الليلة الأخيرة..

95 6 20
                                    

يبدوان للناظرين كأنهما بطلان فرا من الحرب..
يتكئان على بعضهما البعض ليصلا إلى بر الأمان..
و الحقيقة أنهما أجساد هشة اختار كل منهما الآخر كرفيق درب في الحياة..
الحياة التي تتركنا مع الخذلان و الألم..
مع العجز و الانكسار..
مع الفراق و الدموع و القسوة..

دخلا الغرفة سويا و أغلق بيان الباب خلفه بيد واحدة بينما لا يزال يدعمها باليد الأخرى..
يتساءل ماذا ضخت ستيفاني في جسدها كي تقوم بعد كل ما عانته منذ قليل..
تبادلا نظرات صامتة..بيان قلق حد الموت و حد الجحيم..
سارت خطوة للأمام متخطية السرير فظهر الفزع في عيني بيان..
ما كان يفهم ما الذي تفعله و إلى أين تذهب..
إلا أنه ما استطاع الاعتراض..و ما اهتم لشيء سوى أن يظل متصلا بها إذ تسير..

وصلت إلى الكراسي بجوار النافذة..جلست و جلس معها..لا تزال نظراته القلقة تتفحصها..و لا تزال الأيدي مترابطة كأن الخطر لا يزال قائما..

نظرها مثبت على أيديهما المتحدة و نظره مثبت عليها..
يدها تتحرك بين يديه..و كأنها تتفحص كل خلية منه و تنصهر به..
حتى وصلت إلى حجابها المربوط حول رسغه فتوقفت..

-"بيان.."

همست باسمه فما تمالك نفسه و ارتعش جسده كافة..
أحيانا كان يستغرب من نفسه..من سطوتها على روحه وجسده رغم أن كل ذكرياته عنها محبوسة خلف أسوار ما في عقله..

شمرت بهدوء عن أكمامه لتجد الذراع التي تبرع منها بالدم لها..
هو يراقبها باهتمام و قلق..يستكشفها كطفل صغير يوضع على جسد أمه لأول مرة..
سحبت ذراعه بهدوء إليها و قبلت حيث اخترقت الإبرة و سحبت الدم..

هذه المرة لم ينزف بيان دما بل دموعا..الدموع كانت تنزل من عينيه مهما أغلقهما و ضغط عليهما..
و صمتت كل الأصوات في عقله..كان يشعر بسلام تام لم يشعر به مرة واحدة منذ ولد..
و كأنها الجني الذي خرج من مصباح ما ليحقق كل أمنياته..

لطالما أراد أن تضمه أمه..أن يحبه والده..أن يصبح سيد بالحب على القلوب و ليس بالنسل و الخوف على الأجساد و العشيرة..
لطالما تمنى السلام و زوال الوحدة..لطالما تمنى الانتماء إلى أرض أو شخص أو حتى حائط ما..
و الآن تحققت أمنياته كلها دفعة واحدة..

و قبل أن يفتح عينيه..قبل أن يقرر أي فعل كانت شفاهها مستقرة على جبينه..و من ثم على عيونه..و كأنها ترفض إهدار دموعه..
تنهل من دموعه كي تزداد عطشا لروحه..

صوت بعيد في عقله كان يحدثه أن كيف تستلم لامرأة غريبة أنت الذي عشت حياتك كلها خلف جبال من قسوة و جليد و حذر؟!
و لكن مع كل لمسة منها على وجهه كان يبتعد ذلك الصوت أكثر فأكثر..

ظلالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن