الفصل الثاني - وادي الأكاذيب

151 11 5
                                    

1.

الناس يجمّلون ببهجة حقيقة أنهم يعيشون بكلمات منمّقة ويسمون ذلك فعلاً نبيلاً. ومع ذلك فإنّ حقيقة أنهم يعيشون هو حقيقة أنهم ينهبون. حقيقة أنّهم يستمرون في تكديس الجرائم. ما الهدف من التبشير بفضيلة لا تنفع إلاّ معدتهم؟
بصفتك شخصًا ناهباً ومذنباً، فإنّ عيشك بوقاحة في حدّ ذاته تدبير إلهي.
لا حاجة للكلمات المنمّقة فهذا هو النهب الخالد.

- هيا تعال... انهي هذا...
حملت الرياح التي كانت تهب من قاع الوادي هواءً منعشًا إلى الغابة. كان هذا المكان، المحاط بالجبال في الغرب وبعيدًا عن المساكن البشرية، مناسباً تماماً للتعشيش. ومع ذلك، فبالنسبة لـ هيدان، الذي يدين بالجاشينية ويحتاج إلى ذبح وتقديم قرابين لإلهه جاشين، فلا يوجد مكان مملٌ أكثر من هذا. عندما عرف أنهم قدموا هنا لكسب المال، أراد قتل رفيقه، مخترقا بذلك قواعد الأكاتسكي. لكن رفيقه مثله تمامًا، لن يموت حتى لو قتله، لذا فإنّ الجدال معه بلا فائدة.
- دعنا نخرج بسرعة من هذه الغابة، أريد أن أضحي بأي شخص تقع عليه عيني لأنفّذ الوصية...
تذمّر هيدان، الذي انضم على مضض إلى الأكاتسكي، إلى كاكوزو الرجل الماشي أمامه والذي يشكل معه ثنائي في هذه المنظمة.
- الرجل في مقر التبادل قال أنه سمع أنّ الرجل الذي على رأسه مكافأة قدرها خمسة عشر مليون ريو* موجود في هذه الغابة. هو لن يخبرنا بشيء ليس وراءه مال.
أراد كاكوزو أن يقول أنها معلومات موثوقة لكن بالنسبة لـ هيدان فقد كان حديثًا تافهًا، فالتعلّق بالمال من المحرّمات لمن يؤمن بدين مبني على التقوى الدينية في المقام الأول. كان كاكوزو، الذي يخبره دائماً أنّ الشيء الوحيد الذي يؤمن به هو المال، عكس هيدان تمامًا.
أبدى هيدان تعبير ضجر وجلس على جذع لفت انتباهه. على الأرجح كانت شجرة ضخمة في الأصل، فالجذع كبير لدرجة أنه كان من الممكن أن ينام على سطحه.
- أرجو المعذرة لكنني لن أحوم بلا هدف بعد الآن. اليوم عليّ أن أصلي لأتوب عن عدم قيامي بالطقوس، لذلك إن كنت تريد البحث عنه يا كاكوزو فاذهب بمفردك لأنني لن أخطو خطوة أخرى من هنا.
أمسك هيدان قلادته التي عليها شعار الجاشينية. نظر كاكوزو إلى الجذع الذي جلس عليه هيدان بقرف، صلاة أخرى، وإذا به يلاحظ شيئًا.
- كدت أغفل عن شيء بسيط.
- ما هو؟
- من الواضح أنّ هناك شخص قريب من هنا.
- ماذا؟
كانت منطقة محاطة بالجبال يتعذّر الوصول إليها واتسعت الغابة إلى من يدري أي مدى. كانت منطقة حيوانية ولم يكن هناك أي بشر. اشتكى هيدان من ذلك عدّة مرات، من المستحيل أن يكون هناك شخص ما في مكان كهذا. أشار كاكوزو إلى الجذع الذي جلس عليه هيدان بذقنه.
- هذا الجذع ليس شيئًا تم إنشاؤه بشكل طبيعي بواسطة صاعقة أو سقوط شجرة. بل تم قطعه بأيدي بشرية.
نظر هيدان مرة أخرى إلى الجذع الذي يجلس عليه. الطرف المقطوع مستو تمامًا كالطاولة.
- هذا صحيح على ما أعتقد لكن... من الممكن أن يكون أحدهم قد قطعها منذ وقت طويل. لصنع كراسي للمعبد مثلا.
- حواف القطع جديدة.
- مـ... لا، هل هذا... ليس من المحتمل ذلك!
أراد هيدان أن يودّع هذه الغابة بسرعة.
- لن أبحث عنه لهذا السبب فقط! من المستحيل العثور عليه ما لم يظهر أمامنا مباشرة.
كان ينوي الاستمرار في إقناع كاكوزو بالاستسلام لكن فجأة تردّد صوت رجل على مسامعه.
- أنتم يا رفاق! لماذا...؟
كما كان متوقعا، عندما استدارا ناحية الصوت لمحا رجلاً في منتصف العمر يقف هناك. كان لدى كاكوزو عدد محدود من التعابير ولكن بمجرد التحديق في وجه شريكه، عرف هيدان أنه في مزاج جيّد.
- يبدو أنه ظهر أمامنا من تلقاء نفسه.
- بلا مزاح؟!
لم يكن كاكوزو الوحيد الذي سعد بذلك.
- أمسكتك! جاشين-ساما! يمكنني أداء الطقوس أخيرًا!
كان هذا أوّل شخص يلتقيانه منذ فترة. ترك هيدان القلادة ووقف بنشاط من الجذع.
- ألم تقل أنّك لن تخطو خطوة أخرى اليوم؟
- الأمر مختلف بما أنه بإمكاني أداء الطقوس الآن! إن لم أقم بالطقوس فستزول نعمة جاشين-ساما عليّ! إن تلاشت علاقتي بـ جاشين-ساما، فلن أستطيع أن أكون على طبيعتي.
- لا أفقه في الدين لكني أعرف أنّ الخمسة عشر مليون ريو سوف تهرب لأنك تتحدث كثيرًا.
عندما رفع رأسه كان الأمر كما قال كاكوزو، أدار خصمهم ظهره لهم وهرب بأقصى سرعة.
- إنها الخمسة عشر مليون ريو التي عثرت عليها بعد عناء طويل. أفضّل أن أقتله بنفسي بدلاً من تركه يهرب.
- بل أنا من سوف يقتله! إياك أن تخطو خطوة أخرى من هناك أيها الوغد! صرخ هيدان بغضب وهو يشير إلى الجذع.
طوى كاكوزو ذراعيه وتنهد.
- هيدان. إن تحمّست زيادة عن اللزوم وتهوّرت فسوف تموت.
- أتقول هذا لي أنا يا كاكوزو!
ركل هيدان الأرض مبتسما. قام باختصار المسافة بينهما في لحظة وأرجح منجله الضخم ذو الثلاث شفرات إلى الأسفل. أصاب النصل خصمه وتناثر الدم في كل مكان ومع ذلك لم يكن بجرح مميت.
- تباً... إذا كان الأمر كذلك، حتى لو قاتلت...
ظنّ الخصم أنه لم يعد بإمكانه الهروب فاستدار وحاول تشكيل أختام بيديه لكن هيدان حصل على دمه وضحك بصوت عالٍ وأخرج سلاحاً آخر من ملابسه. بدا وكأنه مجرد قضيب لكن هيدان مدده فتحول إلى رمح حاد.
- جاشين-ساما! سأثبت لك إيماني!
طعن هيدان راحة يده بالطرف الحاد من الرمح. أمام هذه الحركة غير المتوقعة فتح الرجل الذي على رأسه مكافأة عينيه على مصراعيها.
أخرج هيدان السلاح من يده فانسكب دمه على الأرض ورسم به رمز الجاشينية. وقف في منتصفه ولعق دم خصمه الذي كان على المنجل الكبير. عندها ظهر على جلده رسم يشبه الهيكل العظمي.
- كل المتطلبات جاهزة... انظر إلي يا جاشين-ساما وابتهج!
بلغ التوتر ذروته، لم يعد بإمكانه السيطرة على نفسه. سيلحق بجسده أعلى درجة من الألم.
- فلنبدأ!
طعن هيدان قلبه. الرجل الذي وقف حتى هذه اللحظة محتاراً من سلوك هيدان، بصق دماً من فمه بينما اخترق الألم الحاد قلبه دون أن يفهم ما حدث.
- شعور رائع...
لم يتذوق الشعور بالموت منذ وقت طويل. تحوّل ذلك إلى شعور جميل سيطر على جسد هيدان. كان الرجل الذي على رأسه مكافأة يحتضر ولم يكن بإمكانه فعل شيء. وحدها أنفاس هيدان ملأت المكان.
- مذهل...
سمع هيدان صوتًا جديدًا. كان مستمتعًا بألم الموت وهو يغمره حتى آخر رمق، فعاد إلى الواقع.
- من هذا؟ تدخٍل مزعج؟!
رمق صاحب الصوت بنظرة غضب، ولكن بمجرد أن تفحصه أصبح منهكًا. على الرغم من أنه ردد بلا كلالة أنه لا يوجد أشخاص في مكان كهذا، كان يقف هناك صبي يبلغ من العمر حوالي العشر سنوات ينظر إليه من خلف الشجرة. علاوة على ذلك بدا سعيدًا. ربما كان يلعب بالتراب فقد كان يمسك كرة طينية.
- ماذا تريد؟ أطلق هيدان مميلاً رأسه.
- ما الأمر يا هيدان، هل انتهت صلاتك؟
لاحظ كاكوزو أنّ الوضع كان غريبًا نوعًا ما فاقترب من الجذع.
- هذا بسببه! أعني، كاكوزو، يوجد طفل هناك!
أشار هيدان إلى الطفل خلف الشجرة فنظر إليه كاكوزو.
- هيدان، طفل أم لا، لا تفقد تركيزك... وإلا ستموت.
- كم مرة أخبرتك أنني أتمنى أن أموت لو استطعت ذلك. وكأنّني سأُقتل على يد غرّ كهذا!
أمسك هيدان منجله مرة أخرى وأداره دورة واحدة.
- بادئ ذي بدء، سأقتله.
اعتقد أنه سيحسم الأمر بسرعة لكن الطفل لم يحاول حتى الهرب. بل على العكس من ذلك، احمر خجلاً.
- انتظر يا هيدان. إنه طفل غريب...
مرتاباً، أوقف كاكوزو هيدان الذي أعدّ منجله بالفعل.
- حسنًا، هذا واضح...
أنزل منجله وحدّق في الولد. عصر قبضتيه وتقدّم للأمام قائلاً:
- مرحبًا! كيف قمت بهذه التقنية؟ أليس هذا مؤلمًا؟
- هاه؟! بالطبع هذا مؤلم! ليس لدرجة الموت إنه ألم عندما توشك على الموت.
- ألم الموت! تشعر بألم الموت بنفسك لتقتل خصمك... إنك تحفر موت خصمك في جسدك... رائع!
قال هيدان لـ كاكوزو وهو ينظر إلى الصبي المنفعل:
- هذا الفتى غريب الأطوار.
- إن كان الأمر كذلك فأنت الآخر غريب الأطوار بالنسبة لي...
- ماذا قلت؟! صاح هيدان.
دون تردد، سأله الصبي مرة أخرى:
- ألم الموت... أليس مؤلمًا؟ أليس هذا مخيفا؟
- ها؟! أنا من أتباع الجاشينية، أتعلم؟! لا أهاب شيئاً طالما أنّ جاشين-ساما إلى جانبي.
- الجاشينية... جاشين-ساما...
ردّد الصبي هذه الكلمات عدة مرات ثم رفع رأسه فجأة وكأنه وجد إجابة.
- مرحى! أريد أن أعتنق الجاشينية أيضًا! كيف يمكنني فعل ذلك!
أمام هذه الكلمات غير المتوقعة قال كاكوزو:
- هذا الصبي غبي بشكل مبالغ فيه.
- أوي! ماذا تقصد؟! الجاشينية هي الديانة الأقوى والأعظم في العالم! ليس غريبا أن هناك من يريدون اعتناقها!
لم تمرّ سوى فترة وجيزة منذ قال هيدان أن الطفل غريب، لكن لسبب ما كلامه يتعارض مع نفيه كلمات كاكوزو التي قصد بها أنه غريب أيضًا.
- أهذا صحيح؟! ليس غريبا! وافق الطفل على كلمات هيدان.
- الشيء الوحيد الذي أؤمن به هو المال... أنت، ما اسمك؟ سأل كاكوزو الصبي.
كان من غير المعتاد أن يسأل كاكوزو الناس عن أسمائهم.
- يمكنك مناداتي هوهوزوكي.
نظر إليه هيدان مرة أخرى. مظهره جيّد، كان للصبي جاذبية خاصة. وقد أخبره أنه يريد أن يصبح جاشينيًا مع أنه رآه يقتل رجلاً في طقوس غريبة ولم يتحرك، لابد أنه مجنون. حتى وإن كان كذلك، من الجيد أن يزداد عدد المؤمنين بالجاشينية. إن كان هذا الصبي جادًا، فعليه أن يعلّمه بالتفصيل تلك التعاليم الرائعة بداية من أصول الجاشينية إلى وصاياها الصارمة.
في الوقت الحاضر، كان على هيدان أن يؤدي صلاته لإتمام طقوس التضحية.
- صلاتي لم تنته بعد... سنتحدث عن ذلك لاحقًا.
استلقى هيدان على رمز الجاشينية الذي رسمه بدمه.
- طقوس الجاشينية! سأنظر إليها بتمعن!
اقترب هوهوزوكي قليلاً وجلس على كعبيه متخذاً وضعية للدراسة عن طريق الملاحظة.
- ألا يمكنك حذف هذه الصلوات الطويلة التي لا فائدة منها؟
- لا يجب التذمر من الطول عندما يتعلق الأمر بالصلاة أيها الملحد اللعين!
________
ريو: عملة نقدية.

Akatsuki Hiden: Sakimidareru Aku no Hana أكاتسكي هيدن: أزهار الشر في ذروة تفتحهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن