بعد عدّة أيام أمضاها كيوني في السّجن، امتنع عن الأكل وبالكاد كان ينام. و نتيجة لذلك فقد الكثير من الوزن، و أصبح نحيفًا جدًا و في حالةٍ يُرثى لها.
كان شاندو قلقًا بشأن وضع كيوني البائس، لذلك اعتاد التحدّث إليه كل يوم محاولاً إقناعه بالاعتذار و العدول عن الاتهامات التي وجّهها له، لكن كيوني كان مصراً و عنيدًا وقال إنه لم يندم على كلّ كلمة قالها.
بعد أن فقد شاندو الأمل في إقناع كيوني ، توقف عن التحدث إليه وتركه وحده لمواجهة مصيره في زنزانته المظلمة.
و هكذا مرت ثلاث سنوات، كبر خلالها كيوني و بلغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا بينما كان وراء القضبان طوال الوقت، وأصبح نحيفًا وضعيفًا للغاية، ونمَت لحيته وشعره و أضحى يبدو كمتشرّد.
تعلّم كيوني البقاء هادئًا، ولم يكن مندفعًا كما كان من قبل، لأن أوقات السجن علّمته أن التسرّع والاندفاع والغضب لن يسببوا له سوى المشاكل،
و طوال هذه السنوات كان مطيعًا ولم يسبّب أي مشاكل، بل كان متعاونًا و محبوبًا من قبل الحراس.و خلال تلك الفترة، غيّر شاندو سياسته مع السجناء ، و لم يعُد مصيرهم الإعدام مثلما كان في السابق، بحيث أصدر شاندو أحكامًا تتناسب و الجرائم التي يرتكبها المخالفون للقانون. و هكذا لم يعد يحظى باحترام أهل المدينة بسبب خوفهم منه، لكن ثقتهم به تجدّدت بعد أن تراجع عن إعدام الأسرى، و اكتسب شهرة و مكانة محترمة في القرى والمدن المجاورة.
أما زيستو فقد كان ينتظر عودة كيوني بفارغ الصبر، و هو الذي وعده بأنهما سيلتقيان قريبًا.
و كان زيستو في الثامنة عشر من العمر وقد عمل بجدٍّ خلال السنوات الماضية، و لم تعد عائلته معوزّة كما كانت سابقًا، كما كبِر إخوته وعملوا بدورهم ، وكسبوا ما يكفي من المال لتجاوز ضائقتهم المالية.كان زيستو راضيًا عن الوضع الماديّ لعائلته، لذلك قرّر السّفر إلى مدينة نافورا للبحث عن صديقه كيوني، فقد كان قلقًا جداً عليه و لم يتلقى أي رسائل منه منذ يوم رحيله.
بحث زيستو لعدّة أيام في أحياء مدينة نافورا، وسأل الكثير من النّاس، لكن لم يُفده أحد لأن كيوني لم يتعرّف على الناس في تلك المدينة و لم يشكّل أيّ صداقات مع السكان المحلّيين، و ذلك لأنه قضى جلّ وقته في السّجن.
أمضى زيستو بضعة أيام في مهمة البحث و التقفي، و في أحد الأيام الشديدة الحرّ، كان زيستو يسير في شارع خالٍ من علامات الحياة، و رأى حانة مفتوحة، وقرر الدخول والحصول على مشروب بارد لإرواء عطشه.
جاء النادل الشاب بكأس من الشّراب البارد وقدّمه لزيستو.
احتسى زيستو شرابه ودفع ثمنه، وقبل مغادرته سأل النّادل قائلاً:
"كيف يمكنني الوصول إلى قلعة شاندو؟".تفاجأ النادل قليلاً وقال:
"قلعة السيّد شاندو عند مخرج المدينة ، ألا تعرف ذلك؟"أجابه زيستو:
"أنا لستُ من المدينة، لكنّي سمِعت عن شاندو، على أيٍّ، شكرا لك".سأل النّادل:
"ماذا تريد من السيد شاندو يا غريب؟".
أجاب زيستو:
"أنا أبحث عن شخصٍ ما، وقد يساعدني في ذلك".قال النّادل:
"أنت محظوظ ، أتعلم؟ قبل ثلاث سنوات، لم يعد أحد من ذلك المكان حياً".ابتسم زيستو وقال:
"لا أخاف الموت، لأنّ الرّجل يموت مرة واحدة فقط".غادر زيستو الحانة، و ظلّ النّادل مستغرباً، ثم قال في نفسه:
"لقد سمعتُ هذه الكلمات من قبل، لكن آخر من قالها لم يعد إلى هنا".