1

1.4K 134 23
                                    

         غامت السماء بدون غيوم، فقد غطى الرماد -الناتج عن تحول كل شيء حرفيًا إلى فتات- سماء المدينة حتى ليتخيل من ينظر إلى أعلى أنها على وشك إغراق الكوكب بطوفانٍ نوحيٍ آخر، فتجد كل من أسفلها يبحث له عن نوحٍ أو أي جبل يأويه، ولا عاصم اليوم من عذاب الله إلا هو.
والآن كفاك نظرًا إلى السماء المغيمة بغير غيوم، وأنظر إلى الأرض أو التي كانت يومًا أرض فتجد عليها، أعني لن تجد عليها شيء فقد حيلت إلى أشلاء، دماء، حطام، دخان، جحيم، كسور،جحور وقبور تحمل عليها أحياء وأموات على حد سواء.
تحطم مدخل الحي والفيلا الفخمة بأوله والمنزل الواسع بأوسطه وحتى الكوخ الطيني بآخره، فلم تفرق قذائف الهاون والمدافع بين غني وفقير وطبقة وسطى، دمرت الجميع على قدم المساواة، ليت حكومتنا كانت مثل تلك القذائف عدلًا، لما حصل لنا ما حصل اليوم.
انقشع بعض الدخان وذهبت روائح البارود ولكن لازالت العين تشتمها في الوجوه المتآكلة والأشلاء الممزقة، الآن بمقدور الجميع رؤية ملك الموت دون رؤيته، ستشعر بيده تخنق رقبتك وتمنع الهواء عن رئتيك، أما منجله الأسود فيمزق قلبك على رؤية الأطفال بلا رؤوس، والرجال الأشداء بلا سواعد، والنساء العرايا بأجسام ممزقة، فكل من كانت تثيره بالأمس رؤية جزء من جسد امرأة ولو كانت دميمة، سينظر اليوم ولا يملك حيلة إلا أن ينظر وأقسم لك أنه لن يقرب النساء ما حيى.
بدأت كتائب من بقي من الشباب -غير المدرب أكاديميًا- والمدرب  غريزيًا على جمع أشلاء الموتى ودفنها، دون معرفة إلى من هذا الذراع، ومن كانت تحمل تلك القدم ومحاولة إنقاذ كل من ظهرت فيه بوادر الحياة، طال البحث وطال .. وكثرت الجثث وقل الأحياء، غابت الشمس ومعها غاب القبح قليلًا عن العيون وبقي ما بقي في القلوب وبقي وسيبقى في ذاكرة كل من عاش أو سمع بما حدث في تلك البلد الطيب أهلها، الباغي طامعيها والخائن ممن أكلوا خبزها.
لا تقلق ما حدث يحدث يوميًا على أرضنا نحن معتادون عليها ويجب أن تعتاد، وأرجوك لا تستاء فقد ادعو لنا أن نتخلص من معاناتنا إما بموت رحيم أو بخلاص عذب، أما قصتنا فلا أظن أن ما قرأته سيكون أسوء شيء تقرأه.

الفتاة ذات نقش التريكوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن