الفصل 28: نهاية رجُل

66 5 1
                                    

رفض زارتو كشف هوّيته لكيوني و الافصاح عن الحقيقة، و فُوجئ شاندو من قراره هذا و لكنّه أبى أن يضع صديقه في موقفٍ صعب، خاصّة أن كيوني كرِه والده و لهذا كتَم شاندو سرّ صديقه.

مرّت أشهر الخريف بسرعة و حلّ الشتاء ببرده القارس و ثلوجه الكثيفة، و كان زيستو قد تماثل للشفاء، و ودّع كيوني و الآخرين و مضى عائدًا إلى قريته التي بدأت الحياة تدبّ في عروقها بعد الكارثة التي حلّت بها و بأبنائها، و لم يكن في وسع كيوني سوى مشاهدة صديقه المقرّب و هو يغادر قصر شاندو و من المرجّح ألاّ يلتقيا مجددًا، و ذلك لعدّة أسباب، فمن جهة كيوني لم يعُد مرحبٌ به بين أهل قريته الذين حمّلوه ذنب دماء أبنائهم، و من جهةٍ أخرى أحسّ بالهدوء الذي يسبق العاصفة، فطوال الأشهر الماضية كان فالتيس يجنّد شباب مدينة فالتس رغمًا عنهم تحضيرًا للمعركة الحاسمة، كما لم يغفل شاندو عن تحرّكات فالتيس، و هيّأ بدوره رجاله للسيناريو الأسوء، و كان كلّ شيء يُشير إلى حربٍ دمويّة تلُوح في الأُفق، و لهذا قرّر شاندو عقد اجتماعٍ هامّ و أرسل الدعوة لكيوني و جاك و الأخوان ويليس و فيليكس، و قادة جيشه.

و قبْل الاجتماع بقليل، كان خادِم شاندو عائدًا إلى منزله كالعادة، و عند دخوله صُدم لمّا رأى شخصًا ملثّمًا يلوّح بسيفه نحو زوجته و ابنه، و قال الرجل الملثّم بنبرةٍ حادّة:
"ان لم تنفّذ ما سأقوله لك الآن، فسوف لن ترى عائلتك مجددًا".
تلعثم الخادم من شدّة الخوف و قال:
"أرجوك، سأنفّذ أيّ أمرٍ فقط لا تؤذي عائلتي".

أخفض الرجل الملثّم سلاحه و قال:
"أنتَ خادم شاندو صحيح؟ خذ هذا السُّم و ضع قطرةً منه في كأسِه أو أيّا يكن فقد اجعله يبتلع منه، و يُجدر بك ابقاء الأمر بيننا، و اذا شعرتُ بخيانتك لي فلن أتردّد في ارسال هذه المرأة إلى قاع الجحيم و اللّحاق بها".

تسائل الخادم عن هويّة هذا الرجل الذي يعرف ماهية عمله و لكنه شعر بجدّية كلامه و وافق على الانصياع لأوامره فقط من أجل انقاذ عائلته، و عاد إلى قصر شاندو آخذًا معه ذلك السّم.

كان اجتماع شاندو برجاله قد بدأ، بينما كان الخادم يحضّر الشراب ليقدّمه للحاضرين، و بما أنه شخصٌ يثق به شاندو فلم يكن أحد يزعجه، و قام بوضع قطرةٍ من ذلك السُم في كأسٍ مصنوعٍ من الفضّة اعتاد شاندو الشرب فيه.

قدّم الخادم الشراب للحاضرين، و سارت الخطّة بسلاسة، فلم يتردّد شاندو أبدًا في احتساء كأسه، و كان قد قرّر خلال الاجتماع الهجوم على مدينة فالتس و اسقاط حُكم فالتيس و تحرير سكان المدينة من قيودِه، ووافق الجميع على ذلك بما فيهم كيوني الذي كانت ضغينته تجاه فالتيس تقوده للجُنون.

في الصباح التالي استيقظ كيوني و جاءه جاك و أخبره أن شاندو في حالة يُرثى لها. خرج كيوني غرفته مسرعًا و في الرِّواق التقى طبيب شاندو الذي كان اليأس باديًا على محيّاه، و سأله كيوني عن وضع شاندو لكنّه أوْمأَ برأسه و قال:
"لقد فعلتُ كلّ ما بوسعي، لكن...".

دخل كيوني غرفة شاندو و وجدهُ مستلقيًا على السرير و كان زارتو واقفا إلى جانبه، كان وجهه شاحبًا و العرق يسيل من جبينه، و انحنى كيوني و اقترب منه و قال:
"أنتَ لا تنوي الاستسلام يا رجل، أليس كذلك؟"

ابتسم شاندو و قال بصوتٍ خافت:
"الاستسلام! ليس بذلك السوء حقًا".
ثم استطرد قائلاً:
"أنا آسف عمّا بدر منّي في السابق، لقد كنتُ قاسيًا عليك، كنتُ أرغب في الوقوف بجانبك في رحلتك للانتقام، لكن سيتوّجب عليك فعلها من دوني".

ثم قال كيوني:
"لا تقل ذلك، سنفعلُها معًا".

و قاطعه شاندو قائلاً:
"لقد انتهى أمري بالفعل".
ثم أشار إلى زارتو و قال:
"اسمع يا كيوني، أترى هذا الرجل الواقف هناك؟ إنه والدُك".





الثلج الباردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن