اسكريبت
عقم الروح .. بقلمى .. ميمى عوالى
فى حى شبرا العريق ، و باحد شوارعه المحدودة الاتساع ، كان يقبع منزل عبد الحى .. ذلك الرجل الذى يتمتع بمحبة كل من له صله به و كل من تعامل معه ، و ياله من كنز عظيم ، فعبد الحى ذاك الرجل الصبوح الوجه و الذى قد تخطى الستين من عمره .. هو صاحب اقدم عربة فول بالحى ، فمنذ نعومة اظافره كان يساعد ابيه فى نفس المهنة التى اتقنها عبد الحى منذ نصف قرن مضى ليشتهر صيته و تنمو ثروته حتى تمكن من شراء قطعة ارض اسس عليها منزله الخاص ، ثم يبنى لكل طفل من اطفاله سكن خاص بنفس العقار
و لعبد الحى زوجة تدعى روحية ، و لكنها قوية الشخصية عنيدة كالبعير ، كان عبد الحى يتجنب الدخول معها فى اى نقاش قد يحمل بعد ذلك توابعه على عاتقه ، و كان يترك لها ادارة شئون المنزل بالكامل ، و بالتالى تربية ولديه ايضا بالكامل
و كان لدى عبد الحى ولدين ، احمد و محمود ، كان احمد قد تخطى الثلاثين من عمره و قد تزوج من سهام .. ابنة خالته ، التى خطبتها له امه و زوجته اياها ، و انجب منها عبدالله و فاطمة
اما محمود فكان فى اواخر العقد الثانى من عمره ، و قد تزوج ايضا من مهجة ابنة عمه و قد تزوجها بعد قصة حب لازمت جميع مراحل حياتهم منذ الطفولة ، حتى فاز بها اخيرا من اكثر من خمس سنوات مضت ، و كانا بتنعمان بسعادة بالغة حتى ثلاث سنوات مضت .. عندما طالبتهم روحية بالذهاب الى الطبيب حتى يقفان على اسباب عدم انجابهما الى تلك اللحظة ليستفيقا على كابوس مظلم بعد رحلة طويلة من الفحوصات المعملية المعقدة
فقد اعلن الطبيب ان محمود مصاب بعقم قد يشفى منه بعد رحلة علاج .. الله وحده يعلم مدتها و نتائجها أيضا
ليصاب محمود بصدمة عنيفة هزت ثقته بنفسه و احنت رأسه و كتفيه بحزن مما ازعج زوجته و حبيبته و اختنق قلبها من اجله فاقتربت منه قائلة
فلاش باك
كان محمود جالسا بشرود حزين بشرفة غرفة نومهم و هو يدخن بشراهة و كانت مهجة تراقبه من بعد و هى تكاد تبكى لأجله حتى قررت الاقتراب منه و جلست ارضا تحت قدميه و هى تقول بابتسامة : قبل ما نروح للدكتور قلتلى اوعى تقلقى لو طلع عندك حاجة … الطب اتقدم و مافيش حاجة بتستعصى على ربنا … راح فين بقى كل كلامك ده دلوقتى
محمود بحزن : الوضع غير يا مهجة ، حتة ان الراجل ينقطع سلساله من الدنيا بتوجع اوى
مهجة : الحكاية دى مافيهاش راجل و ست يا محمود ، بس دى ارادة ربنا ، ثم ان الدكتور قال انك ان شاء الله لما تمشى على العلاج ممكن فى اى لحظة تخف و تخلف عادى
محمود بتهكم : ممكن ااه ، و ممكن لأ ، يعنى مش مضمونة
مهجة : استغفر الله العظيم ، و مين فينا بس ضامن حتى عمره ثانية واحدة قدام
محمود : استغفر الله العظيم ، بس انتى ذنبك ايه
مهجة : و هو لو كان العيب طلع فيا كان هيبقى ذنبك ايه ، احنا على الحلوة و المرة سوا يا حبيبى
محمود بخجل : مش عارف اقول لامى ايه لما تسألنا على النتيجة … اقول لها ابنك معيوب
مهجة بلهفة : لأ طبعا … اوعى تقول لها حاجة ، لا هى و لا غيرها
لينظر اليها محمود باستفهام قائلا : طب و لما تسأل اقول لها ايه
مهجة ببساطة : قول لها مهجة عندها شوية تعب و الدكتور كتبلها على علاج و كل شئ بايد الله
محمود : و انتى ذنبك ايه يا بنت الناس
مهجة : ماهواش ذنب حد يا محمود ، دى حاجة تخصنى انا و انت و بس ، ما حدش له دخل بيننا ، بس عشان مراة عمى ماتزعلش ، قوللها كده و خلاص .. حتى عشان ماتزعلهاش
محمود مد يده وضم رأسها بحب و هو يقول : ربنا ما يحرمنيش منك ابدا
عودة من الفلاش باك
كان يوم الجمعة و كعادة منزل عبد الحى ، فقد اجتمع الجميع بشقة عبد الحى من اجل تناول الغداء الذى تعده مهجة كل جمعة بشقة عمها دون مساعدة تذكر من اى من كان
و كانت سهام دائما ما تهبط قرب صلاة العصر بحجة انشغالها باطفالها ، و كانت روحية دائما تساندها و تدافع عنها دون ان يوجه لها احدا اى كلمة اتهام ، فكانت تسبق الاحداث و ما ان ترى سهام ، حتى تقول مرحبة : تعالى يا سهام ، تعالى اقعدى يا ضنايا .. تلاقى الولاد هادين حيلك طول اليوم .. عقبال ما ربنا يطعمك يا محمود يا ابنى يارب و يجبر بخاطرك
لتنزل كلاماتها كالس*كين البارد على صدر مهجة ، فهى تعلم مقصد زوجة عمها التى بدأت منذ عامبن او اكثر فى التن*مر بها و معايرتها بعدم الانجاب باسلوب غير مباشر ، حتى انها علمت مؤخرا انها بدأت فى مطالبة محمود بالزواج من اخرى حتى تقر عينيها بذريته ، و لكن مهجة لم تلقى بالا لاى من تلك المحاولات ، فهى تعلم ان محمود لا يدخر وسعا فى رد غيبتها دائما
حتى حان موعد تناول الطعام ذلك اليوم ، فقامت مهجة كعادتها بتحضير المائدة بمفردها حتى انتهت و ذهبت لاستدعائهم من غرفة المعيشة فوجدت زوجها يجلس بجوار زوجة عمها و هى تقول بفرحة : ايوة كده ريحت قلبى ربنا يريح قلبك يا ابنى يارب
و ما ان رأتها روحية و هى تقف بالباب حتى قالت بانزعاج : انتى مالك واقفة كده عاملة لنا زى العمل الردى
مهجة و هى تحاول مداراة ضيقها و مراقبة معالم وجه زوجها الذى يهرب بعينيه منها : ابدا يا مراة عمى ، كنت جاية اقول لكم ياللا الاكل جاهز
و ما ان همت روحية بنهرها مرة اخرى حتى قام عبد الحى من مجلسه قائلا لمهجة بمحبة : تسلم ايدك يا مهجة يا بنتى ، انا شامم ريحة الطشة بتاعة الملوخية بتاعتك الحلوة و هموت عليها
مهجة بمحبة : بعد الشر عنك يا عمى ، بالف هنا على قلبك يارب
ليسحبها عبد الحى معه فى اتجاه مائدة الطعام و هو يقول : اكلك ماينشبعش منه يا مهجة ، اللى عاوز يلحق لقمة ييجى بسرعة قبل ما اخلص على الاكل كله
روحية من خلفه بتهكم : اهو على الاقل فلحت فى حاجة
عبد الحى : تعالى يا بت يا مهجة اقعدى جنبى عشان تتوصى بيا فى الاكل احسن انا عارفهم كلهم مش هيعبرونى
مهجة : عيونى يا عمى ، اتفضل
و ما ان بدأوا بتناول الطعام حتى قال احمد : تسلم ايدك يا مهجة ، دايما تاعبينك كده
روحية بحدة : و هى يعنى وراها ايه ، اهو على الاقل بتلاقى حاجة تشغلها عن التفكير فى اللى محرومة منه ، و بعدين هو ده ييجى ايه جنب اكل سهام و اللا اكلى ، انا بس اللى بقول اهى حاجة تتلهى فيها
ثم مدت يدها الى دجاجة موضوعة بالقرب منها وقسمتها نصفين و وضعت نصفها بصحن محمود قائلة بسعادة : انا عاوزاك تتغذى الايام دى كويس عشان تقدر تسد
محمود و هو على حاله و يهرب بعينيه من مهجة : كتير يا ماما ، ما اقدرش اكل كل ده ، انا هقسمها مع مهجة
روحية بامر : لأ كل انت و اتغذى و انا هبقى اديها حتة من نايبى
كانت مهجة تشعر بان هناك امرا مريبا يدور بين محمود و امه ، و لكنها قررت عدم التحدث حتى تنفرد بزوجها لتقف على بواطن الامور
و ما ان عادت الى شقتها و قامت بالتحمم و تغيير ثيابها ، حتى ذهبت لتجلس بجوار زوجها و هى تقول بدعابة ضاحكة : ها يا سيدى .. قوللى بقى مراة عمى مهتمية اوى بتغذيتك النهاردة على غير العادة كده ليه .. ايه .. اوعى تكون ناوية تجوزك تانى
لينظر اليها محمود بذهول و هو يزدرد لعابه بقلق ثم قال بخفوت : انتى عرفتى ازاى
مهجة دون اكتراث : اعرف ايه بس يا ابنى ، هى يعنى جديدة ، دى بقالها على الحالة دى سنتين و زيادة ، بس انا حسيتها النهاردة مبسوطة بزيادة اكنها خلاص خدت موافقتك
محمود و هو يقيس رد فعلها : انا فعلا وافقت يا مهجة
مهجة دون استيعاب : وافقت على ايه … مش فاهمة
محمود و هو يشيح بوجهه عنها : وافقت انى اتجوز تانى
لتنظر له مهجة بصدمة قائلة : انت بتقول ايه
محمود : بقول انى هتجوز يا مهجة
مهجة : هتتجوز عليا انا يا محمود … طب ليه .. هو انا زعلتك فى حاجة ، او غلطت فى حقك من غير ما اخد بالى
محمود ببعض الحدة : مش يمكن لو اتجوزت غيرك اخلف يا مهجة ، انا نفسى فى عيل يا مهجة ، عاوز ابقى اب … ايه .. مش من حقى
مهجة باستنكار : يعنى انت عاوز تتجوز عليا عشان تخلف
محمود : حقى
لتنهض مهجة من مجلسها بحدة و هى تقول : هو انت هتكدب الكدبة و تصدقها و اللا ايه ، هو مين فينا السبب فى قلة الخلفة .. انا و اللا انت
محمود بعند : و مش يمكن اكون خفيت و انتى اللى مش عارفة تجيبيلى حتة عيل
مهجة بعدم تصديق : بأمارة ايه الكلام ده ، ده احنا كنا لسه عند الدكتور الشهر اللى فات و عايدين التحاليل ، و الدكتور قايل لك انك لسه شوية .. و اللا نسيت
محمود : و الله بقى دى حاجة بتاعة ربنا ، ماهياش بايد الدكاترة
لتقف مهجة امامه فى حالة ذهول تام و عدم تصديق لمنهجه فى التفكير ، لتمتلىء عيناها بالدموع و هى تقول : تصدق انت عندك حق ، روح اتجوز يا محمود ، امشى ورا امك و روح اتجوز ، بس قبل ما تخطى خطوة واحدة فى السكة دى ، طلقنى
محمود بصدمة : اطلقك ؟؟ ، و عاوزة تتطلقى ليه ، ايه هتتجوزى بعديا ، و اللا هتروحى تقعدى مع اخوكى يصرف عليكى و مراته تعايرك انك عالة عليهم
مهجة بتصميم : مايخصكش
محمود : لا يخصنى ، احنا مش هنرمى بلانا على الناس ، اخوكى مش حملك
مهجة بغضب : قلتلك ما يخصكش ، اشغل حالك انت بالعروسة الجديدة اللى امك جايبهالك و مالكش دعوة بيا
محمود و هو يدلك وجهه بعنف : اعقلى يا بنت الناس و استهدى بالله و ماتخربيش على نفسك
لتنظر له مهجة بغضب و تتجه الى الخارج و هى تسحب عبائتها من فوق الفراش ، و تتجه الى باب الشقة ، ليهرول محمود خلفها فى محاولة لمنعها و لكنها قالت بتصميم : سيبنى اعمل اللى انا عاوزاه يا محمود ، احسن و الله فى سماه لهكون راقعة بالصوت و لامة الناس حواليا و حكيالهم على كل حاجة و معرفاهم اللى فيها عشان امك تعرف انها خربت عليك مش عليا
محمود : انتى بتعايرينى بوقوفك جنبى يا مهجة
مهجة بحزن : لا يا محمود … انا بعايرك بضلمة قلبك اللى هتفضل توسع لحد ماهتبلعك جواها
ثم فتحت الباب و اختفت عن عينيه فى ثوان معدودة
اما بشقة عبد الحى ، فكانت روحية تجلس بصحبة سهام و هى تقول بسعادة طاغية : عرفى امك اننا هنروح نقرى الفاتحة يوم الحد
سهام بحماس : حاضر يا خالتى
احمد باعتراض : ليه بس كده يا جدعان ، مهجة عمرها ما هترضى بالحكاية دى ، و كمان محمود حاسس انه مش مبسوط
روحية بحدة : و هى مهجة ترضى و اللا ماترضاش ليه … هى ايه اللى يخصها اصلا
احمد : هو مش جوزها ده اللى هيتجوز عليها يا ماما ، يبقى ازاى بقى مايخصهاش
سهام بتهكم : تحمد ربنا انه هيخليها على ذمته و مش هيطلقها ، ثم التفتت لخالتها قائلة بتحذير : بس خليكى فاكرة يا خالتى … مهجة هتسيب فوق و هتنزل تقعد معاكى هنا ، الشقة فوق هتبقى من حق العروسة الجديدة عشان اما ربنا يرزقها و تخلف تبقى فى براح هى و عيالها من محمود و كمان زينة بنتها
و هنا تدخل عبد الحى قائلا لزوجته : انا سيبتك تعملى كل اللى على كيفك يا روحية ، بس يكون فى معلومك ، انا مش موافق على الكلام ده ، و مش هحضر لكم لا اتفاق و لا فرح و لا حاجة تخلق من كل الكلام ده
روحية بتهكم : ماتبقاش تحضر ، ابقى اقعد واسى بنت اخوك و عيطوا سوا
ليغادرهم عبد الحى و هو يضرب كفا بكف قائلا بحزن : لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم
ليقول احمد موجها حديثه لسهام : و انتى منال اختك موافقة على الجوازة دى
سهام : انا اقنعتها و خليتها توافق ، و اهى تعيش وسطنا و تربى بنتها و هى متطمنة عليها و احنا كمان نتطمن على البت و امها
احمد بتنهيدة : يعنى تطمنى على اختك و تخربى على المسكينة التانية دى
سهام بحدة : هو انت مالك زعلان اوى عليها كده ليه
احمد : لانها بنت عمى قبل كل شئ ، و اختى الصغيرة اللى طول عمرها متربية معانا من بعد موت امها الله يرحمها
ثم قال و هو يحاول استمالة قلب روحية : يعنى لو كان ممكن يحصل لها كده من حد غير محمود كانت ماما بهدلت جوزها و كلت مصارينه بسنانها عشان تعتبر هى اللى مربياها ، و طول عمرها ماشية فى طوعها و ما بتقوللهاش غير حاضر و نعم ، لكن منال اختك الصراحة يعنى يا سهام …
سهام بترصد : مالها اختى بقى يا سى احمد
احمد و هو ينهض مغادرا اياهم هو الاخر : مامالهاش يا سهام مامالهاش
و ما ان غادر احمد شقة والده و اتجه الى شقته بالاعلى حتى وجد مهجة و هى تنزل الدرج مهروله و هى منخرطة فى بكاء مرير فقال بتعاطف : مالك يا مهجة … ايه اللى حصل
مهجة و هى تجفف عبراتها بيديها : مافيش يا احمد … مافيش حاجة هتربطنى باخوك بعد كده
احمد : استهدى بالله بس و تعالى معايا نطلع شقتك و نقعد نتكلم كلنا مع بعض
مهجة تاركة اياه : خلاص يا احمد ، ما عادش ييجى منه
ليتجه احمد الى شقة اخيه و يدق الباب ، ليسرع محمود بفتح الباب و فى اعتقاده ان مهجة قد غيرت رأيها ، ليجد امامه احمد و هو يقول له : انا بصراحة مش فاهم انت ايه اللى انت عملته تحت ده
محمود : عملت ايه يعنى
احمد : طب امك و فاهمين انها قلقانة عليك و بتعمل اللى بتعمله ده عشان ما تعرفش اللى فيها ، لكن انت … انت ازاى توافق على الجريمة دى
محمود : و هو انا لما اتجوز تبقى جريمة
احمد : طبعا جريمة ، جريمة فى حق مهجة و فى حق اللى هتتجوزها كمان
محمود بكبر : و فى حق اللى هتجوزها كمان ليه بقى ان شاء الله
احمد : لانك مش هتصارحها بالحقيقة ، مش يمكن هتعشم روحها بعيل و اللا اتنين و انت الله اعلم ربنا رايدلك ايه
محمود : انا ماوافقتش النوبة دى بالذات غير عشان معاها بنت ، يعنى مش مش هحرمها من حاجة
احمد بغضب : و عايد عليك باية ده كله ، هانت عليك مهجة يا محمود ، هان عليك بعدها عنك و كسرة قلبها
محمود بكبر : المفروض تقف جنبى و تساعدنى ، على الاقل هتقعد مع امك و ابوك بكرامتها بدل ماتتمرمط عند اخوها
احمد بدهشة : تساعدك فى انك تتجوز عليها و هى واقفة جنبك و سانداك و مدارية عليك … انت مصدق روحك ، و بعدين مين قال ان اخوها هيمرمطها ، من امتى معتز قاسى على اخته عشان يمرمطها ، و اللا انت ماشى ورا كلام امك و انت متغمى
محمود برفض : انت معايا و اللا معاها
احمد بحزن : اكيد معاك ، بس معاك بالحق مش بالظلم ، و ماتنساش انها فى مقام اختى من قبل حتى ماتبقى مراتك ، و ماتزعلش منى … انا مش هتخلى عنها
محمود بفضول : تقصد ايه
احمد : كلامى واضح يا محمود ، انا مش هتخلى عن بنت عمى ، و هعمل لها كل اللى ربنا هيقدرنى عليه كمان
اما بمنزل معتز و الذى هو فى الاساس منزل والده رحمة الله عليه ، و قد تزوج معتز و أقام بصحبة والده حتى توفاه الله ، و قد كان يجلس بصحبة زوجته منار و صغاره يمنى و نورا حين سمع طرقات متتالية على باب الشقة ، فذهب معتز من فوره لاستطلاع زائرهم بهذا الوقت حين تفاجئ بشقيقته و هى فى حالة مذرية من شدة البكاء ، فقال بلهفة و هو يحتويها بين جناحيه : فى ايه يا مهجة .. ايه اللى حصل
لتأتيهم منار بفزع حين سمعت صوت زوجها و هى تقول بلهفة : مالك ياقلب اختك .. فى ايه .. محمود حصل له حاجة و اللا عم عبده
مهجة و هى بين احضان شقيقها : محمود هيتجوز عليا يا معتز ، هنت عليه و هانت عليه عشرتى و كل اللى كان بيننا
معتز بتنهيدة حزينة و هو يصطحب شقيقته الى الداخل و بجلسها الى جواره قائلا : اليوم اللى كنت عامل حسابه .. جه بسرعة اوى
مهجة بعدم فهم : يوم ايه ده اللى كنت عامل حسابه
معتز بتعاطف : اليوم اللى محمود هيحن فيه للخلفة يا مهجة ، ماتزعليش منى يا حبيبتى .. ده حقه مهما ان كان يا حبيبتى و ماحدش ابدا يقدر ينكره عليه
مهجة بغضب : حق ايه .. حق ايه و انا بحاول اسنده قدام الكل على حساب روحى ، حق ايه و هو عارف ان العيب منه هو مش منى انا
منار بشهقة مذهولة و هى تضرب بيدها على صدرها : هو اللى مابيخلفش و عاوز يتجوز عليكى .. طب ازاى بقى الكلام ده
معتز : استنى بس يا منار انا مش فاهم حاجة ، يعنى ايه العيب منه ، يعنى انتى سليمة و ماعندكيش مشكلة زى ماكنتم مفهمين الكل
مهجة و هى تشهق من اثر البكاء : ايوة .. هى دى الحقيقة
معتز بذهول : طب ليه عملتوا كده
مهجة و هى تعود للبكاء بحزن مرة اخرى : كان حزين و مقهور لما الدكتور بلغه ، و خايف على قهرة امه و على زعل عمى ، قلت اشيل من على اكتافه و اخفف عنه همه ، اتاريه صدق الكدبة و صدق انه لو اتجوز عليا هيقدر يخلف
منار : و هو مابيتعالجش من ساعة ما عرفتوا
مهجة : بيتعالج و بنروح للدكتور على طول ، و اخر نوبة الدكتور قال له اصبر شوية كمان ، لكن اللى طالع عليه انه يمكن يكون خف بس انا اللى مش قادرة اخلف
معتز بغضب : يعنى هى دى اخرتها يا محمود
مهجة بترقب لرد فعل اخيها و زوجته : انا طلبت منه يطلقنى
ليقول معتز بتأييد : مالكيش عيش معاه دقيقة واحدة بعد كده
منار بحزن : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، هى الناس جرالها ايه بس ، اوعى تزعلى نفسك يا قلب اختك ، انتى عملتى باصلك و هو عمل باصله ، و عمر ربنا ما هيسيب حقك ابدا
معتز بفضول : و هو بيتكلم فى الفكرة بس كده ، و اللا فى حد فى دماغه
مهجة : ما اعرفش ، بس شكل مراة عمى منظراله على حد
منار و هى تومئ برأسها علامة الفهم : مراة عمك … قولتيلى
مهجة بحزن : رغم انى على طول كنت بتعامل معاها على انها امى اللى ربتنى بعد ماما الله يرحمها ، بس من ساعة الحكاية دى و هى عمالة تحرب على جوازه عليا ، لكن عمرى ما اتخيلت انه ييجى يوم و يطاوعها ابدا
منار : ماتزعليش منى با مهجة .. انتى عارفة انى طول عمرى بعتبرك اختى .. مراة عمك مش غلطانة ، دى واحدة عاوزة تتطمن على ابنها ، و مهما ان كان عذرها معاها … ما هى ماتعرفش الحقيقة ، لكن الدور و الباقى بقى على اللى راسى على الدور و ما فيه من الاول و ماشى وراها و عامل فيها صاحب حق
مهجة بتنهيدة : و عشان كده طلبت الطلاق
معتز : و هطلقك منه ماتقلقيش و هجيبلك كل حقوقك منه على داير المليم ، و انا ليا كلام تانى مع عمك
مهجة : ما انت عارف عمى يا معتز ، سايب مراته تعمل كل اللى على هواها ، و مابيرضاش يتدخل فى حاجة ، فاكر انه كده بيريح دماغه
معتز : يعنى عارف باللى محمود عاوز يعمله
مهجة : قل علمه عند ربى … ما اعرفش
معتز : طب قومى ادخلى مع منار غيرى هدومك عشان تبقى براحتك و كل اللى انتى عاوزاه هيكون
مهجة : كنت عاوزة اطلب منك طلب يا معتز
معتز : اطلبى يا حبيبتى
مهجة : مش عاوزة الكلام اللى قلته لك عن حالة محمود ده يوصل لحد
معتز باستغراب : ليه بقى
مهجة : لانهم لو عرفوا الحقيقة دلوقتى … هيتراجعوا عن كل اللى عاوزين يعملوه و مش هيرضوا يخلوه يطلقنى ، و انا خلاص … روحى طلقته و مش ناوية ترده تانى ابدا
و لم يمض سوى ايام قلائل حتى تم الطلاق رسميا ، وسط صدمة محمود الذى كان يظن ان مهجة لن تستطيع الحياة بعيدا عن كنفه ، و لكنه وجدها صامدة جامدة و وجد معتز و احمد مساندين لها فى كل خطوة ، و عندما لجأ لوالده كى يستميلها للرجوع عن قرارها ، تفاجئ بابيه هو الاخر فى صفها
اما روحية فكانت سعيدة بما حدث فكانت تشعر و كأنما هما ثقيلا قد انزاح عن كاهلها ، و كانت سهام اسعد منها .. فها هى شقيقتها ستتزوج دون ضرة قد تنغص عليها حياتها خاصة و هى تعلم جيدا مدى حب محمود لها
لتسعى روحية لاتمام زواج محمود و منال فى اسرع وقت ، و بالفعل بعد ان جمع معتز و منار متعلقات مهجة من شقتها ، قام ببيع جميع محتويات الشقة ثم وضع الثمن فى حساب خاص باسم مهجة باحد المصارف البنكية ، و قامت روحية باصطحاب منال لشراء مستلزمات منزل الزوجية دون ان يشاركهما محمود باى راى ، ليتم الزواج بالفعل بعد طلاقهم بشهرين فقط
………………
بعد سبعة اشهر بمنزل عبد الحى ، و بيوم الجمعة ، كانت تجلس روحية فى انتظار اى من زوجتى ولديها لتجهيز الغداء ولكن عاد جميع الرجال من صلاة الجمعة دون ان تظهر ايهما ، و عندما قال عبد الحى : هو انتو لسه ما ابتدتوش فى عمل الغدا و اللا مش ناويبن تأكلونا و اللا ايه
روحية بغيظ مكتوم : الحلوين ناموسيتهم كحلى … لحد دلوقتى مالمحتش واحدة فيهم
عبد الحى بأسى : الله يرحم ايامك يا مهجة يابنتى
روحية بغضب : و بعدهالك بقى … هو انت كل جمعة لازم تقعد تقطمنا بالكلام اللى مامنوش لازمة ده ، ثم نظرت لمحمود وقالت : ماتطلع تنده مراتك و خبط على سهام راخرة خليهم ينزلوا يشوفوا هيعملوا ايه
و بعد مضى ساعة كاملة ، اطلت عليهم منال مع ابنتها و هى تقول : مساء الخير ، ازيك يا خالتى
روحية ببعض الحدة : توك ما افتكرتى ، انتى مش عارفة ان النهاردة اليوم اللى بنتجمع فيه على الغدا ، مانزلتيش من بدرى ليه عشان نحضر الاكل
منال ببرود : ما انا حضرته الاسبوع اللى فات و اللى قبله ، هو انا كل نوبة هعمل كل حاجة لوحدى ، لا ما اقدرش ، كل واحدة نوبة ، قسمة العدل ان انتى اسبوع وسهام اسبوع وانا اسبوع ، لكن كده كتير ، هو انا لاقية صحتى ، انا لازم اخاف على روحى
ليضحك عبد الحى و هو يضرب كف بكف بينما محمود جالسا و هو ينكس رأسه و لم يرفعها حتى قالت امه بريبة : و خايفة على صحتك و روحك اوى كده ليه ، لا هو انتى حامل
منال : لأ ، و هو انا لازم ابقى حامل عشان اخاف على روحى
روحية : انتو بقالكم سبع شهور دلوقتى متجوزين و ماحصلش حمل ، انتو لازم تروحوا للدكتور
لينتفض محمود قائلا : مافيش مرواح لدكاترة
روحية : يوه ، و ماتروحوش ليه ، ما تاخدها تكشف عليها و تشوف مالها لا يطلع عندها حاجة هى راخرة
منال بسخرية : حاجة ايه يا خالتى سلامتك ، انتى ناسية ان سبقلى الحمل و الولادة كمان و اللا ايه ، لو حد بقى محتاج يروح لدكاترة يبقى ابنك
احمد بغيظ و هو ينظر لمحمود بأسى : ده ما يمنعش انك تتكلمى مع خالتك باسلوب احسن من كده يا منال
لتنهض منال ساحبة ابنتها معها الى الاعلى مرة اخرى و هى تقول : و لا احسن و لا اوحش يا عم احمد ، انا طالعة شفتى و اما المحروسة مراتك تجهز الغدا ابقوا اندهولى
و بعد انصرافها يقول عبد الحى و هو يشير باصبعه اتجاه الباب : ده ذنب مهجة ، ربنا بيخلصه منكم ، منكم لله … منكم لله
ثم تركهم و اتجه هو الاخر الى الخارج
………………..
بمنزل معتز .. كانوا يلتفون حول مائدة الطعام وهم يتناولون غدائهم حين سمعوا صوت الباب ، ليقوم معتز بفتح الباب ليجد امامه عبد الحى فيقول مرحبا : اهلا يا عمى .. خطوة عزيزة
عبد الحى : الله يعز مقدارك يا ابنى ، و عندما وجدهم يتناولون طعامهم قال : لا سلام على طعام خليكم كملوا اكلكم
معتز و هو يسحب لعمه مقعدا ليشاركهم الطعام : طب ياللا كل لك معانا لقمة ، دى مهجة هى اللى عاملة الاكل النهاردة
عبد الحى و هو يشاركهم الطعام بشهية : و الله وحشنى اكلك يا مهجة يا بنتى
و بعد انتهائهم من الطعام ، قامت منار بتقديم الشاى بينما قالت مهجة : كده برضة ماشفناكش من شهر بحاله
عبد الحى : سامحينى يا بنتى ، بس الصحة مابقيتش زى الاول ، ثم قام بوضع مظروف بيدها قائلا : نفقة الشهر ده يا بنتى
مهجة بخجل : ما انا قلتلك يا عمى انى مش عاوزة حاجة
عبد الحى : اوعاكى تفرطى فى حقك يا بنتى ، طالما حقك و شرع ربنا تسيبيه ليه
مهجة : ربنا يباركلنا فى عمرك
عبد الحى : و انتى عاملة ايه فى شغلك
مهجة : بخير الحمدلله ، مدير المدرسة شايلنى من على الارض شيل ، و زمايلى كلهم ولاد حلال
عبد الحى : انتى عشان طيبة ربنا وقفلك ولاد الحلال اللى زيك يا بنتى
معتز بحمحمة : كنت عاوز اقول لك على موضوع كده يا عمى
عبد الحى : قول يا ابنى
معتز : الحقيقة مهجة متقدملها عريس ، مدرس زميلها ظروفه متيسرة و سنه مناسب ليها
عبد الحى : عنده ولاد يابنى
