"هل تمانع إن جلسنا نتسامر معا؟"
سألت بنبرة مهتزة و طالعته بابتسامة مصطنعة بكل تأكيد...لكنها ليست نفاقا.
كان متجمدا تماما على وضعه الذي كان عليه قبل أن تتحدث كتمثال في وسط المدينة...رمش عدة مرات مستوعبا ما قالته بصعوبة من تأثير الكحول ثم وضع كأسه على الطاولة و أشار لها بحركة سريالية بالموافقة.نزلت درجات السلم بسلاسة ثم حملت زجاجة الخمر -التي كان قد شرب نصفها تقريبا أو أقل- و أفرغتها في إناء الثلج الكبير الموضوع بجوارها ثم نظرت إلى عينيه الغائرتين و فسرت له ما دفعها لهدر ماله بهذا الشكل "عفوا على التجاوز لكن دعنا نستمتع بكامل وعينا..لا أرى فائدة من قضاء وقت جيد ثم نسيانه تماما في الصباح بسبب الثمالة"
"لكنكِ بالتأكيد لا تجيدين الرقص؟"
طالعته ببلاهة لوهلة ثم تركت ما بيدها و استفسرت بنبرة شديدة "ما الذي تعنيه بالـ'رقص' سيد عادل؟"
لم تخفَ عليه بالتأكيد تلك الصيغة التي شددت بها على كلماتها بل و أعجبه كيف يمكنها أن تكون قاسية و حادة في ظروف مثل التي التقاها فيها!
في الظروف العادية ينبغي لها أن تكون ممتنة لتركه إياها في منزله مرتاحة بلا "عمل" بينما سيدفع لها في الصباح... لكن بدلا عن ذلك يتلقى زجرة منها لتصورها نوعا مهينا من الرقص لم يعنيه فعليا.فكر أن نظريته بشأن كونها تنحدر من أسرة نبيلة هي نظرية حقيقية حيث تفرق بين الرقص "معه" على مقطوعة موتسارت أو الرقص "له" على الطبول الشعبية فكلامها لا يعدان بالنسبة لها سلوكا واحدا تختلط فيه مع رجل و تلمسه بلا داع..
شرح لها مقصوده و ما يريده حقها فارتخت تعابير وجهها كما توقع و سألته أن ترفع صوت الموسيقى كي يصح الرقص عليها....في الحقيقة لم يمانع و تفاجأ من رغبتها في مشاركته رقصة سريالية على قداس الموت كما لم يتسن له فعلها مع امرأة قط..
تقدم منها بابتسامة بلهاء لا يستطيع التخلص منها بسبب السكر و التقط كفها النحيف بين راحته و بالأخرى حاوط خصرها و انسدلت أجسادهما في رقصة ناعمة على الألحان المنسجمة مع صوت المطر....نعم لقد أمطرت بالخارج بينما الضباط يراقبون المنزل و يرسلون آخر الأخبار لعبدالله الذاهل في مكتبه! كان بيت عادل الكبير يعتبر تقريبا شُرَفا زجاجية تطلع الأحباب و الأغراب على حياته و نزواته الليلية الغريبة.
حتى الآن لا يوجد دليل قاطع على كونه مذنب، ولا سبيل إلى اتهام رجل بمكانته دون بيِّنة... ليس الأمر أن عبدالله يرغب بالقبض عليه فقط لأنه يمتنع عن الانتفاع بماله الذي ينفقه على دليلة و وسيطها بل يفضل أن يأخذ وقته الذي دفع لأجله بطريقة أخرى.... الرقص مع بائعة هوى مثلا في أجواء شاعرية!صارت حركات جسديهما أقوى و أسرع حين تعالت النغمات و الإيقاع، و الحق أن عزيزتنا لم تكن أقل انبهارا بالبراعة التي تحرك بها جسد ذلك الرجل و هو ثمل من اندهاشه بها و بسلاسة تجاوبها مع ارتجالاته و حركاته العنيفة كأنهما صارها جسد واحدة ملتحم يجوب القاعة ذهابا و إيابا مثل زهرة طائرة مع رياح خريفية لطيفة...
أنت تقرأ
الزهور الجنائزية || Funeral flowers
Misterio / Suspensoدفع عبد الله الباب و دلف للداخل بحذر حين التقط بصره امرأة مجهولة تزحف على بطنها تستجدي الرجل....أعني غول الأساطير الليلية الذي يقف فوق رأس رشاد العمري ألا يقتله!! كانت الغرفة ملطخة من كل جهة بالدماء الساخنة....على الأرضية....الجدران و الأثاث....عزيز...