المقدمة والفصل الأول

2K 35 3
                                    

*مُقدمة*
" إذا كُنت تعتقِد بأنک بعيدًا عن الحُب بكُل ألامُه، صراعاتُه، جنونُه فـ أنت مُخطئ عزيزي، الحُب لا يدور بـ فلكنا بل نحنُ من ندور بـ فلک الحُب، يعيش المرء حياتُه باحثًا عن حُب صادق وقلب عاشِق يحتويه وإذا وجدُه يتشبثُ بهِ، يُصارِع من أجل الفوز بحبُه وقد تتوهم إنک الرابح ولكِن بلحظة غادرة تجِد حُبک قد تسلل من بين أصابعک كالماء وأنت تقِف عاجز غير قادر على المُثابرة أكثر بينما قدرک يُطالعک من بعيد بنظرات مُنتصرة وهُنا يتوقف الزمن للحظات قصيرة وكُل ما عليک فعلُه هو أتخاذ قرار حاسم لا رجعة منهُ أما أن تقبل التحدي وتخوض الصراع من جديد أو تمضي بحياتک ک الشريد هائمًا على وجهک بلا مأوى لک ولا ملجأ فـ لا تتخلى عن الحُب.. "

*بسم الله الرحمن الرحيم*
*‏****************الحلقة الأولى******************

[[ كُل شئ زائد عن الحد قد يكون سِلاح بيوم ما ليُدمر ما بنيتُه منذُ سنوات، خير الأمور أوسطها صديقي..]] 

صباح جميل مُشمِس على شوارع القاهرة الجميلة حيثُ الشمس الدافئة التي تُغدق الأرض بأشعتها الساطعة لتبعثُ الراحة على القلوب بالأخص الضائعة والغارقة في الهموم، الأرض دائمًا في أزدحام وأهل الأرض كُلًا منهُم غارق في حياتُه ومشاكلُه، الجميع يسعى إلى أبواب رزقُه منذُ ساعات الصباح الأولى ولكن بمكان راقي للغاية يعيش بهِ أصحاب الطبقة المخملية من الشعب وبداخل أحدى القصور قصر ذات حديقة خضراء شاسعة تملأها الأزهار من كُل أتجاه بمُختلف الألوان البديعة التي تسُر الناظر إليها لتُشعرك وكأنك بالجنة ولستُ على الأرض ندلف إلى القصر لنرى بهو واسع وفخم للغاية يحتوي أثاث راقي لأستقبال الضيوف كان يُشبِه باقية أجزاء القصر الراقية وكان المكان يحتوي على العديد من الألواح الثمينة والتُحف الغالية القصر يُشبِه المتاحف العالمية.. تترجل من على الدرج سيدة هذا القصر السيدة كريمة بعامها الـ 56 كانت أمرأة راقية رقيقة بملامح جميلة ولكنها بسيطة تعشق النظام وقد تكون صارمة في بعض الأحيان إلا أنها تحمل قلبًا نقيًا للغاية ومحبوبة من الجميع وكُل ماتسعى إليه بالحياة سعادة أولادها وزوجها.. وصلت السيدة كريمة إلى غُرفة الطعام ولم يكُن قد أستيقظ أحد من أهل القصر إلى الآن بينما الخادمات يعملن كخلية نحل بالمكان أوقفت أحداهُن قائلة بهدوء:- صباح الخير، الفطار جاهز..!!
أومأت لها الخادمة قائلة بأدب:- صباح النور ياكريمة هانم، الفطار جاهز وهيكون ع السُفرة حالًا..
همست كريمة بجدية:- طيب وأبعتي واحدة تصحي يزن بيه..
أجابت الخادمة بنعم وتوجهت حتى تفعل ما أمرتها بهِ سيدتها.. جلست السيدة كريمة على مقعدها بهدوء في أنتظار أن يبدأ أهل القصر في الحضور فهذه الوجبة الوحيدة التي تجتمع بها العائلة بأكملها في الأغلب على عكس وجبة الغذاء والعشاء التي قد يعتذر عنها أحدهُم لحظات وكان يدلف إلى غُرفة الطعام السيد شاكر بعامُه الـ 60 زوجها الذي تعشقُه رغم كُل صفاتُه السيئة من صرامة وقسوة تكاد تصل إلى الجحود وبالرغم من أهمالُه لها بحجة العمل المُعتادة إلا أنها لم تُهملُه يومًا جلس على رأس المائدة بهدوئُه المُعتاد قائلًا بنبرة خشنة:- صباح الخير ياكريمة..
أبتسمت لهُ بحنو قائلة:- صباح النور ياحبيبي، نمت كويس..!!
أومأ لها بهدوء دون أن يُكلف نفسُه عناء الرد فتنهدت هي بصمت وهي تعلم أن حديثُه دومًا ما يكون قليل يكاد يكون معدوم وعلى الرغم من أعمارهُما التي تكاد تخطت مُنتصف الخمسينات وسنوات زواجهُما الطوال إلا أنها لازالت تأمل أن تتغيير معاملتُه الجافة لها بيوم ما عادت من شرودها على صوتُه قائلًا بتساؤل:- الأولاد فين مش شايفهُم..؟!
لم تتخلى عن أبتسامتها الحنونة وهي تُجيب قائلة:- رنيم زمانها بتلبس وهتنزل تفطر عشان جامعتها ومُعتصم أعتذر عن الفطار عشان سبقك ع الشركة بيقول عندُه أجتماع مُهم..
هتف هو بسُخرية قائلًا:- والبيه التاني فين طبعًا في سهرة من سهراتُه ولسة مرجعش..
توترت قليلًا ولكنها أجابت بحماس:- لا ياحبيبي دة ف أوضتُه مسهرش أمبارح وهينزل يفطر معانا..
