طوال السنوات الخمس الماضية، عمِل كيوني كل يوم ، ولم تكن لديه وظيفة محددة ، بل كان يقوم بالكثير من الأعمال المختلفة، وكان معروفًا للجميع في قريته بتفانيه في العمل.
بالإضافة إلى كل العمل الذي كان يقوم به ، كان يخصّص وقتًا للذهاب للصيد ، والعودة في المساء محملاً بالسمك ، و كان يكلّف صديقه بمهمّة بيع تلك الأسماك، ثم يتقاسمان الأموال التي يجنِيانها.
التقى كيوني بصديقه زيستو قبل ثلاث سنوات. كان زيستو يبلغ من العمر سبع سنوات عندما تعرّف على كيوني. زيستو فتًى فقير يعيش مع والديه وإخوته وتعلّم الاعتماد على نفسه رغم صغر سنّه، اذ أجبره الفقر على العمل لاعانة أسرته، و رغم فارق السن بينهما، إلى أنّ كيوني رحّب بفكرة العمل مع زيستو لأنه شعر بمعاناة ذلك الطّفل الذي أراد أن يُفيد أسرته المُعوزّة، و تذكّر نفسه عندما كان في نفس عمره، و كم عانى في صغره من ويلاتِ الفقر و الحرمان.
حدث ذلك قبل ثلاث سنوات، في صباح بارد ، كان كيوني يستعد للخروج ، وكان العمل الشاق ينتظره في المزارع، و لمّا فتح الباب رأى طفلًا جالسًا بالقرب من منزله، وكانت ملابسه متسخة، و بدى محرومًا ومعذبًا ، اقترب منه كيوني وسأله:
"ما الأمر يا فتى؟!"رفع الصبي رأسه وقال باحترام:
"أريد أن أعمل معك يا سيدي. أعلم أنك مشغول دائمًا. هل يمكنك العثور على عمل لي لمساعدة أهلي؟"شعر كيوني بجدّية كلام الطفل، و تذكّر طفولته الصعبة عندما رأى ذاك الولد. ابتسم كيوني وطمأن الطفل قائلاً :
"لا تقلق يا رجل، لديّ عمل لك".كان الطفل سعيدًا جدًا بسماع كلمات كيوني، و عادت البسمة إلى وجهه المكتئب. ثم سأله كيوني:
"ما اسمك يا فتى؟"أجابه الفتى باحترام:
"اسمي زيستو يا سيدي".ثم قال كيوني:
"حسنًا ، زيستو ، لدي خطة، أنا سأهتمّ باصطياد الأسماك، أما أنتَ سوف تتكفّل ببيعِها في القرية، وفي المساء سنتقاسم المال الذي ستجنيه. ما رأيك؟"ظهرت علامات الرضى على وجه زيستو ، وصاح قائلا:
"أنا موافق ، شكرا لك يا سيدي".تفاجأ كيوني قليلاً ، لأنه لم يحدّثه أحدٌ برسميّة من قبل، ثم قال للطفل:
"اسمي كيوني، لا داعي لتقول سيدي".قال زيستو:
"نعم يا سيدي".ثم قال كيوني مبتسمًا:
"ها أنتَ ذا تقولها مجددًا!!"ثم ضحك الاثنان ببراءة رغم المشاكل التي كانت تثقل كاهليهما. وبدأت قصّة صداقتهما منذ ذلك اليوم.