معتز بابتسامة تهكمية و قد فهم ما يقصده عبد الحى : لا يا عمى ، ماسبقلوش الجواز قبل كده
عبد الحى : طب و عارف ظروف اختك
معتز : بالميللى يا عمى
ليلتفت عبد الحى الى مهجة و قال : و انتى موافقة يا بنتى
مهجة : ايوة يا عمى موافقة
عبد الحى بتنهيدة : رغم انه يعز عليا يا بنتى انى اشوفك فى بيت تانى ، بس ربنا بيبقى له حكمة احنا غافلين عنها ، ربنا يهنيكى يا بنتى
لتتزوج مهجة وسط سعادة أخيها و زوجته و احمد الذى اصر على مشاركتهم لكل الترتيبات و هو يتمنى لها السعادة و الهناء، اما محمود عند علمه بزواجها اصيب بحالة من الاكتئاب التى لازم بها منزله و امتنع عن الذهاب الى عمله او الى اى مكان آخر .. حتى تم فصله من عمله لانقطاعه فترة تعدت الثلاثة اشهر دون عذر او سبب
و لكن حالة الاكتئاب تحولت لحالة مرضية بعد علمه و علم الجميع ان الله قد من على مهجة بالحدث الذى انتظرته طويلا ، فقد حملت مهجة ، و فى انتظار الحادث السعيد ، ليقع الخبر عليهم جميعا كالدلو المملوء بمكعبات الثلج لتقول روحية بذهول : و لما هى حملت ، ماحملتش من محمود لما كانت على ذمته ليه
عبد الحى : ارادة ربنا
روحية بغضب : الموضوع ده مايتسكتش عنه ابدا ، ابنك لازم ياخد منال و يوديها للدكتور
احمد : محمود مين ، و هو محمود فاضل منه حاجة بعد الحالة اللى بقى فيها
روحية : لما يشوف عياله بيجروا حواليه هينسى كل ده
احمد بذهول : لا هو انتى كل ده و مافهمتيش
روحية باستفهام : افهم ايه
احمد بامتعاض : ان اصلا ابنك اللى مابيخلفش مش مهجة يا ماما
لتضرب روحية بيدها على صدرها قائلة : ايه الكلام الفارغ اللى بتقوله على اخوك ده
احمد : للاسف مش كلام فارغ ، الكلام ده انا عارفه من سنين ، و محمود اللى قايللى بعضمة لسانة من زمان من ساعة ماعرف ، بس مهجة اللى ماحبيتش ان عينه تنكسر قدامك و لا ان قلبك ينكسر عشانه ، بس كان جزائها انه هو اللى كسرها
روحية بعدم تصديق : و لما هى الحكاية كده ، ليه وافق انه يتجوز
ثم التفتت لعبد الحى و قالت : و انت كنت عارف و ماقلتليش
عبد الحى بتنهيدة حزينة : كنت فاكره راجل و هيدافع عن اللى اتحملت ده كله عشان خاطره ، لكن لما لقيته مايستاهلهاش سيبتكم تعملوا ما بدالكم
و كنت عارف ان ربنا هيجيبلها حقها
روحية و هى تندب حظها : يا ميلة بختك يا روحية ، الكل كان بيستغفلك يا روحية
عبد الحى بشئ من التشفى : كنتى عاوزة تتونسى ببنات اختك ، اشبعى بيهم بقى
و صدق من قال يمهل و لا يهمل ، فاصبح منزل عبد الحى كساحة من ساحات القضاء من كثرة الاشكاليات بين روحية و ابنتى شقيقتيها لتتحسر روحية على ايام خلت كانت السعادة ترفرف عليهم من كل جانب حتى تدخلت فيما لا يعنيها ، و حين طاوع محمود شيطانه و انكر واقعه و تمادى فى ظلم نفسه قبل ظلم زوجته حتى صدقت مقولتها الاخيرة له حين قالت له … انا بعايرك بضلمة قلبك اللى هتفضل توسع لحد ماهتبلعك جواها
فبالفعل ابتلعته ظلمة قلبه حتى بات و كأنه لم يعد له وجود بتلك الحياة
اسكريبت عقم الروح .. بقلمى .. ميمى عوالى
تمت
أنت تقرأ
اسكريبت عقم الروح
Short Storyقد تصاب بعض الأرحام بالعقم الذى قد تشفى منه اما الارواح فان اصابة بعضها بالعقم .. يصبح الشفاء منه مستحيلا عقم الر ح .. اسكريبت بقلمى .. ميمى عوالى