قطع حديثُها بتِلك اللحظة دلوفُه إلى غُرفة الطعام يزن شاكر الرواي الأبن الأوسط لهذه العائلة شاب في عامُه الخامس وعشرون طويل بجسد طويل ورياضي،مفتول العضلات عينيه البُنية التي تُشبِه الشيكولاتة الذائبة ورموش كثيفة يمتلك شعر بُني وبشرة حنطية كُل مايهتم بهِ بالحياة السهر والفتيات والسفر مع أصدقاء السوء فقط لاغير مما يُسبب لهُ الكثير من المشاكل مع والدُه الذي يرفُض أسلوب حياتُه رفض قاطع ولا نعلم إلى أين ستأخُذنا المشاكل بينهُما تخرج من كُلية التجارة بتقدير جيد جدًا.. دلف بصخبُه المُعتاد قائلًا بمرح:- ياصباح الورد على الحلوين..
أجابتُه السيدة كريمة بحنو:- صباح النور على عيون حبيبي، أيه النشاط دة كلُه..
أرسل إليها قُبلة بالهواء قائلًا:- يعني قولت أنوركُم ع الفطار..
هتفت قائلة بضحك:- الله يعزك يابني..
بادلها يزن الضحك حتى هتف السيد شاكر دون أن يعبئ برد تحية الصباح على ولدُه قائلًا بجدية:- وياترى البيه هيفكر ينورنا ف الشركة عشان يشيل الحمل مع أخوه شوية ولا هيقضيها سرمحة..
يزن بمرح:- لا هقضيها سرمحة طبعًا..
كتمت السيدة كريمة ضحكة كادت أن تنفلت من بين شفتيها حتى لا تتوتر الأجواء في حين أن السيد شاكر رمقُه بنظرة أرعبتُه فتنحنح سريعًا مُصححًا حديثُه:- أحم، قصدي يعني عندي مشوار مُهم وهاجي ع الشركة هوا يابابا..
عاد السيد شاكر إلى تناول طعامُه قائلًا بسُخرية:- ياريت بس تصدق وتيجي ولما تيجي تفلح ف حاجة بدل ما أنت من وقت ماأتخرجت وأنت زي خيبتها كدة..
لم تتبدل ملامح يزن المرحة الباردة على الرغم من شعورُه بالألم من تقليل والدُه من شأنُه دومًا فهو أعتاد على هذا الحديث الجارح ولم يعُد يُشكل فارقًا بالنسبة لهُ فأنشغل بطعامُه دون أن يُجيب عليه ولكن السيدة كريمة بداخلها كانت تشعُر بالحُزن على ولدها الذي يتلقى هذه المُعاملة الصعبة من والدُه على الدوام تعلم أن يزن مُستهتر ولكنهُ طيب القلب ولا يستحق هذه المُعاملة القاسية منهُ تنهدت بتعب وهي تدعي ربها أن تتحسن المُعاملة بينهُما دقائق مرت ودلفت إلى الغُرفة رنيم شاكر الرواي الأبنة الصُغرى للعائلة فتاة متوسطة الطول تُشبِه يزن كثيرًا ولكنها تمتلك عيون رمادية وشعرُه البُني مرحة وطفولية مُلتزمة بالحجاب الشرعي كوالدتها والملابس الفضفاضة فتاة في عامها العشرون وفي العام الثاني من كُلية الصيدلة هتفت بصياح مرح:- صباح الخير يابابا، صباح الخير ياماما، صباح الخير يازفت، صباح الخير يابشر..
جلست بجانب يزن فهتف قائلًا بغيظ:- صبحتي ع الكُل بأدب وعندي اللسان مترين وبتزعلي لما بمد أيدي عليكي..
تناولت قطعة خُبز بعجلة قائلة ببرود:- أنت متقدرش تمد أيدك عليا تاني عشان أنا بتدرب كويس يعني المرة الجاية أنا اللي هشلفط وشك..
صاح بأستنكار قائلًا:- تشلفطي وش مين يابت أنتِ شكلك متعرفنيش لا دة أنا تربية شوارع..
صاحت السيدة كريمة ببعض الصرامة قائلة:- ولد، بنت عيب كدة أنا وبابا قاعدين شوية أحترام لينا..
مالت رنيم على شقيقها قائلة بتعجُب:- أيه ولد وبنت والجو القديم بتاع أُمك دة..
كتم يزن الضحكة قائلًا:- شششششش أسكتي لاتسمعك بتقولي أُمك مش عايزين نعصبها ع الصُبح..
ضيقت السيدة كريمة عينيها بتفحُص قائلة:- بتوشوشوا بعض وبتقولوا أيه أنت وهي..
أبتسم يزن بسماجة قائلًا:- أبدًا يامامي دة أنا بقولها مامي دي ست عسل ف بلاش نضايقها بهزارنا..
أبتسمت السيدة كريمة بخجل طفولي برئ قائلة:- ميرسي يا يزن حبيب مامي..
قطع صفو مرحهُم السيد شاكر وهو ينهض قائلًا بجدية:- أنا ماشي ياكريمة عاوزة حاجة..!!
حركت رأسها بالنفي قائلة بحُب:- عايزة سلامتك ياحبيبي..
نظر إلة رنيم قائلًا بهدوء:- عايزة حاجة يارنيم..
رنيم بهدوء:- ميرسي يابابا..
نظر إلة يزن قائلًا بصرامة:- أما نشوف سعاتك هتيجي الشركة ولا كلام وخلاص زي كُل مرة..
ورحل دون أن يستمع إلى حديثُه بينما رنيم تبادلت النظرات مع والدتها بحُزن وقلة حيلة ف الأمر ليس بيد واحدة منهُن قسوة السيد شاكر لا تتغيير مهما حدث.....
*************************
نسير في شوارع القاهرة حيثُ المناطق الشعبية بناسها البُسطاء وأجوائها الصاخبة بداخل حارة ما نجد بمُقدمتها مخبز بلدي تفوح منهُ رائحة الخُبز الشهي وصوت صاحب المخبز يصدح بالمكان قائلًا:- ياض ياحمو تعالى وصل العيش دة للست سيدة..
ليركُض حمو حتى يُنفذ ما أمرُه بهِ رب عملُه بينما على بُعد عدة أمتار نجد " عربة فول " صغيرة ولكنها تقتظ بالناس ويصدح صوت رجُل ما قائلًا:- شقتين فول ياعم جابر الله يكرمك بس بسرعة عشان ألحق شُغلي..
ليبدأ عم جابر بتحضير الطلب وهكذا حتى نهاية النهار والكثير والكثير من أشكال الحياة البسيطة بهذه الحارة.. تسير بطلتنا الجميلة بأرجاء الحارة وهي تحمل بيدها عدة أكياس.. نغم الشهاوي من أصول صعيدية ولكنها يتيمة الوالدين ولا تعرف عن عائلة والدها شئ منذُ أن توفيا والديها في حادث سيارة منذُ عدة سنوات وهي تعيش مع خالتها السيدة وجيدة وزوج خالتها السيد منصور في عامها التاسع عشر تدرس بمعهد نظُم ومعلومات وتعمل خادمة في قصر الراوي حتى تُعيل نفسها وتُعيل أيضًا عائلة خالتها بعد أن طُرد زوج خالتها من العمل كفراش بأحد المؤسسات بسبب سوء أخلاقُه وتغيبُه الدائم ومنذُ ذلك الوقت وهي تتحمل مسئولية ذلك المنزل الصغير وليس لأجل أحد سوى لأجل أبناء خالتها الثلاث أطفال الابرياء فلا ذنب لهُم أن والدهُم بهذا الشكل نغم فتاة متوسطة الجمال ولكنها قصيرة بشعر أسود يصل لمُنتصف ظهرها ليس ناعم وإنما بها بعض التجعيدات البسيطة بشرة قمحاوية وفم مُكتنز صغير وردي عيون عسلية كبحر عسل صافي بأهداب كثيفة ليست نحيفة أو سمينة بل بجسد مُعتدل " كيرڤي " مرحة ونقية القلب ولكنها قوية صاحبة رأي وشخصية لا يُمكن السيطرة عليها فلا تستطيع أن تجعلها تخضع لك مهما يكُن ذات لسان سليط في بعض الأحيان.. كانت تسير حتى وصلت إلى عربة الفول الصغيرة وهتفت قائلة بمودة:- صباح العسل ياعم جابر..
عم جابر بأبتسامة ودودة أظهرت تجاعيد وجهُه:- ياصباح الورد على وردة الحارة..
ضحكت نغم بمرح قائلة:- الله يجبُر بخاطرتك ياراجل ياطيب، هاتلي بقا بـ ٣ج فول جاهز وبـ ٥ طعمية..
بدأ العم جابر بتجهيز طلبها وهي تقف تُتابع المارة بلامُبالاة حتى أعطاها عم جابر الطلب فأعطتُه الحساب ورحلت وبينما هي تسير بين طرُقات حارتها حتى شعرت بمن يُربت على أحد كتفيها ألتفتت تنظُر إلى الفاعل فوجدتُه سعيد شاب في السابعة وعشرون من عمرُه بجسد نحيف ضعيف طويل بشعر أسود مجعد وبشرة سمراء وشفاه غليظة بعيون بُنية داكنة يعمل سائق " توك توك " بالحارة وحاصل على شهادة الصنايع طيب القلب وشهم ولكنهُ عصبي وسبب أنفعالُه على الدوام ضيق حالتُه المادية بسبب قلة العمل بالبلد للكثير من الشباب أمثالُه مما جعل حلم السفر إلى الخارج والعمل هو حلمُه الأول والأخير.. أبتسمت لهُ نغم بمودة قائلة:- صباح الخير ياسعيد..
سعيد بهدوء:- صباح النور يانغم، أيه اللي مأخرك كدة النهاردة مش رايحة الشغل ولا أيه..!!
نغم بتنهيدة تعب:- لا ياخويا وأنا أقدر أريح ف يوم وأتحمل الخصم أنا بس واخدة نُص يوم أهو قضى أخف من قضى..
سعيد بضيق:- هو لسة جوز خالتك مشافش شُغل برضُه وعجباه القاعدة..
نغم بسُخرية:- طبعًا عجباه، مش في جاموسة شغالة ف الساقية طول الشهر وبتصرف عليه..
سعيد بتفكير:- طب بقولك أيه ما تخليه ينزل يشتغل معايا ع التوك توك أنا وردية وهو وردية ورزقي ورزقُه على الله..
نغم بسُخرية أشد:- وتفتكر هيرضى يعني ما ياما جبتلُه شُغل وبرضه مفيش فايدة..
كاد سعيد أن يُجيبها فهتفت هي بمرح بمُصطنع حتى تُغيير الموضوع الذي دومًا سببًا في تعاستها بالحياة:- سيبك مني أنت، أنا يادوب هلحق أطلع الفطار عشان ألحق أروح الشُغل..
أومأ لها بهدوء ورحلت هي بينما في داخل إحدى منازل الحارة منزل يكاد يصل إلى مرحلة الفقر بأثاث بسيط عُبارة عن غُرفتان وصالة بسيطة صغيرة بمطبخ ومرحاض.. صدح صوت أغلاق أبواب إحدى الغُرف بقوة يُصاحبُه صوت السيد منصور قائلًا بنبرة غليظة:- هي المحروسة لسة مجاتش لحد دلوقتي، مش هنفطر أحنا ولا أيه..!!
أجابتُه زوجتُه السيدة وجيدة بتبرُم قائلة:- زمانها جاية ياخويا أغسل وشك بشوية مياه على ماتطلع..
لم يُنفذ ما طلبتُه منهُ وجلس على الأرضية حول طاولة صغيرة دائرية بأربعة أرجُل تُسمى " طبلية " وصاح قائلًا بنفس نبرتُه الغليظة:- وأيه اللي أخرها كدة مش ناوية تروح الشُغل ويتخصملها اليوم ولا أيه..!!
أقتربت منهُ زوجتُه قائلة بتحذير:- بقولك أيه يامنصور خف ياخويا ع البت دي هي اللي شايلة البيت بعد خيبتك وقاعدتك جمبنا كدة من غير شُغل ف متزودهاش معاها لاتطفش..
وقبل أن يُجيبها صدح صوت أغلاق الباب ودلفت نغم بهدوء تحول إلى ضيق عندما صاح السيد منصور بسُخرية:- أهي السينيورة شرفت أهي، أيه اللي أخرك كدة ياسينيوريتا..
هتفت نغم بضيق:- يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم ع الصبح..
جز السيد منصور على أسنانُه قائلًا:- بتبرطمي بتقولي أيه يابت سمعيني حسك..
صاحت بهِ بنبرة قوية:- لا أنا مش ببرطم وعندي لسان وبعرف أرود، أتقي شري ع الصُبح ياجوز خالتي مش عايزة يومي يتقفل قبل ما يبدأ..
أقتربت منها خالتها قائلة بضيق وهي تسحب منها الأكياس:- هاتي ياختي الفطار دة وأدخلي قدامي ع المطبخ نجهزُه، يلا بلاها مشاكل ع الصُبح..
أرسلت لهُ نغم نظرة أمتعاض وتوجهت إلى المطبخ حتى تُحضر الطعام وبعد قليل كانت تجلس الأُسرة الصغيرة على تِلك الطاولة المُستديرة والصمت يعُم الأرجاء حتى صاح أمير الأبن الأكبر للعائلة ويبلغ من العُمر أثنى عشر عامًا قائلًا بحماس:- نغم الأبلة هتوزع علينا درجات الأمتحان بتاع الأسبوع اللي فات النهاردة وأنا واثق إني بإذن الله مقفل الأمتحان..
هتفت نغم بحماس مُماثل قائلة:- براڤو ياأمير ووعد لو قفلت الأمتحان هجيبلك هدية حلوة..
أبتسم الصغير بفرح ولكن صدح صوت السيد منصور قائلًا بسُخرية:- هدية أيه ياغندورة هو هيتخرج من طب دة حيالله حتت أبتدائية أهي دقني لو الواد دة نفع ف حاجة..
أنحسرت أبتسامة الصغير من على شفتيه فنظرت لهُ نغم بحُزن ثُم نظرت إلى ذلك الغليظ قائلة بضيق بالغ:- خليك ف حالك الله لا يسيئك والهدية هجيبها من شقايا ها شقايا يعني أوزعُه براحتي وبمزاجي ف يارب نفهم..
أدرك تلميحها بأنها يُمكنها وقف الأمداد المالي الذي تدعم المنزل بهِ وهذا ليس من مصلحتهُم جميعًا فتلقى نظرة من زوجتُه السيدة وجيدة ليصمُت فصمت على مضض وبعد قليل أنتهت وجبة الأفطار بسلام ونهضت نغم حتى تستعد إلى الذهاب للعمل كانت بتِلك الغُرفة الصغيرة التي تتشاركها مع أبناء خالتها الثلاثة وبينما هي ترتدي ملابسها صدح صوت رنين هاتفها ألتقطتُه لتجد أن المُتصلة هي سمر صديقة طفولتها وشبابها فتاة بنفس عُمر نغم وأرتادت معها نفس المعهد ملامحها طفولية بشعر بُني داكن مائل إلى السواد بشرة بيضاء وعيون بُنية نحيفة الجسد ولا يوجد بها أية ملامح أنثوية مما يُسبب لها دومًا إنعدام الثقة بنفسها وبأنها ليست مرغوبة كباقية الفتيات وحيدة والديها ووالدتها سيدة ذات طباع صارمة تُسيطر على كُل شئ بالمنزل حتى والدها وهذه مُشكلة أُخرى من عدة مشاكل تواجهها سمر بحياتها، عفوية ونقية القلب ذات شخصية ضعيفة على العكس من نغم فهي تخشى كُل شئ وأي شئ مما يجعلها دومًا ما تشعُر بالأمان بجانب صديقتها العزيزة والوحيدة.. أجابت نغم قائلة بمرح:- ياصباح القرف، عايزة أيه ع الصبح..
أجابت سمر بهدوء عكس مرحها المُعتاد:- صباح الخير يانغم..
هتفت نغم بقلق:- مالك ياسمر شكلك متضايق وصوتك مخنوق في حاجة ولا أيه..
سمر بغصة بُكاء:- لالا مفيش حاجة..
نغم بملل:- أخلصي يابت هتخبي عليا ولا أيه هو أنا مش عارفاكي يعني..
أنفجرت سمر بالبُكاء وهي تهتف قائلة:- أنا أتخانقت مع محمود..
بدأت نغم بالعد بداخلها من رقم 1 حتى رقم 10 لكي لا تنفجر بصديقتها البلهاء كما تُسميها دومًا ثُم همست قائلة ببرود مُصطنع:- وأيه الجديد طيب ما أنتِ كُل يوم بتتخانقي معاه ويسيبك وزي الكلبة بترجعيلوا..
سمر بنفس بُكائها:- يانغم متهزقنيش أنتِ عارفة إني بحبُه..
أنفجرت بها قائلة بعصبية:- مهزقكيش أيه بس وأنتِ شخصية مُهزقة أساسًا، وأيه بحبُه دي وهي علاقتكُم دي تسميها حُب دة واحد أناني وحذرتك منُه 100 مرة ومفيش فايدة..
سمر بتبرُم:- على فكرة محمود مش كدة محمود بيحبني..
هتفت نغم بسُخرية:- بيحبك..!! طب لما هو بيحبك مش بياخُد خطوة رسمي ف علاقتكُم ليه، بقالكُم 3 سنين مُرتبطين وأنتِ عارفة إني ضد فكرة الأرتباط دي وحذرتك كتير بس أنتِ ماشية ورا مشاعرك لحد ماهتلبسي، دة مش بيحاول حتى يجي يقرأ فاتحة كلام مع أبوكي دة لو شاريكي بجد يعني..
صمتت سمر تُعيد حديث نغم بعقلها الذي يرفُض فكرة أستيعاب أن محمود حُب حياتها ما هو إلا شخصية لعوبة ويتلاعب بعقلها وقلبها ومشاعرها ولن يفي بوعدُه لها بالزواج وعندما طال الصمت تنهدت نغم بحُزن وهي تتحسر على حالة صديقتها التي أصابها داء العشق ولكنهُ لم يكُن مع الشخص الصحيح من وجهة نظرها ثُم همست بهدوء:- طيب بُصي عشان أنا مش قصدي أنكد عليكي، أنا مش هقولك سبيه زي كُل مرة عشان الموضوع دة شكلُه مُستحيل بالنسبالك بس هقولك ع الأقل تعملي ليكي شخصية معاه مينفعش يتخانق معاكي الصُبح ويتصل بيكي بالليل ترجعيلُه ومينفعش أنتِ اللي كُل مرة تصالحيه وتتحايلي ترجعوا، طول ما أنتِ محسساه إنك ف حياتُه وسهل ف أي وقت يرجعك هيفضل ضامن وجودِك ومش هياخد خطوة جد واحدة ف علاقتكُم، خلي عندك شوية كرامة يابنتي دة أنتِ غلبتي أيتن عامر..
ضحكت سمر برقتها المعهودة ثُم همست قائلة:- حاضر يانغم هسمع كلامك..
نغم بسُخرية:- دة اللي بسمعُه منك كُل مرة، خليكي هبلة كدة لحد ماأبوكي ما يقفشك ولا أمك ونيجي نصبح عليكي تاني يوم ف الأنعاش..
أستمر الحديث عدة دقائق قليلة ثُم ودعتها نغم على وعد باللقاء غدًا في المعهد ثُم أنتهت من أرتداء ملابسها وتوجهت خارج المنزل دون أن تلقى حتى بالسلام على أهل المنزل وبينما هي تسير بالحارة متوجهة إلى الطريق الرئيسي لتستقل المواصلات رأت سعيد يقف مع شاب يُدعى حماصة ذو سُمعة سيئة بالحارة والجميع يعلم ذلك كانت تُريد أن تذهب إليه لترى مايحدُث بينهُما ولكنها وجدت نفسها ستتأخر على العمل وهي في غنى عن ذلك فقررت أستكمال طريقها ولكُل حادثً حديث......
*************************
" قصر الرواي.. "
دلف يزن إلى حديقة القصر بسيارتُه الرياضية الفارهة وتوقف أمام الباب لقد كان لديه شئ مُهم لينهيه ثُم عاد إلى القصر وقد قرر البقاء حتى تُغيب الشمس وتبدأ حياة السهر الليلة وقد تناسى تمامًا أمر الشركة ووالدها ولم يعبئ بشئ دلف إلى القصر وسار بالبهو وهو يُدندن وتوجه إلى غُرفة الصالون ليرى والدتُه السيدة كريمة تجلس تتصفح التلفاز بملل قفز بجانبها وهو يصرُخ بأسمها فصرخت هي برُعب ثُم بدأت بلكمُه بكفها الرقيق قائلة بفزع:- حرام عليك يا يزن خضتني والله..
ضحك يزن عليها قائلًا:- بقالي سنين بعمل فيكي نفس الحركة ولسة متعلمتيش متتخضيش ياكوكي..
هتفت بضيق:- قولتلك قبل كدة الحركة دي حرام الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن ترويع المُسلِم لأخيه..
هتف يزن بتفكُه:- بس أنتِ أُمي مش أخويا..
نظرت لهُ شزرًا وهمست قائلة بغيظ:- بطل تُبقا رخم يابني هتموتني ف مرة..
ألتقط كفها مُقبلًا أياه قائلًا بحنو:- بعد الشر عليكي ياست الكُل وهو أنا ليا مين بعدك يعني..
أدركت مغزى حديثُه وهذا ما تخشاه أن يتوفاها الله ولن تجد من تحتوي يزن كما تفعل يكفي ما يتلقاه من والدُه من مُعاملة قاسية وحتى إن كان شقيقُه وشقيقتُه ليسا كذلك ولكن بالنهاية الجميع مُنشغل بحياتُه وهو بعيدًا عن هذه الحياة وحيد دومًا رغم أصدقاء السوء الذي يُرافقهُم ولا تعلم كيف تعرف عليهُم ربتت على وجنتُه بحنو قائلة بتساؤل:- أنت مروحتش الشركة لـ شاكر..؟!
هتف قائلًا بسُخرية:- لا طبعًا مروحتش وأنتِ عارفة إني مش هروح..
هتفت قائلة بهدوء:- ياحبيبي أنت عارف إن بابا بيحبك قد أيه أنت أبنُه حبيبُه بس هو طبعُه صارم شوية وعايزك أحسن واحد ف الدُنيا دي وأكبر دليل على كدة إن هو عايزك معاه ف الشركة جمبُه وجمب أخوك عشان تنجح زيُه ويفتخر بولادُه الأتنين..
هتف هو بوجوم:- أنتِ عارفة إن الحكاية مش كدة، أنا أصلًا شاكك إنُه بيحبني دي واللي مُتأكد منُه إن من أول غلطة هيفرج عليا الشركة والموظفين وهيخلي منظري زي العيل الصُغير قُدامهُم عشان كدة مش هروح عشان مديهوش الفُرصة دي..
أشفقت عليه من تفكيرُه الذي وصل لهُ نتيجة لمُعاملة شاكر معُه ولكنها لم تظهر ذلك وهي تهمس قائلة بحُب:- ليه التفكير الوحش دة بـ بابا يا يزن حد يفكر إن باباه عايز يقلل منُه قُدام الناس، بابا بيحبك وعايزك ناجح والمفروض أنت تبدأ تروح الشركة وتثبتلُه كدة مش تاخدُه على قد عقلُه الصبح ومتروحش دلوقتي أنا مربتكش على كدة..
عاد يُقبل كفها من جديد قائلًا بحُب مُماثل:- حاضر أوعدك هسمع كلامك وهعصُر على نفسي سوق لمون وأروح الشركة..
أبتسمت لهُ وبعد قليل أستأذن حتى يُجيب على هاتفُه توجه إلى الحديقة وبينما هو يتحدث بالهاتف حانت منهُ ألتفاتة إلى بوابة القصر ليتوقف الزمن من حولُه وهو يراها تدلف من البوابة ببساطتها وخُصلات شعرها المُتراقصة من حولها ووجها الطفولي البرئ هي نغم تِلك الخادمة التي رأها هُنا للمرة الأُولى منذُ عدة أشهر لم يكُن قد رأها بالقصر من قبل وعندما حاول مُلاطفتها ولم تكُن تعلم من هو حتى أنفجرت بوجهُه بلسانها السليط وقد صُدم من أن هذه الطفلة التي بالكاد تصل إلى صدرُه شرسة إلى هذا الحد والصدمة الأكبر عندما تفاجئ بأعجابُه بذلك لقد أُعجب بشراستها ولكنهُ لم يُحاول الأقتراب منها مُجددًا ولا يعلم السبب على الرغم من أنها تشغِل حيز من تفكيرُه بين الحين والأخر أغلق الهاتف بوجه المُتصل وتوجه إليها بهدوء ونظرات مُتفحصة دقيقة وعندما لاحظت أقترابُه منها توترت قليلًا ولكنها سيطرت على توترها وتماسكت حتى وصل إليها قائلًا بمُشاكسة:- أهلًا بأُم لسان طويل..
هتفت بعفوية:- اللهُم طولك ياروح على هذا اللوح..
همس يزن بذهول:- واااات..!! بقا أنا لوح..
أدركت غباء حديثها فهتفت سريعًا:- لا طبعًا يابيه مش حضرتك أنا أقدر برضُه أقول حاجة زي دي ليك..
أرفقت مع جُملتها وجه ملائكي برئ تصنع إنهُ تأثر بهِ ثُم مط شفتيه قائلًا:- مممم أنا بقول كدة برضُه..
أبتسمت لهُ بسماجة وهمت أن تتخطاه ولكنهُ أوقفها قائلًا بمرح:- بقولك أيه يانغم ما بلاش بيه وباشا دي الحاجات دي أتلغت من زمان..
همست قائلة ببرود:- العفو يابيه العين متعلاش عن الحاجب..
همس بتعجُب:- عين أيه وحاجب أيه..!! أنتِ ليه بتقللي من قيمة نفسك كدة..!!
أستشاطت غيظًا لأنهُ فهم جُملتها بصورة خاطئة ثُم تخصرت أمامُه قائلة بكبرياء:- لا طبعًا أنا عارفة قيمة نفسي كويس وعشان عارفة قيمتي ف عارفة إني هنا نغم الشغالة وحضرتك يزن بيه صاحب القصر يعني مفيش حاجة تخليني أكلمك بأسمك هو ف الحقيقة مفيش حاجة تخليني أكلمك أساسًا أنا شُغلى مع كريمة هانم وعن إذنك بقا عشان وقفتنا دي مش حلوة وكمان هتأخر على شُغلي..
تخطتُه تِلك المرة وهو يقف كالحائط وقد ألجمُه حديثها ولم يقوى على الرد هذه الفتاة حقًا تُبهرُ مرة بعد الأُخرى وهو يعجبُه ذلك يعجبُه بشدة ألتفت ينظُر لها وهي تسير بأتجاه باب الخادمات الخاص بهُن حتى طريقة سيرها وكأنها ملكة تتشبع بالكبرياء لم يشعُر بهذه الأبتسامة التي أرتسمت على شفتيه وهو يُراقبها كالأبله..
أتى المساء سريعًا وقرر يزن الخروج من المنزل قبل أن يصل والدُه وبالفعل أستقل سيارتُه وقادها بأتجاه المكان الخاص بأصدقائُه ليقضي معهُم سهرتُه كالعادة وبمُجرد أن سار عدة أمتار حتى توقف بسيارتُه بصدمة وهو يراها تقبض على ملابس شاب رث الهيئة وضعيف الجسد بل والأدهى تلكمُه ترجل من السيارة سريعًا وتوجه إليها ثُم قبض على معصمها وأبعدها عن الشاب وقبض هو على تلابيب ملابسُه كما كانت تفعل هي منذُه ثواني وصاح قائلًا بقوة:- عملك أيه الواد دة أنطقي..!!
تعجبت نغم من وجودُه وكادت أن تُصيح بهِ هو الأخر ألا يتدخل ولكن توقفت عندما أستمعت إلى ذلك الشاب وهو يهتف بضجر:- ياست أنا أسف أنا أستاهل ضرب الجزم إني جبرت بخاطرك وعاكستك وأنتِ بوز أخص..
وقبل أن يُجيب يزن حتى صاحت هي بنبرة سوقية قائلة:- ناااااااااعم مين دي اللي بوز أخص ياعنيا..!!
بقا أنا بوز أخص ولا أنت اللي ماشي ورايا وعمال تزن تزن تزن زي الدبانة ومش عايزة ألف وأمد أيدي عليك بس تحُط أيدك عليا وتفكر إني هعدهالك ليه شايفني سهلة ولا أيه..
قام يزن بلكمُه دون كلمة أُخرى منها يكفي ما قالتُه لقد أقترب منها وهذا يستحق أكثر من اللكم شهقت هي بفزع من الدماء التي تناثرت من فم الشاب أثر تِلك اللكمة العنيفة وقبل أن يتلقى المزيد دفع يزن وركض بكُل قوتُه كاد الأخير أن يلحق بهِ ولكنها قبضت على معصمُه بتلقائية فتوقف بصدمة أثر لمستها لهُ فأنتبهت هي لما فعلت لتتورد وجنتيها بخجل وتبعد كفها سريعًا ثُم همست قائلة بتلجلج:- أحم، مُتشكرة يابيه بس مكنش في داعي تعمل كدة أنا بعرف أتصرف..
أبتسم بسُخرية قائلًا:- لا ما هو واضح بصراحة، أنا أول مرة ف حياتي أشوف بنت ماسكة واحد من هدومُه وبترجُه زي أزازة البيبسي..
نغم بتلقائية وتعجُب:- وهو دة واحد دة نطع..!!
يزن بتعجُب أشد:- نعم..!! يعني أيه نطع..
تنحنحت قائلة بخفوت:- لا متاخُدش ف بالك يلا سلام..
أوقفها بنبرة قوية قائلًا:- أستني هنا أنا هوصلك..
نغم بعدم فهم:- توصلني فين إن شاءالله..
يزن بتعجُب من سؤالها الغير منطقي بالنسبة لهُ:- هوصلك بيتك طبعًا..
أنفجرت نغم بالضحك قائلة من بين ضحكاتها:- بقا أنا أدخُل حارتنا ف عربية زي دي وراجل اللي سايق..
توتر من ضحكتها قليلًا ولكنهُ همس بتفكير:- خلاص عشان معملش ليكي مشاكل هوصلك على أول الشارع..
هتفت بملل من هذا الحوار الذي أستطال أكثر مما يلزم:- لا شكرًا لخدماتك يابيه مش هينفع يلا عن أذنك..
كاد أن يقبُض على معصمها ليوقفها ولكنها أدركت فعلتُه وأبتعدت قائلة بعصبية:- إيدك لتوحشك يابيه، مش عشان ساعدتني مرة يبقا تفتكر إن الدُنيا بينا هتبقا سداح مداح لا مش أنا سلام..
تركتُه مرة أُخرى واقفًا ينظُر إلى ظهرها وهي ترحل بهدوء كأنها لم تفعل شئ وعندما عاد من صدمتُه بعد أن أختفت من أمامُه همس بذهول قائلًا:- أأأأيييييههه دييييي..!! هي بتعمل معايا كدة ليه..!! بلاعة وبتضرب ف وشي كُل ما أكلمها، دة ليه حق الواد اللي عاكسها يقول بوز أخص صح..
تنهد بلامُبالاة وأستقل سيارتُه ليتوجه بها إلى الملهى المُخصص لسهراتُه وصل إلى هُناك وجلس يُشاهد مايحدُث حولُه بفتور حتى أقتربت منهُ فتاة بملابس تكشف أكثر مما تستُر تُحاول أغرائُه فرفضها على الفور فهو لم يكُن يومًا بزاني على الرغم من أستهتاره هذا إلا أنهُ لم ينحرف إلى هذا الطريق بعد.. بدأ بالحديث مع رفاقُه حتى أقترب منهُم شاب تحدث مع فتاة صديقتهُم فتلقى منها الصد على الفور ولكنهُ لم ييأس حتى صاحت بهِ الفتاة قائلة بعصبية:- يابني أدم أبعد عني بقا..
صرخ بها بلاوعي أثر الخمر الذي تجرعُه:- بقولك أيه قومي معايا بالذوق وهدفعلك اللي أنتِ عايزاه بدل ماأخدك بالعافية ومش هتطولي مليم..
أرفق جُملتُه بالقبض على معصمها يسحبها معُه فنهض يزن وأصدقائُه للدفاع عنها وبالفعل أصبحت المواجهة بين الرجال فصاح يزن قائلًا بصرامة:- هي مش قالتلك أبعد عنها مش سامعها ولا أيه..
الشاب بسُخرية:- لا عملت نفسي مش سامعها..
هتف يزن ببرود:- طب أعمل نفسك مش شايفها بالمرة ووارينا عرض كتافك..
وبدون سابق أنذار لكمُه الشاب لكمة غادرة فأستعاد يزن توازنُه ورد لهُ اللكمة حتى تلقى ضربة ألمتُه بشدة فلم يجد أمامُه سوى زُجاجة خمر يلتقطها ويهوى بها على رأس الشاب ليسقُط غارقًا في دمائُه..........
********************************************* قبل ذلك الحدث بعدة ساعات بمنزل بسيط ولكنهُ دافئ بفضل تِلك الأُسرة السعيدة أو التي من المُفترض أن تكون سعيدة كانت هُناك عزيمة عائلية بمنزل السيد نُعمان رحمُه الله وقد قامت بها أرملتُه السيدة عفاف لأبنتيها وأزواجهُن فصاحت موجهة حديثها إلى أبنتها الكُبرى قائلة بتعجُل:- أخلصي يا زينب أخواتك وأجوازهُم على وصول..
هتفت زينب بعجلة مُماثلة:- أهو ياماما قربت والله..
زينب فتاة بعامها التاسع وعشرون تعمل كسكرتيرة بشركة هندسة بسيطة توفى والدها الحاج نُعمان منذُ أن كانت بالسنة الأولى بالثانوية العامة تمتلك شقيقتان يصغراها بعدة سنوات ولكنهُما تزوجتا منذُ مُدة ولم يبقى سواها فمنذُ أن توفي والدها ولم تكُن والدتها تمتلك حتى شهادة جامعية لتعمل بها وتعول أُسرتها فقررت هي أخذ ذلك الدور وخرجت إلى سوق العمل وقد عملت بعدة وظائف بسيطة بائعة بمحل ملابس، نادلة بمطعم وهكذا مثل هذه الأعمال بجانب دراستها التي كانت تتفوق بها مرة بعد الأُخرى حتى مرت السنوات وهي تعمل وتدرس وحصلت على شهادة الهندسة وعندما أعتقدت أن الحظ أبتسم لها وستتوظف كمُهندسة لم تقبلها شركة واحدة دون خبرة وبالأخير وجدت شركة الهندسة التي تعمل بها ولكن ليس كمُهندسة بل سكرتيرة لصاحب الشركة وافقت حتى تُرحم من مُعاناة باقية الوظائف الأُخرى ومرت السنوات وهي تعمل وتبدأ في أعداد شقيقتيها للزواج وبالفعل زوجتهُما وفجأة وجدت نفسها على مشارف الثلاثون دون زواج ولا يرحمها شئ من حديث الناس المسموم ولكنها لم تُبالي بهُم تعلم أن الزواج ماهو إلا نصيب وسيأتي عندما يُريد الله ذلك، جسدها رشيق ومتوسطة الطول بشعر أسود قصير بعض الشئ وبشرة بيضاء صافية وعيون زيتونية داكنة.. بعد ساعات من التعب حضر الجميع وبدأوا في تناول الطعام فهتف مُسعد زوج شقيقتها الوسطى قائلًا بسماجة كشخصيتُه المعهودة:- ها يازينب مفيش عريس كدة ولا كدة يعني..
أبتلعب طعامها بهدوء وهي تتنهد بسرها حتى لا تنهض وتقوم بطرد ذلك السمج الذي تعشقُه شقيقتها ولا تعلم لما ثُم هتفت ببرود:- لا والله يا مُسعد مفيش..
هتف مُسعد بضيق:- مش لو كُنتِ وافقتي على إبن عمي كان زمانا عاملين العزومة دي ف بيتك..
ياالله حديثُه يزداد بغض وهي تزداد عصبية ولكنها تماسكت قائلة بسُخرية:- إبن عمك اللي متجوز مرتين ومُطلق وعندُه من كُل واحدة 3 عيال ودة أخدُه أعمل بيه أيه دة..
هتف مُسعد دون شعور:- مش أحسن من قاعدتك كدة من غير جواز وأخواتك الصُغيرين أتجوزوا..
=مُسعد..!!
كان ذلك صوت ريهام زوجتُه تنبهُه إلى ماتفوه بهِ فتنحنح بتوتر عندما لاحظ نظرات الجميع الموجهة نحوه بضيق وهتف قائلًا:- أحم، أنا أسف يعني يا زينب مش قصدي أضايقك، أنا بس خايف عليكي أنتِ زي أُختي وعايزك تفرحي..
بعد أن تفوه بجُملتُه الجارحة تجمدت أصابعها على معلقة طعامها وتحولت ملامحها الجميلة إلى أُخرى صلبة باردة وهمست قائلة:- حصل خير..
تدخل يوسف زوج رنا شقيقتها الصُغرى قائلًا بحنو:- متزعليش يازينب أنتِ عارفة هو مُسعد دبش شوية بس مش قصدُه يعني، أنتِ ست البنات والله..
أبتسمت لهُ زينب بحنو وهي تعقد مُقارنة بين الزوجان شتان بينهُما ف مُسعد ذو شخصية بغيضة لا يُمكن تحمُلها في حين أن يوسف على النقيض منهُ تمامًا ونعم الزوج لزوجتُه ولم تندم يومًا على تزويجها لهُ ولكنها تندم ألف مرة على تزويجها لريهام لذلك الشخص الكريه.. وبعد ساعات أنتهت الجلسة العائلية ورحل الجميع فلم يبقى سوى زينب ووالدتها السيدة عفاف التي دلفت إلى غُرفة أبنتها قائلة بهدوء:- فاضية يازينب أتكلم معاكي شوية..
أعتدلت زينب بجلستها وأشارت لها بالأقتراب قائلة بهدوء:- أكيد طبعًا أتفضلي ياماما..
جلست السيدة عفاف أمامها على حافة الفراش كان التوتر بادي عليها بشدة فهمست زينب بتعجُب:- في أيه ياماما مالك.. ليه متوترة كدة..!!
أبتلعت والدتها لُعابها وهمست قائلة بخفوت:- أنا بصراحة مُحرجة من الموضوع اللي جيالك عشانُه بس مُضطرة بقا..
رددت زينب الحديث قائلة بعدم فهم:- مُحرجة..!! عايزة فلوس يعني..!!
السيدة عفاف سريعًا:- لالا مش مسألة فلوس دة اااا..
أنتظرت زينب أن تستكمل حديثها فتنهدت هي قائلة بهدوء:- بُصي يابنتي أنا من يوم ما أبوكي مات وأنا عيشت ليكُم، صحيح مشتغلتش عشان معنديش ولا شهادة ولا صنعة أشتغل بيها وأنتِ اللي شقيتي علينا كُلنا وشيلتي البيت بس أنا برضُه كُنت مراعية ليكي ولأخواتك جوة البيت وربنا يشهد إني مقصرتش معاكم..
صمتت لترى أثر حديثها على أبنتها ولكن لم يُقابلها سوى الصمت فأكملت حديثها بتردُد:- بصراحة يا زينب يعني اااا... أنا قررت اااا.. قررت أتجوز..
شهقة خافتة كانت ردة فعل طبيعية على حديث والدتها الصادم ورددت الكلمة خلفها ببلاهة قائلة:- تتجوزي..!! تتجوزي مين وأزاي..!!
أشاحت السيدة عفاف بنظراتها بعيد عن نظرات أبنتها وأجابت قائلة ببراءة مُصطنعة:- أة أتجوز وفيها أيه يعني مش بشر أنا ومن حقي، وهتجوز مين ف دة واحد طنطك ميرفت قالتلي عليه، شافني وعجبتُه ف قالها إنُه عايز يتجوزني هو الجواز حُرُم يعني..
رفرفت بأهدابها عدة مرات لتستوعب ما تقولُه والدتها ثُم همست قائلة بذهول:- طنط ميرفت الكركوبة دي اللي كانت عايزة تجوزني أبنها أبو خمسين سنة وشايفاني عانس رايحة تجوزك أنتِ ياماما..
هتفت السيدة عفاف بغيظ:- وهو أنتِ يعني كُنتِ وافقتي ما أنتِ قعدتي جمبي أهو وشكلك مطولة خلي واحدة فينا تغور جايز نحسك يتفك..
للمرة الثانية على التوالي تتلقى جرح بقلبها الصغير اليوم ولكن هذه المرة أصعب فقد أتى من الأقرب إليها بينما والدتها رأت نظرات الألم بعينيها ولم تواسيها بل رأت أن المواساة ستُضيع الهدف الأساسي للحديث فأستعادت زينب وجهتها الصلبة وهتفت قائلة ببرود:- وياترى أنتِ جاية تاخدي رأي ولا أتجوزتي أصلًا..
السيدة عفاف بتبرُم:- لا لسة ومش باخُد رأيك أنا بس بعرفك إني هتجوز أخر الشهر وعايزاكي تسبيلي الشقة أول أسبوع كدة وتقعدي عند حد من صُحابك عشان مش معقول من أول أسبوع يجي يلاقي بنتي..
زينب بصدمة على وشك أن تُصيبها بذبحة:- أنتِ هتجبيه بيت بابا كمان..
السيدة عفاف ببرود:- أيوة وجدي معندوش شقة، شقتُه أخدتها طليقتُه ف هيعيش معايا هنا..
كُل هذه الأحاديث لم تتحملها فصمتت تُطالع والدتها بذهول وعدم تصديق هل هي تحلم أم ماذا وكيف لم ترى وجه والدتها الحقيقي كُل هذه السنوات هل هي تحت تأثير سحر أو أعمال شعوذة أم حقًا والدتها أمامها وتتحدث بهذا الموضوع الهام للغاية بمثل هذا البرود وكأنهُ شئ عابر غير مُهم وقبل أن تُجيبها صدح صوت رنين هاتفها وكانت المُتصلة ريهام شقيقتها أجابت الأتصال وبمُجرد أن فعلت حتى وصلها صوت شقيقتها الباكي قائلة:- أيوة يازينب ألحقيني....
************************يُتبع******************
#أمير_قصر_الغرام
#أية_صبري

أمير قصر الغرام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن