كفارة..

80 6 15
                                    

صوت الأجهزة لا شيء غيره يقطع أنفاس الصمت..
أضواء خافتة في الممر كانت آخر الملاجئ بعيدا عن الظلمة..
سديم تجلس كعروس ماريونت قطعت أحبالها فما عاد لها حراك من جديد..
و بيان ممد أمامها..نائم بهدوء بعيدا عن العالم و ما جرى فيه..

-" سديم.."

كان ذلك صوت يوسف الذي أتى من الممر ليجلس على الكرسي الآخر و يفصل بينهما جسد بيان في المنتصف..

-" سيكون بخير..لقد طرق رأسه في شيء ما أثناء الهجوم..لا أظن أن الأمر جدي..و نحن نتابعه لا داعي للقلق.."

مسحت سديم دمعة لها و تحدثت دون أن تنظر ل يوسف..

-" أنت رفضت نقلهم للمشفى..فادي تجري له ستيفاني عملية في الغرفة المجاورة..و سارة في حال يرثى لها..وسام سقط في غيبوبة..ليتك تركتهم يذهبون..لما حدث حينها كل ذلك..و لكن لماذا ألومك؟! إنها أخطائي أنا و لا أحد غيري.."

تنهدت سديم بتثاقل و هي لا تستطيع أن تزيح نظرها عن جسد بيان الممد أمامها..

-" لا تستطيعين إلقاء اللوم علي بعد كل ما فعلت..بل بعد كل ما فعلنا..نحن جررناك جرا إلى هذا الأمر..نحن مسؤولون بقدرك عن الوصول إلى هذه النقطة..أو بمعنى أصح نحن المسؤولين وحدنا و أنت ترفضين قبول تلك الحقيقة..
تستطيعين صب غضبك عليّ..أنا هنا و لا أنوي الذهاب لمكان..
أفعل كل ما تريدينه..أعيش معك..أموت معك و لكن لا داعي للبكاء..
حتى بيان أبقيه بين يديك حتى تمليه..و لا مانع لدي أن يبقى للأبد ما دمت ترغبينه..إنه الشيء الوحيد الذي تمنته نفسك منذ سنوات طويلة..
ألا أبذل ما أستطيع لأبقيه؟! "

كان يوسف أكثر من قابلتهم جنونا على هذه الأرض..تراهن نفسها أنه لا يفهم نفسه و لا دوافعه مهما حاول..و لكنها تحاول هي جاهدة أن تفهمه..

-" ما أستصعبه حقا أنه مهما كانت مشاعري قوية..مهما عاديتك في هذه الحرب و مهما جلبت من أسلحة كالكره، الغضب و الألم و حتى مهما جلبت لهذه الحرب من عطف و حب و حنان فإنني لا أستطيع هزيمتك..
تبدو لي كثقب أسود أحيانا..و أتساءل هل إن ابتلعني ينتهي كل ما يجول حولنا من عذاب؟!
مهما حاولت إحراق روحك فإنك لا تذهب..مهما غضبت منك فإنك لا تذهب..مهما حاولت تفهمك فإنك أيضا لا تذهب..
ألقيت خاتمي و أقراطي خشية أن يدنسوا إذ اقترب منك..
و لففت حولك حجابي كي يكون كفارة لطفلي..
أردته أن يمتلك شيئا واحدا مني بعد أن قررت وضع حياتي بين يدي سارة..
أردت له ذكرى واحدة تحمل والديه فيها بعيدا عن الغضب و الكره و العداوة و الجنون..
ألوم نفسي كثيرا على هذا..و أخشى استيقاظ بيان..أخشى نظرة خيبة الأمل في عينيه أكثر من عقابه أو الافتراق عنه..
إذ أجلس هنا تبدو لي حججي و أعذاري و مشاعري في تلك اللحظة مشاعرا واهية..مهما قدمتها للدفاع عن نفسي لن أجني سوى العذاب و ليس الغفران..
كنت أحاول أن أجد حلا لما فعلته أنت..أفكار كثيرة سيطرت علي..خيوط كثيرة أمسكت بأطرافي تحركني..و الأصوات..الأصوات في عقلي لم تهدأ قط..
أحدها يقول ذلك ذنبك..لو أن يدك لمست أضلعه المكسورة غصبا عنه لكان قد كرهك و ما فعل كل ما فعل..
و الآخر يقول بل لا..ذلك جزاء أنك ما داويت تلك الجراح بالرحمة كما فعلت ما وسام..
و الثالث يقول اقتليه..اقتليه فدمه حلال بعد كل ما فعل..
و الرابع يقول إن قتلته يفقد طفلك شرعيته للأبد..بل يفقد فرصته في الحياة و لا تستطيعين الوصول إليه مهما حدث..
و السادس يقول أنني خائنة..مغرورة..و أنني ما فعلت ذلك لأجل أي عذر من هؤلاء بل لأنني استسغت السلطة..و أردت أن أقف فوق عرش من الجراح..
و عندما تعبت من كل هذه الأصوات..و تعبت من الأثقال التي جرتها عليّ أفعالي..أعطيت سارة السكين..
بينما ينهال علينا الرصاص..شعرت بتلك السكين تنحر رقبتي..و لكنها أبدًا لم تكن بالعمق المطلوب..أبدًا لم تكن خلاصي..
أتألم..أتمنى لو أنني أتألم أضعاف ما أفعل في هذه اللحظة..أتمنى ألا يصيبني الخدر و لا النسيان فأبقى في هذا الألم للأبد..
لعل ما أعاني من ألم يكون كفارة لكم جميعا..
لطفلي..لبيان..لفادي..لسارة..لوسام..للارا و لك على حد سواء.."

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن