ناجون؛ضحايا؛و مقاتلون..

86 2 15
                                    

أحوال هؤلاء كانت تتغير و تتقلب كتقلب الليل و النهار..
ما لبث بيان أن يصل إلى منزله حتى يغير ثيابه و يعود إلى سديم بما تحتاج من أشياء حتى أتاه اتصال قلب كل الموازيين..
و عاد إليها مهزوما..و كأنما يحمل على كتفيه عبء كونهما ضحايا حرب لم يبدأها أي منهما..

جلس في غرفتها بهدوء..عيناه مثبتتان على الباب و كأنه صياد في انتظار الفريسة..ما كانت تنام بسلام..كان نومها مضطربا..تنام نصف جلسة و تقلق بين الحين و الآخر..أخبرته الطبيبة أنها تعاني لا و تعاني كثيرا..
و ترفض الكثير من الأمور في خطة العلاج و تطلب أمورًا بديلة..

-" ماذا أغضبك مجددا؟! "

سألت و هي لا تزال مغمضة العينين..

-" كيف تعلمين؟! "

أخرجته من غضبه و شروده إلى حالة من المفاجأة..
كان يعرف أن قلبها يرشدها و لكن كيف لها أن تعلم تغير شعوره حتى دون أن تنظر إليه..

-" أنفاسك..هكذا تتنفس في الغضب و حينما تكتم الألم..عندما ينتهي عذابك تصبح أنفاسك أخف بكثير..كأن أحدهم أزال صخرة كانت تدهس صدرك.."

صمت للحظة..كيف لشخص أن يكون حساسا حتى للأنفاس حوله؟!
أهي مقاتلة في حرب ما فدائما ما نحفظ التفاصيل رغبة في الهجوم و الدفاع..
أم أنها من الضحايا الذين تركت الحرب نفوسهم خالية من الأمان و مليئة بالقلق و الخوف على حد سواء؟!

-" أعلم أنه ليس الوقت المناسب..و لكن علي أن أخبرك بذلك.."

كان يتجنب النظر إليها حتى و هي مغلقة العينين..يخشى أن يستسلم لها..
أن تثنيه عن قراره فيفنى كل منهما في هذه الحرب التي كثرت أطرافها دون أن يستطيعوا الحياة..

-" لا بأس..و لكن أخبرني أولا كيف حال جرحك؟! "

أغمض عينيه بل اعتصرهما..و ضغط على أسنانه و شد قبضته حتى اختفى اللون منهما..
كانت تجعل الفراق صعبا عليه..العودة إلى ذاته الباردة الأولى أصبحت شبه مستحيلة..إنها تتركه جمرا مشتعلا بلا انطفاء..يشعر بأنه كالعنقاء..حتى و إن ألقته في جحيم هذا الحب سيعود محلقا من الرماد..

-" بخير..لقد أخبرني الطبيب أن من اعتني بجرحي قد اعتنى به جيدا.."

قال محاولا أن يداري غصته بالقسوة..و حبه بالجمود و الثبات..

-" إذا فهو ميعاد افتراقنا إذا..أليس كذلك؟! "

فتحت عينيها بتثاقل..تنظر إليه بنصف عين مفتوحة..
و هو يعاني ليقول ما يريد أن يقول..

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن