا يمكن تغيب الشمس وهي تحضر
هز رأسه برفض : أمي جربت كل الفصول وهي تتوجع ولا خطر ببالها تغيب !
نطق جده : خلنا نجرب دربنا ذا يمكن نصادفها
مشى ماجد وهو غير مقتنع وهو متأكد بداخله ان عمه جابر له يد بكل هذا الألم لكن رضخ لشور جده بعدم إقتناع

استيقظت حرير بعد ليلة طويلة نثرت فيها رثاء العيد بتجرد لكن لم تكن بمفردها !
فتحت عينها وتوترت في مكان يحوفه الخطر غفت عينها ، هي دائماً تتهور وتقطع مسافات بمفردها لكن ليلة البارحة زادت العيار ونامت في أبعد نقطة عن الأمان ، نهضت بإرتباك رفعت شعرها ومسحت وجهها رفعت طرحتها ورتبتها بخوف شديد ، أخرجت رأسها من نافذة السيارة لتصاب بذهول اللحظة ، ساري جالس أمامها على فرشته يتقهوى دلته بكل برود، بسرعة رجعت تتطمن انها متستره
تدور الستر وهي أمس وشعرها غافية على يديني همس لنفسه لم ينطق، ينتظرها تبادر نزلت من السيارة بعد ماعدلت نقابها : أنت ليه بكل هروب الاقيك متسمر قدامي ، أخفيت وجه الحزن عن كل الناس وانت بسهولة لقيته !
ببرود عقد حبات سبحته ونطق : تطاولتي على السر ومكان صاحبه الثمن كان سرش المدفون عن الناس ببساطة !
ردت : ارض ربي ماهي مكتوبة بإسم سرك ، جبل ربي ماهو جبل ساري والا عشان اشتركت معه بالإسم صرت تظنه أنت !
رفع حاجبه بتسلية : خلاص امشي من هنا بعتبر اللقاء ذا صدفة مثل الصدف القديمة والغرايب اللي كل مرة أواجهها بالمكان ذا اعتبري نفسش واحدة منها
تحركت لسيارتها وهي تتخبط والهوا يغازلها وهو عينه ماقوى يصد بها ، سرح فيها وفي مقاومتها ، تشبهه كثير ، ودّعها بعيونه وهو يتمنى ماينقطع صوتها ولا تنقطع زياراتها..
.
.

ساري الجبل واخوان ساري حيث تعيش القصص. اكتشف الآن