فارس من عليين

89 14 0
                                    

فارس من عِليين ..

1000 بعد الميلاد - 1250 بعد الميلاد

لما دخلتُ جنة الخلد لأول مرة لم يكن على جسدي سوى ثوب من حرير أبيض.. يُمسك بي ملكان أبيضان شاهقا الطول.. حتى أفلتا يدي.. كان هذا يعني هلم انطلق ياصاحب الروح المرضية.. تفقد بنفسك ما أعد لك ربك من أجلك.. نظرت حولي بانبهار.. في أول لمحة رأيت نهرًا جاريًا.. كأنه نهر من لبن.. نظرت إلى الناحية الأخرى.. نخيل باسقات في أحسن صورة لها تمرها منثور على الأرض في إغراء حقيقي.. حقًّا لقد قرأت عن هذه الأمور.. إنها حقيقية.. هذا ليس حلما.. أنا واع تمامًا لما أرى.. فقط أشعر أن دماغي في حالة خدر ماتع دائم.. لكنني واعٍ.. لرائحة رائعة تسللت إليً بلا استئذان.. نظرت حولي.. كأنها عبق الجو نفسه.. الجو الذي أتنفسه.

"الجنة تنتظركم يا ناصري آل البيت.. يا أحباب عليّ.. الجنة هنالك لا يفصلكم عنها سوى أن تدفعوا أبوابها"

شيء آخر تسلل إليَّ بلا استئذان.. نوع من النغم المبهج.. لم أسمع في حياتي عذوبة كهذه.. نظرَت عيني ناحية النغم.. كان هناك مايشبه المدخل المصنوع من الأشجار.. ذلك النغم ينبعث من الداخل مع أصوات أخرى.. هناك أشخاص بالداخل.. شعور غريب أن تكون في جنة الخلد وتكتشف مكانًا جديدًا فتتحرك ناحيته لاستكشافه.. عالما أن ما بداخله من النعيم هو على مستوى كلمة جنة.. هذه الكلمات التي أقولها لا تصف ما أشعر به.. لكني أحاول أن أرسم المعنى بكلماتي.. تقدمت من ذلك المدخل شاعرًا بالنغم العذب يسحبني من عنقي.

"نسبّح بحمد الأول.. ونقدّس لمُلك الآخِر.. إلهان قديمان عظيمان لا أول لوجودهما ولا ثالث" حقا كان ما بالداخل مُبهرًا.. كانت المرة الأولى التي أذوق فيها معنى كلمة السعادة.. كانت روحي سعيدة.. منتشية.. تشعر بالمرح.. وقد زادت السعادة والمرح أضعافًا مضاعفة لما دخلت إلى ذلك المكان.. غشيَت أذناي ألحان أصبح صوتها واضحاً الآن.. ورأيت الكثير ممن أعرفهم.. إخوة العقيدة..

_115_


أراهم يتكئون على أرائك وتتكىء بجوارهم فتيات جميلات هن أجمل مما يُسمَح بوصفهن.. يلاعبونهن ويضحكن معهن.. كن يرتدين أثوابًا ذات ألوان فاتحة.. حمراء بعضها وبعضها بيضاء.. رأتني فتاتان وأنا أدخل إلى هذا النعيم فسارعتا بالتقدم إليً وعليهما أجمل ابتسامة رأيتها على ثغر.. ومدتا يداهما إليَّ بأنوثة لم أذقها يومًا من قبل.. وسحبتاني برقة لأنضم إلى الجمع السعيد.

"اقتلوا الخليفة حتى وإن قُتلتم.. فإن قتلتموه دخلتم الجنة.. وإن قُتلتم دخلتم الجنة أيضًا" أجلستاني على إحدى الأرائك.. ثم إنهما قبّلتا يدي برقة.. أرجوكما قولا لي إنني لا أحلم.. فإن كنت لا أحلم أخبراني أنني لم أسكر.. وإن كنت لم أسكر ففسرا لي لماذا أشعر أن دماغي منتشية.. لم أكن أعلم أن الجنة فيها نعيم حتى للدماغ.. والدماغ نعيمها الانتشاء.. ذلك الانتشاء العظيم الذي أذاقتاني إياه لأول مرة في الدنيا شيخ الجبل.. الإمام الأعظم.. "الحسن الصباح". وهنا رأيته يدخل إلى هذا الجمع الجميل بنفسه.. الإمام الأعظم بنفسه.. يالهيبة هذا الرجل.. أذكر ذلك الشاب الذي أمره الإمام الأعظم أن يقف على سور قلعة "ألاموت" ويرمي بنفسه.. فصعد الشاب فورًا ورمى بنفسه من فوق سور القلعة إلى الهُوّة السحيقة التي تطل عليها فمات.. كان الإمام قد أمره بهذا ليُرِي أحد الزائرين الصليبيين الذين زاروه في قلعته كيف أن أتباعه يُخلصون له ولو على حساب حياتهم.. لابد أن هذا الشاب يمرح في أحد ربوع جنة الخلد الآن.. لم يفهم ذلك الصليبي لماذا كنا مستعدين لقتل أنفسنا بروح طيبة.. ولو أنه رأى ما أراه الآن لفهم.

انتخريوستسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن